عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 05-03-2003, 08:33 AM
ahmednou ahmednou غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2002
المشاركات: 477
إفتراضي تابع

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله... أما بعد:

فنبتدئ في الكلام على قصة موسى عليه السلام مع فرعون الطاغية المستبد الجبار الظالم المجرم الكافر الزنديق السافل العاتي المفسد، الذي كان يقول ما لم يقله أحد من البشر سواه"أنا ربكم الأعلى"، الذي كان يضطهد بني إسرائيل ظلما وعدوانا، وأتاه موسى"أن أرسل معي بني إسرائيل ولا تعذبهم"……. ولم يكن هناك أبغض إلى الله عز وجل من فرعون، ولم يكن هناك أيضا في ذلك العصر أحب إلى الله من موسى عليه السلام وهو كليمه. فمن المنتظر على طريقة الفكر الحديث المعاصر أن يقال لموسى: اجمع بني إسرائيل واهجموا على فرعون وملئه، هجمة رجل واحد، احرقوا مزارعهم وبيوتهم، قوموا بمظاهرات، وانقلابات وثورات واعتصامات، لا تتقاعسوا عن نصرة الحق، لا تكونوا جبناء، لا تكونوا متخاذلين، لا تكونوا سلبيين، لا تكونوا متثاقلين إلى الأرض، هيا هبوا، استيقظوا، طالبوا بحقوقكم جاهدوا من أجل حريتكم، إما لحق وإما الدماء، ما لكم نائمين يسومونكم المصريون سوء العذاب ويقتلون أبناءكم ويستحيون نساءكم، ما لكم ترضون بالذل والخنوع، في خضوع وخشوع، وتسكنون للهوان والاستبداد، واستعباد العباد. إلخ……وإني أعتقد لو كان أحد منا موجودا في تلك الفترة لما قال غير هذا الكلام…. ولكننا نرى غير هذا في التاريخ والمنهج الذي أمر الله عز وجل موسى أن يسير عليه"فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى". ويشرع موسى عليه السلام لبني إسرائيل تشريعات عجيبة لا يرى الكثير فيها فائدة لمعالجة هذا الموقف السياسي "استعينوا بالله واصبروا، إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين"…"وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين" "وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين"…. الصبر والتوكل والتقوى والاستعانة والصلاة والإيمان… هل يؤدي شيء من هذا إلى النصر؟…. نريد ثورات واعتصمات ومظاهرات وتفجيرات وحرائق ودماء……. فقال بني إسرائيل لموسى:إنك لم تزدنا شيئا منذ أن جئت إلينا إلا زيادة اضطهاد…" قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا، قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون"…… والسؤال الذي سوف نطرحه، هل كان لبني إسرائيل أن ينتصروا على فرعون وملائه انتصارا مثل الانتصار الذي حصل باتباعهم منهج موسى عليه السلام والوحي؟ أم ماذا يمكن أن تكون النتيجة في حالة الثورة ومقتل الآلاف من بني إسرائيل وتدمير البيوت والأموال وإهلاك النساء والأطفال؟….. وهل ستكون المفاسد أعظم أم أقل من تلك الطريقة؟؟؟؟

ولما خرج من موسى مع بني إسرائيل إلى سيناء حينئذ شرع القتال والحرب لقتال الوثنيين:"ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم"…. فلماذا لم يأمرهم الله بإعلان الحرب على فرعون قبل أن يخرجوا من مصر، ثم أمرهم بإعلان الحرب بعد أن خرجوا من مصر. إن هذا هو الفرق بين الثورة والحرب، الثورة تكثر فيها المفاسد من قتل للمدنيين النساء والأطفال والشيوخ، وأكثر في صفوف المؤمنين وأموالهم وديارهم… أما الحرب فإنها تكون بين جيوش ومقاتلين بعيدا عن إفساد الأموال والديار والخدمات التي يحتاجها البشر لمعيشتهم على تلك الأرض، وبعيدا عن قتل النساء والأطفال والضعفاء الأبرياء….. ويدخل هذا في كلامنا الأول عن المقاصد في أول المقال…..

فمن هذا الدرس نستفيد فائدتين: الأول: أنه إذا كان هناك حلان لمشكلة الاستبداد، الحل الأول طويل الأجل ثمرته بعد سنوات طوال، ولكنه قليل المفاسد أقرب لحفظ المقاصد…. والثاني: قصير الأجل ثمرته ونتيجته سريعة قريبة وإن كان كثير المفاسد أبعد عن حفظ المقاصد…. فإننا نرجح الأول ونترك الثاني.

والدرس الثاني: هو أن الله عز وجل لم يأذن لموسى بقتال عندما كان محكوما، ولكنه أمره بقتال لما أصبح حاكما على شعب غير محكوم من أحد… لأن في الأول يكون القتال ثورة، والثاني يكون القتال حربا…

وقد يكون هذا خاص بموسى عليه السلام… ولذلك سنتتبع مع بقية الأنبياء عليهم الصلاة والسلام هذا القانون: هل أذن لهم بثورة عندما كانوا محكومين أم لا؟؟؟

نوح وإبراهيم وهود وصالح ولوط وشعيب وبقية الأنبياء الذين لم يحكموا شعبا بل كانوا محكومين من قبل آخرين، نرى أيضا أنهم لم يؤذن لهم بقتال…. أما داود وسليمان وغيرهم من أنبياء بني إسرائيل الذي حكموا شعوبا ولم يكونوا محكومين من قبل أحد أمرهم الله عز وجل بقتال الوثنيين وحربهم…. ولذلك فإن عيسى عليه السلام كان يوصي أتباعه بالصبر والصفح عن الوثنيين، ولم يأمرهم بقتال وأعمال عنف، لأنه كان محكوما من قبل الحكام الرومان في فلسطين…
وهكذا نستخلص قاعدة عامة على منهج الأنبياء قبل نبينا صلى الله عليه وسلم: وهو أن النبي الذي كان محكوما وليس حاكما لم يؤذن له بثورة أو قتال، والنبي الذي كان حاكما ليس محكوما من قبل أحد أمر بالحرب والقتال، وأما النبي الذي كان جزء من حياته محكوما وجزء حاكما كموسى عليه السلام، فقد نهي عن القتال أثناء ما كان محكوما وأمر بالحرب عندما كان حاكما….

فما أقصده: أن الله عز وجل لم يأذن لنبي بثورة على حاكم، ولا بالخروج عليه والعمل على عزله وتعيين آخر مكانه…..

وقد يقول قائل: ما لك تكلمنا عن الأنبياء، وإن شرع من قبلنا ليس بشرع لنا عند كثير من الفقهاء؟… ولذلك فإننا سوف نفحص معا سيرة النبي صلى الله عليه وسلم فحصا خاصا لنرى هل تنطبق هذه القوانين على أمتنا أم لا. وكذلك سوف نتجول معا إن شاء الله تعالى في التاريخ الإسلامي والحديث جولة خاصة بهذه المسألة….
__________________
أبو سعيد