=========================== الجزء الثالث والاخير =========================== أشرقت الشمس وذاب الجليد وبدأت الحشائش تخرج من ثنايا الأرض الصفراء ، أخضر الغصن الجاف واصبح طرياً مرناً لا ينكسر بسهولة ، أشدت الروابط الزوجية وانزاحت الكلفة الشخصية ، استطاع كلٍ منا تقبل صاحبه بعيوبه ومزاياه ليدفع بذلك عجلة القافلة بأمان وسط كثبان المشاكل والخلافات الأسرية .
أشعة الشمس الدافئة تخترق نافذة غرفتي مسلطة على وجهي أحاول أن أتفادها بتغطية وجهي بيدي أو بالوسادة ، أتقلب بجميع الاتجاهات محاولاً جلب النوم إلى عيني كمن يسحب عربة محملة بالأوزان ، اشعر بثقل برأسي أحس بمن يحركني ويصرخ بأذني عبثاً يحاول أن يوقظني ، ارتفع الصوت أشدد التحريك ، صوتاً يناديني .. محمد .. مد .. مد .. مد .. محمد .. مد .. مد .. مد أرجو لك على قد إلحافك
- قم حتى الأمثال ماتعرف تقولها ، قم تأخرت على شغلك
- تكفين خليني أنام خمس دقايق بس
- قم افطر وعلشان توديني بطريقك لأهلي
- ليش تبين تروحين لأهلك
- فيه موضوع بيني وبين أمي وإذا رجعت أقوله لك
- قصدك لرجعتي تبين تطبقين نصايح أمك الشينه
- لا والله مو هذا القصد ، قم أنت الحين غسل وأفطر
- طيب .. نهضت من فراشي ، غسلت وجهي ، واعتقد أنني فرشت أسناني ، لبست ملابسي وخرجت لأتناول الإفطار ، جلست على الطاولة أنظر إلى المائدة اقلب الأطباق الفارغة لا يوجد بها شي عدا قليلاً من قشر التفاح المجفف والحليب المبستر ، صرخت بزوجتي مستنكراً : وش هالقشور اليابسة هذي شايفتني دجاجة ..
أخرجت رأسها من باب المطبخ ابتسمت ابتسامة باهته وأخبرتني باستخفاف أن هذا ما هو إلا كورن فليكس أو كما قالت ، وبعد أن استفسرت عن طريقة آكلها
قالت : حط عليه حليب واشوي سكر وكله بالملعقة
- مالها داعي الفلسفة قولي أنها أم علي حقت الكفار وخلاص
- مايخالف المرة الثانية ، الحين ابروح البس عباتي وأنت خلص فطورك بسرعة علشان مانتأخر .
ذهبنا إلى منزل أهلها ، طلبت منها العودة فور الانتهاء من الزيارة لتقوم بتجهيز وجبة الغداء ، عدت من عملي عند الساعة الثالثة عصراً ولم أجدها في المنزل ، سارعت بالاتصال على أهلها وأخبروني أنها في الطريق إلى البيت ، وما هي إلا دقائق حتى أتت ، يبدو عليها الابتهاج والسرور ابتسامة عريضة ترتسم على محياها ، وأنا أحترق في داخلي غضباً منها ، وقبل أن أرد التحية عليها سألتها بنبرة تنم بغيضي من تأخرها ، لم تجبني كانت تمشي بخطى هادئة وثابتة وابتسامتها تزداد اتساعاً وعيناي تزداد احمراراً وأطرافي تتسابق ارتعاشاً ، تقدمت نحو أحد الكراسي وجلست وبيدها عباءتها تمدها إلي وتأمرني أن أضعها في مكانها المخصص متجاهلة غيضي ، صرخت صرخة كادت أن تفجر أذناي قبل حنجرتي .. لماذا تأخرتِ ؟ لماذا لم تحضري الغداء ؟ لماذا أنت مسرورة ؟ ماذا بك ؟ كل هذه الأسئلة كانت في خلدي ولكنها تشاجرت من يخرج أولاً من فمي ونتيجة الشجار تمتمة غير مفهومة أشبه بالأنين منها بالكلمات ، في هذه اللحظات ولكي لا يتطور الأمر سوءاً
سارعت بالقول : هد نفسك يابن الحلال لا ينقز فيك عرق ، عندي لك خبر حلو راح يخليك تشقق من الفرح
- ياحرمه لا تلعبين بأعصابي ، تراني جوعان ومخي مقفل
- إذا عرفت الخبر راح تعذرني على تأخيري ، اجلس الحين واقولك الخبر
- ياله قولي الخبر بسرعة لا أعطيك بكس اهد اسنونك
- هاهاها .. طيب اجلس
- مايصلح الخبر ينقال وأنا واقف .. وهذي جلسة
- صراحة أنا مادري وشلون أقولك الخبر
- بدينا بالكلام الفاضي ، قولي من اليمين لليسار ياله بسرعة
- اليوم انا رحت مع أمي للطبيبة علشان اكشف
- عسى ماشر وش فيك لا يكون جاكي تسمم من عشاء البارح تصدقين بعد أنا بطني مو مضبوط اليوم
- لا لا ماجاني شي ، الدكتورة قالت لي أن في أحشائي .. في أحشائي
- وقفي خلاص لا تكملين ، فهمت .. أعوذ بالله من غضب الله أستغفر الله العلي العظيم ، هذي أخرتها ، كم مرة أقولك لا تماشين رفيقات السوء
- أي رفيقات سوء وأي خرابيط تتكلم عنها
- لا تحاولين تبررين موقفك وأن الحاجة هي إلى خلتك تسوين كذا ، أنا ماقصرت معاك بشي ، صحيح أني ناشف شوي بس هذا مايعني أني بخيل ، أنا وبسبب الديون قاعد اشتغل للناس الحين ، هذي جزاتي تسودين وجهي
- هيه أنت يابو الشباب وش قاعد تقول ، افهم أول
- وأنت خليتي فيني عقل علشان افهم أنت وسوياك الشينه ، الحين بأي وجه أقابل الناس ، أخ .. من يوم بديتي تماشين جارتنا الباكستانية وأنا شاك في الموضوع بس قلت ياولد لا تسيء الظن
- هيه لا يروح عقلك بعيد .. صدق أنك ماتنشرى ولا بريال وأنت جوعان ، أقولك في بطني جنين
- جنين وإلا هروين !! كلها مخدرات حتى لو حاولتي تغيرين الأسامي ، ما قول إلا الله يعيني ابترمل وأنا بعز شبابي
- هاهاها والله أنك قروي وأنت أي شي في الأحشاء يصير مخدرات ، أقولك في بطني طفل
- بطل .. حشى هذا مو بطن هذا سوق سوداء ، بطل ومخدرات في بطنك يا لظالمة ، باله شوفي إذا في بطنك علبة باتكس وإلا بكت دخان
- ياجنط .. أنا حامل .. حامل .. حامل
- ما شاء الله عليك والله أنك قوية قدرتي تحملينهم بروحك
- ياربي .. أكيد مخك مشفر اليوم ، أنت ماتفهم ، اقولك أنا حامل ، يعني أنت تبي تصير أبو بعد كم شهر ، الله يعينه عليك
- هاه .. اقين مرة ثانية ما فهمت
- وأنت متى فهمت !! أنا حامل ، يعني أنت تبي تصير أبو
- الحين فهمت ، قولي انك دافع ، وإلا مضرع ، قولي انك لاقح ، يعني لازم تتفلسفين علي
- وأنت شايفني بهيمة بعد على هالالفاظ
- يعني أنت حامل بولد صح
- أو بنت
- مو مشكلة ، أهم شي انك حققت حلم حياتي ، أحمدك يا رب ، أحمدك يا رب وأخيراً تحقق الحلم
- صدق يا محمد أنت كان نفسك بولد مني
- لا
- لا .. طيب وش هو حلم حياتك ؟؟
- حلم حياتي أني امشي بشارع الحوامل وأنا رافع رأسي فوق أطالع ألي رايح والي جاي ولا يهمني أحد .. ياله مشينا بسرعة للشارع
- مهبول أنت وإلا صاحي شارع الحوامل بهالحر
- لا تؤجلين مشي الحر إلى مشي البراد ، راح نمشي من اليوم حتى تولدين
- والله انك مانتب كفو تصير أبو على هالطموحات والأحلام
- أقول لا يكثر هرجك سوي سندوتشات علشان ناكلهم وأحنا نمشي
- الله يعيني عليك
- إلا تعالي من متى وأنت حامل
- أنا في الشهر الثاني
- غريبة
- وش هي ألي غريبة
- ما كد شفتك ترجعين أو تدوخين
- أقول الله يلعن التلفزيون ألي لحس مخك
- بس أخاف يصير الحمل نصاب أقصد كاذب
- لا الحمل صدقي مو كذب الدكتورة أكدت لي هالكلام
- طيب يعني بعد سبع شهور تبين تسوين له داون لود .. بس تأكدي لا يصير فيه فايروس
- أقول مشينا للشارع احسن .
ذهبنا لشارع الحوامل كما يسميه البعض ، تغمرني فرحة وحماس لا مثيل لهما ، كنت على استعداد أن ادفع عمري مقابل ذلك النبأ السعيد الذي لم يستطع علقي استيعابه حتى الآن .. وصلنا الشارع المعني ، ارتجلت أنا وزوجتي بين حشود النساء والرجال ، ما هي إلا بضع مترات حتى أصابني ألم في اسفل ساقي اضطرني لإنهاء هذه الرياضة والعودة إلى السيارة ، خيبة أمل تعكر صفو وجه زوجتي وهي التي طالما طلبت مني الخروج والترويح عن النفس والهروب من الضجر الذي سببه لها طول المكوث بالمنزل ، نظرت إليها بابتسامتي التي لم تفارقني ، أخبرتها أننا لن نعود للمنزل الآن وقبل أن ألبي لها أمنية من أمنياتها المحدودة التي كنت أتجاهلها في الماضي لعدم وجود الوقت أو اعتذر لها بأعذار واهية ، حاولت أن أتذكر أهم الأمنيات بالنسبة لها ولكي أفاجئها بتلبيتها وأشعرها أنني مهتماً بها وبأحلامها ، وبعد أن تذكرت قلت : راح أحقق لك أمنية من أمنياتك ، راح اوديك لمكان تقدرين تشوفين الطيارات وهي تطير ، انقلبت خيبة الأمل إلى شعور بالنصر والظفر بالغنيمة ، لم تصدق ماقلت في بادي الأمر ، أقسمت لها بأنني فاعل لما قلته .
وعلى الفور اتجهنا قاصدين ذلك المكان ، لم أتمكن من التوغل بسبب الرمال وحضائر الجمال ، الهواء ساكناً حتى أنه لا يقدر تحريك الأكياس المتناثرة هنا وهناك ، السماء صافية تزينها النجوم المتلألئة ونور القمر ينعكس من وجوهنا ، جلسنا بعد أن قمنا بتنظيف المكان من الأحجار الكبيرة والتي تقلق راحتنا ، تناولنا السندوتشات التي أحضرناها معنا ، كلٍ منا ينظر إلى صاحبه تارة وإلى السماء تارة أخرى ، حالة من الذهول والدهشة يلتبس وجه زوجتي وهي تتابع منظر الطائرات عند الهبوط ، ولكسر حاجز الصمت الذي خيم علينا ولأضفي بعضاً من الشاعرية على خلوتنا الشرعية قلت متغزلاً بزوجتي : شوفي الطيارة هذيك
- أيه اشوفها وش فيها
- أنت أحلى وأجمل وارق من المضيفة الهندية ألي بالدرجة السياحية
- الله لا يكثر خيرك ، لو قلت المضيفة اللبنانية ألي في الدرجة الأولى كان قلت لك معقولة
- الهندية وتخب عليك بعد
- الحين مخلي السماء وكل الأشياء الحلوة ألي فيها وقاعد تقارني بمضيفة .. وهندية بعد
- هذا ألي طلع من ذمتي ، تبغيني اكذب يعني
- أيه اكذب مو أنت أول واحد أو آخر واحد يشبه زوجته بالقمر
- الله يعين القمر
- وش قصدك أني مو كفو
- لا العفو ، اقصد هالقمر الضعيف كل من بغى يتغزل وتوهق قال القمر والقمر ، صار القمر كنه شماغ في محل مصور من نسى شماغه البسه وصور
- طيب عندك السحاب ، النجوم أي شي حلو
- ابحاول .. تشوفين النجوم
- أيه اشوفهم وش فيهم
- والله ياهم اكثار ، اتحداك تعدينهم
- افففففف اعناد فيك ابعدهم 1 ، 2 ، 3
- لا تعدينهم يابنت الناس ، بعدين يطلع في وجهك ثواليل ، وماحنا ناقصين يكفي حبوب الخال
- تطنز ، عاد لو انك حلو أو مملوح على الأقل كان قلت مايخالف ، بس المشكلة أنك آية بالقبح يالشين
- هاهاها .. تصدقين قاعد اتخيل الثواليل بعد مايطلعن بوجهك ويكون حواليها كم حبة خال .. تصير كنها جحر نمل .. هاها .. بعدها ماراح اوديك لطبيب جلدية تدرين وين راح اوديك ؟؟
- أدري تبي تقول لشركة مكافحة حشرات ؟؟ صح
- لا .. لا راح اوديك لشركة شفط مجاري
- شركة مجاري ؟؟ طيب ليش عاد
- لان حقين الحشرات مسكرين .. هاهاها .. وعلشان نخليهم يشفطون النمل ونستفيد من جحورهم نزرع فيهم أثل ، لمكافحة التصحر ألي في وجهك .. هاهاهاها
- هذي وهي جلسة شاعرية ، اجل لو كانت جلسة هواش وش راح تقول ، ليش ما تتعلم من المسلسلات ألي تشوف وتقول كلام حب
- وأنت تشكين أني احبك علشان أقولك أنى احبك
- ادري انك تحبني بس ابيك تقولها لو مرة وحده
- كم تدفعين .. هاها .. اسمعي الحب مهب بالقول والهرج الفاضي ، الحب فعل وتضحية ، لو كان الحب كلام بس كان كل واحد عنده آلف حبيب ونصير مثل حقين الاي سي كيو وساحة الحوار
- ادري
- تكذبين ماتدرين .. أنا لو ماحبك ماجلست معاك كل هالمدة
- طيب عاد لا تقول تكذبين
- لو ما قلتها صرت أنا الكذاب
- طيب أنت وش تعرف عن الحب
- اعرف أن الحب مواقف مجانية ، وعطاء يعني لو صار لك موقف راح تحصليني اقف معاك قبل اهلك واخوانك ، يعني مثلاً لو تضاربتي أنت وواحد ، أكيد ابفزع معاك لأني احبك هذا في حالة أنه اقوى منك ، بس لو كنت أنت أقوى منه ، أنا ألي راح اكفلك وطلعك من التوقيف ، هذا هو الحب الحقيقي بنظري
- وأنا بنظري أني اقدر اعد النجوم خلال يومين .. مالت عليك أنت وأمثالك ..
منقول من s5s5
__________________
وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) (المائدة:83)
|