عرض مشاركة مفردة
  #7  
قديم 21-09-2002, 01:22 AM
محمد ب محمد ب غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2001
المشاركات: 1,169
إفتراضي

القراءة لها دورها الهام والحاسم بلا شك في قوة اللغة.وأخونا يتيم الشعر يعرف الحضيض الذي وصل إليه مستوى القراءة في زماننا فلعل العرب لم يقرؤوا في تاريخهم أقل من قراءتهم الآن!
ولكنني سأعود إلى الأستاذ مطر لأقول له: يبدو لي أننا نتحدث عن مسألتين مختلفتين وندمج بينهما بدون أن ننتبه:المسألة الأولى هي الإعراب وغيابه من اللغة المحكية،وهذه الظاهرة قديمة جداً قد نؤرخها بعهد الفتوحات ،وهو العهد الذي جعل خليفة أموياً هو من كبارهم وعلمائهم،ألا وهو عبد الملك يقول:شيبني صعود المنابر وتوقع اللحن!
واللحن في الإعراب (والخطأ في اللغة عموماً) جاء مع اختلاط العرب بغيرهم من الشعوب وهو تحول لغوي عجيب قاد إلى أن فقدت المحكية ظاهرة الإعراب مشابهة في ذلك لغات كالبلغارية التي فقدت إعراب البلغارية-الكنسية القديمة(التي وريثتها الشرعية الآن هي الروسية لا البلغارية) وكالإنجليزية التي فقدت الإعراب على حين حافظت عليه بصرامة بنت عمها الألمانية.
فغياب الإعراب إذن ظاهرة قديمة في العربية المحكية ورثناه من ثلاثة عشر قرناً ،ولكن الخارق في هذه اللغة المباركة هو استمرار الإعراب في اللغة المعيارية التي تكتب ويخطب بها بفضل كتاب لا يأتيه الباطل تكفل الله بحفظه.
وأما المسألة الثانية فهي جودة اللغة عند الأدباء (وخطباء المساجد!) المحدثين وهذه مسألة أخرى.وقد قلت في مداخلة وردت قبل قليل أن هذه اللغة سيئة فعلاً وهي ارتداد عن لغة عصر محمد عبده ومن تلاه.فقد قفزت اللغة العربية دفعة واحدة من لغة الجبرتي الركيكة إلى لغة محمود سامي البارودي الجزلة الممتازة ثم ورثه أمير الشعراء شوقي والشعراء الذين تلوه وكان لمحمد عبده وتلاميذه دور رائع في بعث هذه اللغة عبر نشر كتب أمهات فيها ككتابي عبد القاهر ومقامات الهمذاني.
ولأحدثكم عن طرفة تتعلق بهذه المقامات:
كنت أبحث عن هذه المقامات عبثاً فلم أجدها في المكاتب هنا ثم فجأة تعرفت على موقع جيد (هو موقع المرايا) وفيه كثير من النثر التراثي وبالجملة المقامات فطبعتها وجلدتها محتفلاً وأخبرت من أعرف من الأصحاب بعثوري عليها.
ولكنني حين تصفحتها خاب أملي وضاع ابتهاجي: لقد كانت هذه المقامات ضحية لعملية تصحيف قام بها الجاهل الذي طبعها شوهتها وجعلت من المستحيل قراءتها لأن التصحيف كان كبيراً يستحيل معرفة الأصل عن طريقه!
وسبب التصحيف كما لا يخفى الجهل الفادح باللغة الذي لا يجعل الناسخ قادراً على القراءة التلقائية.
ولا يتخيل المرء أن النسخ الحرفي يقي من التصحيف فالناسخ يجب أن يكون عارفاً باللغة وإلا وقع لا محالة في التصحيف وتخيل نفسك تنسخ نصاً باللغة الإسبانية وأنت لا تعرفها وانظر كم خطأ سترتكب! على حين ستكون أخطاء العارف بهذه اللغة إن نسخ نصاً منها محدود.
وبعد أسابيع عثرت في مكتبة الجامعة هنا على نص المقامات نشرته المطبعة اليسوعية في بيروت عام 1889 وحققه رجل اسمه"الشيخ محمد عبده المصري"!وغاب عني بفضل هذه "المصري" أنه محمد عبده ذاته الذي نفي مرة إلى لبنان بعد ثورة عرابي ودرّس هناك كعادة أهل ذلك الزمان الذين ما كانوا يضيعون أوقاتهم بلا فائدة!
المهم: كانت المقامات بحلتها البهية وأخطائها المنعدمة أمامي ووجدت نفسي أقول: سبحان الله!ما أبعد الفارق بين محمد عبده حين نشر المقامات وبين من جاء بعده بمائة وخمسة عشر عاماً وأعاد نشرها!وتأملوا في الرجعة الكبيرة للوراء التي حدثت!
وكثير من الكتب التي نشرتها مطبعة بولاق منذ قرن ونصف يعاد نشرها الآن فإن صورت تصويراً حافظت على دقتها وسلامتها من الأخطاء أما إن "حدّثت" وأعيد نسخها فقد تغدو نصاً هجيناً تقول فيه:كسر الله أيدي "المصحح" و"الناشر"!كما حدث مع عزيزتنا مقدمة ابن خلدون التي كانت رائعة حين طبعت قديماً بطبعة ليست مشرقة الجمال ولكنها دقيقة!ثم لونت وجملت وصحفت وجعل عاليها سافلها تصحيفاً!ولله الأمر من قبل ومن بعد.
الرد مع إقتباس