عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 12-10-2002, 09:13 AM
القوس القوس غير متصل
وما رميت إذ رميت
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2002
المشاركات: 2,350
إفتراضي الجزء الثاني

التورطات

تعتبر العديد من الحكومات السياحة الدولية كأحد أشكال التنمية الاقتصادية، ويعتبر الأهالي الاندماج في هذا العمل كوسيلة للالتقاء مع العالم الغني، وعليه فإن هؤلاء الأهالي يهاجرون نحو المناطق السياحية. وهم يأملون في الحصول على أكبر الفرص في الشغل وفي تيسير حياتهم. وعلى المستوى الرسمي يتوجه قطاع السياحة بالضرورة إلى تشغيل مواطنين شباب يبذلون الكثير من طاقاتهم وجهودهم، كما يكونون عادة على مستوى معين من التعليم. أما الأطفال والنساء الذين لا يتوفرون على هذا المستوى من التعليم فهم مضطرون للعمل في القطاع غير الرسمي ويجدون أنفسهم يمارسون مهناً من نوع : مرشد سياحي، بائع ورود، ماسح أحذية.. ومع الأسف فأن القطاع غير الرسمي في البلدان السائرة في طريق النمو ملتصق دائما بتجارة الجنس. والسياحة الجنسية ترتكز بالضبط على شبكات غير رسمية تقدم خدماتها كالمرشدين السياحيين غير المرخص لهم، والشيالين، والسائقين، وخادمات البيوت، والحراس، والعاهرات. وهذه المهن التي لا تتطلب إلا حضور الجسد لا تجتذب إلا أولئك الذين ليس لهم ما يقدمونه إلا أجسادهم، والذين هم معوزون مادياً، وفي هذا الاتجاه فإن المراهقين المنحدرين من أوساط فقيرة، والذين يفتنهم التبذير وسهولة الإنفاق عند السواح الأجانب يختارون عموما الدعارة، لأنها خيار يخلصهم من الوقوع في الجريمة ومن الأعمال الجسدية المرهقة. وبعض هؤلاء المراهقين يعتبرون هذا النوع من التلاقي مع السياح مثل أمل في الهجرة إلى الخارج.



تأثيرات

بالإضافة إلى الزلزال الذي تحدثه في البنيات الأسرية، فإن هذه الظاهرة، تسبب اضطرابا لكل البنيات الاجتماعية والاقتصادية في المنطقة. وهكذا، من وجهة نظر اجتماعية، فقد أخذت المنطقة تشهد تزايداً في الزيجات الفاشلة، وفي جنوح المراهقين، يقول أحد رجال الشرطة: «كل من هربت ابنته من البيت يأتي للبحث عنها في أغادير». هذه الظاهرة تهدد الحركة السياحية في المنطقة لأنها تنشر اقتصادا ظرفياً عابراً يعتمد على ساكنة من السياح الجنسيين متنقلين يبعدون السياح الحقيقيين عن المنطقة ويفسدون النسيج الاقتصادي للمنطقة بأكملها. وبالفعل فالعديد من الفنادق في أغادير توقف نموها وتحولت إلى فنادق عبور، كل شيء فيها مهمل ومرتجل باستثناء رغبات هؤلاء الزبائن الخاصين.

إن أغادير مدينة اعتمدت أكثر من اللازم على السياحة دون أن تعرف كيف تنميها. فوسائل مثل الطقس والفلكلور والصناعة التقليدية لم تعد كافية لجلب واستبقاء السياح الحقيقيين وبالتالي ملء الفنادق وتنشيط اقتصاديات المنطقة.

وعليه، فإن أصحاب الفنادق أصبحوا يغضون الطرف عن ممارسات مثل الدعارة التي هي أكثر استهواء وجذبا لنوع معين من السياح.



وماذا عن السيدا ؟

حسب "جمعية محاربة السيدا" (A.L.C.S) فإن عاصمة سوس تتوفر على الرقم القياسي في عدد حالات السيدا نسبة إلى عدد السكان، وبالفعل فإن أغادير بحالاتها الـ 148، رغم عدد سكانها الأقل بكثير تحتل الصف الثاني وراء الدار البيضاء، يقول مصطفى الحالي المدير الإقليمي "لجمعية محاربة السيدا" بأغادير: «من ضمن 140 تحليل وجدنا 15 حالة سيدا، غير أن هذه الأرقام لا تعبر إطلاقا عن حقيقة تضخم الداء وانتشاره»، ويضيف قائلا: «أغلب الذين يطلبون إجراء فحص عليهم يأتون بالاعتقاد أنهم سليمين ، وأما الذين يعرفون أنهم مهددون ، وخصوصا الأوساط المعرضة للخطر فلا يلجأون إلينا إلا لماماً».

وحسب متحدثنا فإن هذه الأوساط المعرضة للخطر والتي تتمثل في المومسات المداومات أو الشاذين جنسياً يحتمل أن يكونوا مصابين بالسيدا بنسبة 70% . وقد أثار بالخصوص حالة العاملات الموسميات اللواتي يعملن في صناعات الصيد والفلاحة. واللواتي لا يستطعن العيش خلال فترات التوقف عن العمل إلا عن طريق الدعارة، ومن جهة أخرى وعلى عكس ما هو معتقد فإن السياح ـ على الأقل الغربيون ـ ليسوا مسؤولين عن انتشار الوباء. يقول السيد مصطفى الحالي: "إن السيدا هي قضية مغربية ـ مغربية، فالسياح الأجانب الذين يمارسون مع مومسات محليات يحمون أنفسهم"، ويصرّ على التأكيد على أن الأمر يختلف لدى الشرق أوسطيين الذين لا يأخذون أي احتياط. ويقول كذلك: "طريقة انتقال المرض الأكثر انتشارا هو الدعارة العادية بين رجل وامرأة".



وقاية

إن السياحة الجنسية في المغرب، وإن بقيت أمراً غير ظاهر، أو أن حجمها لم يبلغ الدرجة التي عليها تايلاند، فإننا لا يمكننا أن نحول أنظارنا عن هذا الوباء الذي يمكن أن ينهش البلد من الداخل تحت ذريعة كونها مصدراً للعملة الصعبة وكونها توفر أجورا إضافية للمسؤولين المحليين عندنا، يجب اتخاذ تدابير عاجلة لإيقاف هذا الشر، ويجب على السلطات أن تتعاون مع الجمعيات غير الحكومية والهيئات الدولية لمحاربة السياحة الجنسية بإحصاء وجدولة وإيقاف المذنبين على المستوى الوطني والدولي، كما يجب على بلادنا أن تنظم وتشارك في حملات توجيهية وإعلامية مثل تلك التي تنظمها Epac - international والوكالة الدولية لمحاربة استغلال الأطفال ؛ هذه الحملة المنظمة، بمساهمة 83 دولة، تتمثل في البث الإذاعي والتلفزيوني في اتجاه الأوساط المعرضة للخطر لخطابات بسيطة من نوع: كل شخص متورط في اعتداء جنسي على طفل سوف يتعرض للمتابعة في مكان الجريمة أو في بلده الأصلي.

إن هذه الظاهرة التي تنمو في ظل سلبية السلطات تستفيد في ذلك من سياسة النعامة المتبعة من طرف السلطات القضائية والشرطة.

إن الدول التي تركت هذا المشكل ينمو انتهى بها الأمر إلى انهيار عام قضى نهائياً على بنياتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وحسب مصادرنا فإن المنظمة الدولية للسياحة (WTO) كانت قد وجهت رسالة تحذر فيها السلطات المغربية من خطورة ظاهرة السياحة الجنسية فيها ، ولم تتلق هذه المنظمة إلا جواباً سلبيا متخشباً، وبموازاة مع ذلك فإن السلطات التونسية والمصرية التي تلقت رسالة مماثلة أجابت بكثير من القابلية للتعاون.



العواقب الوخيمة للظاهرة

في الوقت الذي يتم فيه التطرق إلى أوضاع المغرب في العديد من تقارير البنك الدولي، واليونيسكو، والباحثين الاجتماعيين والانتربولوجيين، تبقى السياحة الجنسية أمرا خفيا في وسائل الإعلام. ومن بين الأسباب الأساسية التي تقف وراء هذا الإخفاء هناك قيم المجتمع، وكذلك عدم التبليغ و فضح سياح من بلاد عربية وإسلامية شقيقة، وكذلك تواطؤ السلطات المحلية بسكوتها.

إن عواقب السياحة الجنسية معروفة ويزداد تكريسها بقوة يوما عن يوم.

وحول هذه الآفة الخفية تنسج شبكة من المتاجرين في كل أنواع البضائع والخدمات، (ماسحو الأحذية، بائعو الورود، المستخدمون الجوالون، سماسرة كل المواد التي يتم إيصالها إلى البيوت، كراء البيوت بطريقة سرية..)، كل هؤلاء يشاركون، إما بشكل دائم أو في أوقات متقطعة، في تنمية هذا القطاع. ومن جهة أخرى، فبالسماح بنموّ هذه الممارسات، فإن أغادير تفقد حظوظها في أن تتطور إلى مدينة سياحية حقيقية، يكون المجال المرصود لسياحتها هو تقديم خدمات ومواد ذات قيمة مضافة.

إن المدينة أخذت تفقد جاذبيتها الحقيقية وأصبح المقاولون والمنعشون السياحيون يتخوفون من مناخ وبيئة كهذه. كما أن السكان المحليين أصبحوا أكثر فأكثر مذهولين ومصعوقين من سلبية السلطات أمام البلبلة والهرج الذي تحدثه دعارة الكبار ودعارة الأطفال على حد سواء، ومن حشود السياح الذين لا يأتون إلى المدينة إلا بغية أن يناموا نهاراً وينشطوا ليلاً. صحيح أن هؤلاء السياح يوفرون لقمة العيش لسائقي التاكسيات وللفنادق التي تسمح بجلبة مشبوهة وظاهرة، ولكنهم لا يساهمون بشيء في تنمية قطاع السياحة.

وبطبيعة الحال فإن الأمراض المتنقلة جنسياً هي مرافق لا تنفصل عن هذه الأنشطة الجنسية، وأرقام "الجمعية المغربية لمحاربة السيدا" بأغادير فيها ما يدعو إلى استنفار ليس فقط السلطات، ولكن ضمير البلاد بأكملها.

إن المولعين بممارسة هذا النوع من السياحة يجهلون أو يتجاهلون تماما وسائل الحماية من الأمراض المتنقلة جنسياً.

ومع السرعة التي تنتشر بها السيدا، لم تعد المسألة إلا مسألة وقت حتى تبدأ منطقة سوس ماسة تفقد أطفالها بأعداد ضخمة جدا، مما يدعو إلى ضرورة قيام انتفاضة عامة على هذا النشاط المخزي، ليس فقط من لدن السلطات، ولكن كذلك من لدن الساكنة المحلية السليمة والسوية.



الخراب الذي سببته السياحة الجنسية

تعد بلدان المغرب وتونس ومصر، أوكارا بالنسبة لسياحة الشذوذ الجنسي بالأساس، أما جزر الكاريبي، والبرازيل، ومدغشقر، وفيتنام، وكمبوديا، وتايلاند، وبرمانيا، وبالي، فهي مخافر بالنسبة لكل الأنواع، وانضافت إليها مؤخراً كوستاريكا، هذا دون حساب الجمهوريات الجديدة في شرق أوروبا حيث الجو أقل حرارة ولكن مع ذلك فإن قابلية المراهقين والأطفال الذين يعيشون في أزقة "سان بيترسبورغ" و"بوخارست" و"فرصوفيا" تأخذ أبعاداً منذرة بالخطر، ويمكن مضاعفة الأمثلة إلى ما لا نهاية.

وفي كل الحالات هناك الفقر المدقع للساكنة التي تستغلها السياحة الجنسية، ويستغلها هؤلاء المسافرون الذين لديهم جيوب ملأى بالدولارات، ولكن بأخلاق ذات جغرافيا متقلبة.





عن مجلة PARADE، ملف : Le tourisme sexeul

ترجمة : إبراهيم الخشباني
__________________
وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) (المائدة:83)