عرض مشاركة مفردة
  #7  
قديم 06-03-2003, 05:41 PM
السلفيالمحتار السلفيالمحتار غير متصل
لست عنصريا ولا مذهبيا
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2002
المشاركات: 1,578
إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى السلفيالمحتار
إفتراضي


(( الجزء الثالث ))

ثم نزل وأخذ الناس أخذا شديدا . ولما سمع مسلم بن عقيل بمجئ ابن زياد إلى الكوفة ومقالته التي قالها خرج من دار المختار حتى انتهى إلى دار هانئ بن عروة ، وأقبلت الشيعة تختلف إليه سرا . ونزل شريك بن الأعور دار هانئ بن عروة أيضا ، ومرض فاخبر بأن عبيدالله بن زياد يأتيه يعوده ، فقال لمسلم بن عقيل : ادخل هذا البيت ، فإذا دخل هذا اللعين وتمكن جالسا فاخرج إليه واضربه ضربة بالسيف تأتي عليه ، وقد حصل المراد واستقام لك البلد ، ولومن الله علي بالصحة ضمنت لك استقامة أمر البصرة . فلما دخل ابن زياد وأمكنه ما وافقه عليه بدا له في ذلك ولم يفعل ، واعتذر إلى شريك بعد فوات الأمر بأن ذلك كان يكون فتكا وقد قال النبي صلى الله عليه واله وسلم : ( إن الإيمان قيد الفتك ) . فقال : أما والله لو قد قتلته لقتلت غادرا فاجرا كافرا . ثم مات شريك من تلك العلة رحمه الله . ودعا عبيدالله بن زياد مولى له يقال له : معقل ، وقال : خذ ثلاثمائة درهم ثم اطلب مسلم بن عقيل والتمس أصحابه ، فإذا ظفرت منهم بواحد أو جماعة فأعطهم هذه الدراهم وقل : استعينوا بها على حرب عدوكم ، فإذا اطمأنوا إليك ووثقوا بك لم يكتموك شيئا من أخبارهم ، ثم اغد عليهم ورح حتى تعرف مستقرمسلم بن عقيل . ففعل ذلك ، وجاء حتى جلس إلى مسلم بن عوسجة الأسدي في المسجد الأعظم وقال : يا عبد الله إني امرؤ من أهل الشام ، أنعم الله علي بحب أهل هذا البيت ، فقال له مسلم : أحمد الله على لقائك ، فقد سرني ذلك ، وقد ساءني معرفة الناس إياي بهذا الأمر قبل أن يتم مخافة هذا الطاغية ، فقال له معقل : لا يكون إلا خيرا ، فخذ مني البيعة . فأخذ بيعته ، وأخذ عليه المواثيق المغلظة ليناصحن وليكتمن ، ثم قال : اختلف إلي اياما في منزلي فأنا طالب لك الإذن ، فأذن له ، فأخذ مسلم بيعته ، ثم أمر قابض الأموال فقبض المال منه ، وأقبل ذلك اللعين يختلف إليهم ، فهو أول داخل وآخر خارج ، حتى علم ما احتاج إليه ابن زياد ، وكان يخبره به وقتاوقتا .
وخاف هانئ بن عروة على نفسه من عبيدالله بن زياد ، فانقطع عن حضور مجلسه وتمارض ، فقال ابن زياد : مالي لا أرى هانئا ؟ فقالوا : هو شاك ، فقال : لو علمت بمرضه لعدته ، ودعا محمد بن الأشعث وأسماء بن خارجة وعمرو بن الحجاج الزبيدي فقال لهم : ما يمنع هانئا من إتياننا ؟ فقالوا : ما ندري وقد قيل : إنه يشتكي ، قال : قد بلغني أنه يجلس على باب داره فالقوه ومروه ألا يدع ما عليه من حقنا . فأتوه حتى وقفوا عليه عشية - وهو على باب داره جالس - فقالوا : ما يمنعك من لقاء الأمير ؟ فقال لهم : الشكوى تمنعني من لقائه ، فقالوا له : قد بلغه أنك تجلس على باب دارك عشية وقد استبطأك ، فدعا بثيابه فلبسها ، ودعا ببغلته فركبها ، فلما دخل على ابن زياد قال : أتتك بحائن رجلاه والتفت نحوه وقال : اريد حباءه ويريد قتلي عذيرك من خليلك من مراد فقال هانئ : وما ذاك أيها الأمير ؟ قال : ما هذه الأمور التي تربص في دورك لأمير المؤمنين وعامة المسلمين ، جئت بمسلم بن عقيل فأدخلته دارك وجمعت له الرجال والسلاح قال : ما فعلت ذلك ، قال : بلى . ثم دعا ابن زياد معقلا - ذلك اللعين - فجاء حتى وقف بين يديه ، فلما رآه هانئ علم أنه كان عينا عليهم وأنه قد أتاه بأخبارهم فقال : اسمع مني وصدق مقالتي ، والله ما دعوته إلى منزلي ولا علمت بشئ من أمره حتى جاءني يسألني النزول فاستحيت مات رده ، فضيفته وآويته ، وأنا أعطيك اليوم عهدا ألا أبغيك سوءا ولا غائلة ، وإن شئت أعطيك رهينة فتكون في يدك حتى آتيك به أوآمره حتى يخرج من داري إلى حيث شاء من الأرض فاخرج من جواره ، فقال ابن زياد : والله لا تفارقني أبدا حتى تأتينى به ، فقال : لاوالله لا اتيك به ، وكثر الكلام بينهما حتى قال : والله لتأتيني به قال : لا والله لا اتيك به ، قال : لتأتيني به أو لأضربن عنقك ، فقال هانئ : إذا والله تكثر البارقة حول دارك ، فقال ابن زياد :
أبالبارقة تخوفني ؟ ! وهو يظن أن عشيرته سيمنعونه ، فقال : ادنو مني ، فلم يزل يضرب وجهه بالقضيب حتى كسرأنفه وسيل الدماء على ثيابه ، وضرب هانئ يده إلى قائم سيف شرطي وجاذبه الرجل ومنعه ، فقال ابن زياد : قد حل لنا قتلك ، فجروه فألقوه في بيت من بيوت الدار وأغلقوا عليه بابه . وبلغ الخبر مسلم بن عقيل فأمر أن ينادى في الناس ، فملأ بهم الدور وقال لمناديه :
ناد ( يا منصور أمت ) فعقد مسلم لرؤوس الأرباع على القبائل كندة ومذحج وأسد وتميم وهمدان ، فتداعى الناس واجتمعوا فامتلأ المسجد من الناس والسوق ، وما زالوا يزيدون حتى المساء . وضاق بعبيدالله أمره ، وليس معه في القصر إلا ثلانون رجلا من الشرط وعشرون رجلا من أشراف الناس وأهل بيته ، وأقبل من نأى عنه من أشراف الناس ، يأتونه من قبل الباب الذي يلي دار الروميين ، وجعل من في القصر مع ابن زياد يشرفون عليهم فينظرون إليهم وهم يرمونه بالحجارة . ودعا ابن زياد : بكثير بن شهاب ، ومحمد بن الأشعث ، وشبث بن ربعي ، وجماعة من رؤساء القبائل ، وأمرهم أن يسيروا في الكوفة ويخذلوا الناس عن مسلم بن عقيل ، ويعلموهم بوصول الجند من الشام ، وأن الأمير قد أعطى الله عهدا لئن تممتم على حربه ولم تنصرفوا من عشيتكم هذه أن يحرم ذريتكم العطاء ، ويأخذ البرئ بالسقيم ، والشاهد بالغائب .
فلما سمع الناس مقالتهم أخذوا يتفرقون ، وكانت المرأة تأتي ابنها وأخاها وزوجها وتقول : انصرف الناس يكفونك ، ويجئ الرجل إلى ابنه وأخيه ويقول له : غدا يأتيك أهل الشام فما تصنع بالحرب والشر ؟ ! فيذهب به فينصرف ، فما زالوا يتفرقون حتى أمسى ابن عقيل وصلى المغرب وما معه من أصحابه إلا ثلاثون نفسا . فلما رأى ذلك خرج متوجها نحو أبواب كندة ( فلما ) بلغ الباب ومعه منهم عشرة ، فخرت من الباب فإذا ليس معه إنسان ، ولا يجد أحدا يدله على الطريق ، فمضى على وجهه متلددا في أزقة الكوفة لا يدري أين يذهب ، فمشى حتى انتهى إلى باب امرأة يقال لها : طوعة ، وهي على باب دارها تنتظر ولدا لها ، فسلم عليها وقال : يا أمة الله أسقيني ماء ، فسقته وجلس . فقالت : يا عبد الله ، قم فاذهب إلى أهلك ؟ فقال : يا أمة الله ما لي في هذا المصر منزل ، فهل لك في أجر ومعروف ولعلي أكافئك بعد اليوم ؟ فقالت : وما ذاك ؟ قال : أنا مسلم بن عقيل ، كذبني هؤلاء القوم وغروني وأخرجوني ، قالت : أنت مسلم ؟ قال : نعم ، قالت : ادخل . فدخل بيتا في دارها غير الذي تكون فيه ، وفرشت له ، وعرضت عليه العشاء فلم يتعش . فجاء ابنها ، فراها تكثر الدخول إلى البيت والخروج منه ، فسألها عن ذلك فقالت : يا بني اله عن هذا ، قال : والله لتخبريني . فأخذت عليه الأيمان أن لا يخبر أحدا ، فحلف فأخبرته ، وكانت هذه المرأة ام ولد للأشعث بن قيس ، فاضطجع ابنها وسكت . وأصبح فغدا إلى عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فأخبره بمكان مسلم بن عقيل عند امه ، فأقبل عبد الرحمن حتى أتى أباه وهوعند ابن زياد فساره ، فعرف ابن زياد سراره ، فقال : قم فأتني به الساعة . فقام وبعث معه عبيدالله بن العباس السلمي في سبعين رجلا من قيس ، حتى أتوا الدار التي فيها مسلم ، فلما سمع وقع الحوافر وأصوات الرجال علم أنه قد أتي ، فخرج إليهم بسيفه واقتحموا عليه الدار ، فشد عليهم يضربهم بسيفه حتى أخرجهم من الدار ، واختلف هو وبكر بن حمران الأحمري فضرب بكر فم مسلم فقطع شفته العليا وأسرع في السفلى ، وضربه مسلم على رأسه ضربة منكرة وثنى باخرى على حبل العاتق ، وخرج عليهم مصلتا بسيفه ، فقال له محمد بن الأشعث : لك الأمان لا تقتل نفسك ، وهو يقاتلهم ويقول : أقسمت لا أقتل إلا حرا إني رأيت الموت شيئا نكرا كل امرئ يوما ملاق شرا أخاف أن اكذب أو اغرا فقال له محمد بن الأشعث : إنك لا تكذب ولا تغر ، فلا تجزع ، إن القوم بنوعمك وليسوا بقاتليك . فقال مسلم : أما لولم تؤمنوني ما وضعت يدي في أيديكم ، فاتي ببغلة فركبها ، واجتمعوا حوله وانتزعوا سيفه ، فكأنه أيس هناك من نفسه ، فدمعت عيناه وقال : هذا أول الغدر ، وأقبل على محمد بن الأشعث وقال : إني أراك والله ستعجز عن أماني فهل عندك خير ؟ تستطيع أن تبعث من عندك رجلا على لساني أن يبلغ حسينا فإني لا أراه إلا خرج إليكم اليوم أو هو خارج غدا - ويقول : إن ابن عقيل بعثني إليك وهو أسير في أيدي القوم لا يرى أن يمسي حتى يقتل ، وهو يقول : إرجع فداك أبي وأمي بأهل بيتك ولا يغرنك أهل الكوفة ، فإنهم أصحاب أبيك الذي كان يتمنى فراقهم بالموت أو القتل ، إن أهل الكوفة كذبوك وليس لكذوب رأي . فقال ابن الأشعث : والله لأفعلن ، ولأعلمن ابن زياد أني قد آمنتك . وأقبل ابن الأشعث بابن عقيل إلى باب القصر ، ودخل على عبيدالله فاخبره خبره وما كان من أمانه ، فقال ابن زياد : ما أنت والأمان ؟ كأنا أرسلناك لتؤمنه وإنما أرسلناك لتأتينا به ، فسكت ابن الأشعث . وخرج رسول ابن زياد فأمر بإدخال مسلم ، فلما دخل لم يسلم عليه بالإمرة ، فقال الحرسي : ألا تسلم على الأمير ؟ قال : إن كان يريد قتلي فما سلامي عليه ، وإن كان لا يريد قتلي ليكثرن سلامي عليه ، فقال ابن زياد : لعمري لتقتلن قتلة لم يقتلها أحد من الناس في الإسلام ، فقال له مسلم : أنت أحق من أحدث في الإسلام ، وأنك لا تدع سوء القتلة وقبح المثلة وخبث السيرة ، ولؤم الغلبة . وأخذ إبن زياد لعنة الله عليه يشتمه ويشتم الحسين وعليا وعقيلا ، وأخذ مسلم لا يكلمه . ثم قال ابن زياد : إصعدوا به فوق القصر واضربوا عنقه ثم أتبعوه جسده ، فقال مسلم : لوكان بيني وبينك قرابة ما قتلتني ، فقال ابن زياد : أين هذا الذي ضرب ابن عقيل رأسه بالسيف ، فدعي بكر بن حمران الأحمري فقال له : إصعد فكن أنت الذي تضرب عنقه . فصعد وجعل مسلم يكبرالله ويستغفره ، ويصلي على النبي وآله ويقول : اللهم احكم بيننا وبين قوم غرونا وخذلونا ، وضربت عنقه واتبع جسده رأسه ، وامر بهانئ بن عروة فاخرج إلى السوق وضربت عنقه وهو يقول : إلى الله المعاد ، اللهم إلى رحمتك ورضوانك .
وفي قتلهما يقول عبد الله بن الزبير الأسدي :
إن كنت لاتدرين ما الموت فانظري إلى هانى في السوق وابن عقيل
إلى بطل قدهشم السيف وجهه وآخريهوي من طمارقتيل
وبعث ابن زياد لعنه الله برأسيهما إلى يزيد بن معاوبة لعنه الله . وكان خروج مسلم رحمة الله عليه بالكوفة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية ، وقتل يوم عرفة سنة ستين . وكان توجه الحسين عليه السلام من مكة إلى العراق في يوم خروج مسلم بالكوفة ، وكان قد اجتمع إليه عليه السلام مدة مقامه بمكة نفرمن أهل الحجاز والبصرة ، ولما أراد الخروج إلى العراق طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وأحل من إحرامه وجعلها عمرة ، لأنه لم يتمكن من تمام الحج مخافة أن يقبض عليه بمكة فينفذ إلى يزيد بن معاوية .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
__________________
من روائع شعري
يمامتي
ابيحوا قتلي او طوقوا فكري سياجا
فان قتلي في دجى الليل سراجا
EMAIL=candlelights144@hotmail.com]لمراسلتي عبر الإيميل[/email]