الموضوع: الشوكاني
عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 23-09-2002, 01:45 AM
محمد ب محمد ب غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2001
المشاركات: 1,169
إفتراضي

عاصر الشوكاني أربعة من الأئمة الذين حكموا اليمن، عمل مع ثلاثة منهم كقاضٍ ومستشار ووزير لم يبخل على أي منهم بالمشورة أو النصيحة أو النقد أحياناً ويكون قريباً منهم قرباً خاصاً لا يتعرض لأي أذى من أي منهم لا شك أنه كان محظوظاً قبل أن يكون ذكياً وأنه رغم علمه وثقافته وشجاعته التي تجلت في بعض المواقف ظهر أنه يملك قدراً كافياً من الدهاء والنفعية مكنه من أن يكون في مأمن من غضب هؤلاء.‏

مضمون الفكر السياسي والقانوني للشوكاني:‏

ما هو مضمون أو مفهوم العلاقة التي تربط الحاكم بالمحكوم كما يراها الشوكاني؟‏

يرى أنها مسؤولية متبادلة ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)) أي أن كل طرف ملزم بالوفاء بالتزاماته نحو الآخر. العدل والمساواة وتحقيق الأمن ورفع الظلم من واجبات الحاكم، أما الطاعة والنصيحة والصبر فهي قدر المحكومين.‏

وأول مدخل لهذه العلاقة الأبدية هي اختيار الإمام أو الحاكم من عدمه وكيفية هذا الاختيار، ومع التضارب في الرأي بين من يوجب تنصيب الإمام، ويرى أن هذا من أولويات الحياة السياسية، وبين من لا يرى ضرورة لذلك. يقف الشوكاني مع الفريق الأول الذي يرى وجوب اختيار أمام للمسلمين ويستشهد بأحاديث للرسول الكريم منها ((لا يحل لثلاثة يكونون بغلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم)) ويقول مع الماوردي ((الإمامة واجبة بالإجماع)) والإمامة كالجهاد وكطلب العلم فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الآخرين. ولا أدل على ذلك من أشغال المسلمين بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم باختيار خليفة قبل الانشغال بتجهيز الرسول ودفنه.‏

أما كيفية الاختيار فتكون من قبل جماعة من أهل الحل والعقد كما مر آنفا، والشروط التي يجب توفرها في أهل الحل والعقد فهي العدالة والعلم والحكمة كما حددها الفراء والمواردي وغيرهما.‏

والشروط الواجب توفرها في الإمام أو الحاكم كثيرة منها التكليف أي القادر على تدبير أموره بنفسه فيخرج الصغير، والذكورة فالمرأة لا يحق لها أن تتولى الإمامة لأنها ناقصة عقل ودين وهذه النظرة الدونية للمرأة لمن تمنعه من أن يدافع عنها في موضع أخر وهو حرمانها من الميراث وأقر بحقها فيه، وأن يكون علوياً فاطمياً أي من صفوة الصفوة من قريش، ويذكر على سلامة الحواس في الإمام، أما الأطراف فلا يعيرها الاهتمام المطلوب.‏

الاجتهاد ليس من الشروط المطلوبة وإن كان يحبذ أن يكون الحاكم عالماً مجتهداً، والعدالة من الشروط الأساسية، كذلك حصافة الرأي، والشجاعة والإقدام، وبالطبع لا يمكن اختيار أمامين في القطر الواحد وأجاز ذلك بعد توسع الدولة وأصبحت أقطاراً.‏

وأهم واجبات الحكام هي تحقيق العدالة، وحماية الضعفاء، وجهاد أهل الكفر، وإقامة الحدود الشرعية، والحث على إقامة الشعائر، وتعيين القضاة، واختبار أهل الحسبة، وتجييش الجيوش، والاهتمام بالتعليم، والضرب بشدة على يد العابثين بالقانون وبمصالح الناس لأن الناس تخشى تطبيق القوانين أكثر من خشيتها من العقاب الديني كما قال الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز ((إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن)) واحترام الملكية الخاصة، وأن يتحقق الاتصال المباشر بين الحاكم والمحكومين، وتقريب أهل الفضل وتعظيمهم.‏

وواجبات المحكومين أو قدرهم الذي اختطه لهم الفكر الإسلامي إلى يومنا هذا. الطاعة والطاعة دائماً وأبداً للحكام، والصبر على جورهم وظلمهم مخافة الفتنة، والنصح لهم عندما يتاح لهم ذلك.‏

حظى القضاء باهتمام بالغ وبحفاوة واضحة في الفكر الإسلامي فلا عجب أن الشوكاني وهو القاضي بل قاضي القضاة يولى هذا الموضوع اهتماماً كبيراً ويمنحه مساحة خاصة من نفسه وقد قدم لمحة خاطفة في من يتولى القضاء لتبيان أهمية ومرجعية كائنة في القرآن والسنة، فالقرآن يأمر النبي داوود بأن يحكم بين الناس بالحق، والنبي سليمان حكم أيضاً بين الناس، والرسول الكريم كان حكماً في الجاهلية وهو أول القضاة في الإسلام، وكذلك عمر بن الخطاب وعندما اتسعت رقعة الدولة الإسلامية أرسل الرسول الكريم من ينوب عنه ليقضي بين الناس وحديثه مع معاذ بن جبل حديث مشهور، وكذلك فعل من جاء بعده من الخلفاء الراشدين.‏

والقضاء أمر واجب للقادر عليه وأهم الشروط الواجب توفرها في القاضي هو الاجتهاد فلا يحق للمقلد أن يحكم بين الناس، وكذلك نزاهة اليد وعفتها فمن لا يتورع عن أموال الناس فلا خير فيه، والعدل لا يتحقق إلا بالجرأة على مواجهة الباطل، وشرط الذكورة مرتبط بحرمان المرأة من تولي القضاء، ولا بد للقاضي أن يكون سليم الحواس خصوصاً السمع والبصر، أما سلامة الأطراف فالشوكاني يتغاضى عنها بنفسه بأي أسلوب كان وعلى القاضي أن لا يحكم في حالة الغضب، وأن يسوي بين الخصوم والسماع منهم.‏

إن الإحساس بالذات وبمسؤوليته كعالم وفقيه وقاض قد فرضت عليه مسؤولية مضاعفة، وحتمت عليه الإصلاح ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، فقد انتقد سوء الإدارة والقائمين عليها وأساليبهم الخبيثة في استغلال المواطنين وممارسة العسف والظلم بحقهم سواء العامل أو القاضي أو الكاتب. فهذه السلسلة من المسؤولين قد تضافرت على المواطن وأرهقته بأطماعها في الوقت الذي يكافح فيه الشوكاني عن العامة ويدعو لإنصافهم ورد الحقوق لهم، لا يستطيع أن ينسى فكره الطبقي واحتقاره للسوقة من أصحاب الحرف والمهن من بدو وحضر.‏

وأوصافه للعامة تبدو في غاية السوء وقبح اللفظ وينسى في لحظة قيم الإسلام المنادية بالمساواة وسلوك النبي الكريم مع البسطاء والضعفاء من الناس ((العاقل لا يفرح بإقرار جماعة له من البدو والحراث أو السواقة من أهل الحياكة والحجامة وسقاط أهل المهن الدنيئة والمعاشر الوضيعة)) ونقده للسياسة الضريبية يشوبها الشك فالعامة لم تكن في ذهنه وهو يوجه نقده للدولة وإنما يقصد حماية الطبقة التي ينتمي إليها.‏

نفى عدد كبير من العلماء والمفكرين الاتصال بالحكام الظلمة أو أن تكون هناك علاقة بين المثقف والسلطة لأن السلطة دائماً وأبداً ترغب في توظيف العلماء ورجال الفكر في أغراضها الدنيئة وأن يكونوا مطية لنواياها السيئة وأعمالها القبيحة وهو الواقع المستفاد من التاريخ. غير أن الشوكاني يذهب مذهباً آخر فهو يدعو للاتصال بين العالم والحاكم وكان يعنى الاتصال المشرّف الذي يحتفظ فيه العالم بحريته الفكرية واختياراته السياسية وأن يكون هذا الاتصال لخدمة مصالح الوطن والمواطنين أو لتحقيق أكبر قدر من المصلحة العامة وقطع الطريق على غير الشرفاء والجهلة والانتهازيين إلا أن هذا التوازن وهذه الشفافية ما كان لها أن تقع أبداً لأن الحكام الفاسدين لا يتفسحون إلا مع الزمرة الفاسدة ولا يطيب لهم العيش إلا مع الجهلة. والشوكاني نفسه لم يحالفه الحظ مع الأئمة الذين خدم معهم بدليل الإمام للمرسوم الذي صدر باسمه بل كان أول الناقضين له.‏

من خلال قراءتي لكتاب الدكتور /زياد علي الفكر السياسي والقانوني عند محمد بن علي الشوكاني تبين لي -والله أعلم -أن الشوكاني كان يراوح بين شخصيتين شخصية العالم المثقف الذي يعيش للعلم والتأليف ويحلم بعالم تسوده القيم والمثل وبين السياسي الذي يلازم الإمام ويقبع في دار السلطان ويخضع للظروف ويتمشى مع الواقع، إن كل من الشخصيتين تراوح مكانها ولا تتجاوزه فالعالم في تأليفه تحكمه قيم ومثل ومبادئ عليا والسياسي تشده مصالح ومنافع وواقع لا يمكن القفز عليه.‏

إن إحدى الشخصيتين لا تتماس مع الأخرى ولا تشاكلها والحرية التي منحت للشوكاني حرية التأليف والكتابة لا حرية السياسي الذي يشير ويستشار ولعل الأئمة قد غضوا الطرف عن بعض الانتفاضات أو الهفوات التي بدرت منه.‏