عرض مشاركة مفردة
  #4  
قديم 15-03-2003, 01:44 PM
ahmednou ahmednou غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2002
المشاركات: 477
إفتراضي

لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم في سن الأربعين، كان في مكة، وظل ثلاثة عشرة سنة في مكة يدعو إلى الإسلام، ثم هاجر إلى المدينة….طوال مدة الدعوة في مكة لم يؤمر برفع سيف، بل بالعكس، أمر هو ومن معه :"كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة"(النساء)،"قل للذين أمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزي قوما بما كانوا يكسبون"(الجاثية). ويظل النبي صلى الله عليه يأمر أتباعه بالصبر ويقص عليهم قصص الأنبياء بما يوحي الله له من القرآن، وكذلك قصص المؤمنين الصابرين قبلهم كقصة الغلام والساحر وغيرها… ويظل القرآن يتنزل يقص على النبي صلى الله عليه وسلم نفسه بقصص صبر الأنبياء، وأن عاقبة الصبر النصر، وأن الصبر والتوكل والإيمان والعمل الصالح والاستعانة، وغير ذلك من معاني الإيمان، كل ذلك هو طريق النصر…. ويأمر الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر :"واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين"(يونس)..طوال ثلاثة عشر سنة، وهي مدة ليست بالقصيرة، يربي النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، ويمنعهم من حمل السلاح، ويمنعهم من الثورة ويمنعهم من الرد على أذى المشركين. يقوم كفار قريش فيعذبون الصحابة على مرآى ومسمع من الجميع، يضعون الحجارة على بطن بلال، ويعذبون آل ياسر حتى الموت، ويرمون الحربة في بطن امرأته، ويراهم النبي صلى الله عليه وسلم فيقول لهم:" صبرا آل ياسر! فإن مصيركم إلى الجنة."….. ويشتكي الصحابة رضوان الله عليهم للنبي صلى الله عليه وسلم طول مدة التعذيب وشدته، فيقص عليهم كيف كان يعذب من كان قبلهم، ويبشرهم بالنصر، ثم يقول لهم:"ولكنكم تستعجلون" وهذه الكلمة هي مرض العصر في حياتنا السياسية، استعجال النتائج، والثمرات قبل نضجها، نريد التغيير في سرعة وبقوة وبعنف، ولو بالدماء ولو على أشلاء الأبرياء…..ولا نريد حلولا سلميا، نريد خلع أصحاب الكراسي من على كراسيهم، ولا نريد هدايتهم. ولو كانت محاولة هذا الأمر يؤدي إلى مفاسد كثيرة عظيمة، تعطل وتعوق وتهدر وتقضي على المقاصد التي ذكرت في المقالة الأولى…..لأننا نستعجل. طوال الثلاثة عشر سنة، لم يؤمر أحد برفع سيف، ولو دفاعا عن نفسه. هل يستطيع أحد اليوم أن يظل يفعل فيه وفي أصحابه كل هذه الأفاعيل دون أن يعمل عمل عنف ولو على سبيل الدفاع عن النفس؟…. لقد كانوا منهيين عن الدفاع عن أنفسهم…. أي بلاء هذا؟ وأي صبر هذا؟ وأي جيل هذا؟ وأي تربية هذه؟
ولكن ما إن خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة قاصدا المدينة، نزل قوله تعالى:"أذن للذين يقاتَلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير"(الحج)… بعد ثلاثة عشرة سنة، رخص لهم بالدفاع عن أنفسهم أخيرا، وأذن لهم بالقتال.
والسؤال الآن هو: لماذا لم يؤذن للنبي صلى الله عليه وسلم بالقتال في مكة، ثم أذن له بالقتال بعد أن هاجر إلى المدينة؟؟؟ لو أجبنا على هذا السؤال، بالقاعدة التي ذكرتها من قبل في أن الله عز وجل لم يأذن لبني ولا لمن معه بثورة، لأنهم محكومون، وإنما أذن للأنبياء بالقتال إذا كانوا حاكمين لشعب… لو أجبنا هذه الإجابة واقتنعنا بها واكتفينا بها لانتهينا من الكلام على عصر النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة… أما إذا لم نقتنع وقال قائل لعل هناك حكم أخر، وعلل أخر كانت تمنع القتال في مكة، والعلة والحكمة التي تقولها ليست صحيحة، فإننا سوف نضطر إلى البحث في أحاديث النبي صلى الله عليه في مسألة الخروج على الحكام….ومنازعة الحكام كراسيهم….لنسترشد به عن منهج النبي صلى الله عليه وسلم في الإصلاح، وفي التعامل مع المستبدين الطغاة.

في صحيح البخاري، الإصدار 2.03 - للإمام البخاري
الجزء الرابع >> 96 - كتاب الفتن. >> 2 - باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (سترون بعدي أموراً تنكرونها).
6647 - حدثنا إسماعيل: حدثني ابن وهب، عن عمرو، عن بكير، عن بسر بن سعيد، عن جنادة بن أبي أمية قال:
دخلنا على عبادة بن الصامت وهو مريض، قلنا: أصلحك الله، حدَّث بحديث ينفعك الله به، سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم، قال: دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا: أن بايعنا على السمع والطاعة، في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرا بواحاً، عندكم من الله فيه برهان.
[6774]
[ش أخرجه مسلم في الإمارة، باب: وجوب طاعة الأمراء في غير معصية..، رقم: 1709.
(أصلحك الله) كلمة اعتادوا أن يقولوها عند الطلب، أو المراد الدعاء له بإصلاح جسمه ليعافى من مرضه. (أخذ علينا) اشترط علينا. (على السمع والطاعة) لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم. (منشطنا) حالة نشاطنا. (مكرهنا) في الأشياء التي نكرهها وتشق علينا. (أثرة علينا) استئثار الأمراء بحظوظهم واختصاصهم إياها بأنفسهم، أي ولو منعنا حقوقنا. (الأمر) الملك والإمارة. (كفراً) منكراً محققاً تعلمونه من قواعد الإسلام، فتكون المنازعة بالإنكار عليهم. أو كفراً ظاهراً، فينازعون بالقتال والخروج عليهم وخلعهم. (بواحاً) ظاهراً وبادياً. (برهان) نص آية، أو خبر صحيح لا يحتمل التأويل].انتهى كلام فتح الباري.
ومعنى الحديث: لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم، ولا تعترضوا عليهم إلاَّ أن تروا منهم منكراً محقَّقاً تعلمونه من قواعد الإسلام، فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم، وقولوا بالحقِّ حيث ما كنتم، وأمَّا الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين، وإن كانوا فسقة ظالمين، وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته، وأجمع أهل السُّنَّة أنَّه لا ينعزل السُّلطان بالفسق.
وأمَّا الوجه المذكور في كتب الفقه لبعض أصحابنا: أنَّه ينعزل، وحكي عن المعتزلة أيضاً، فغلط من قائله مخالف للإجماع.
قال العلماء: وسبب عدم انعزاله وتحريم الخروج عليه ما يترتَّب على ذلك من الفتن، وإراقة الدِّماء، وفساد ذات البين، فتكون المفسدة في عزله أكثر منها في بقائه".
انتهى كلام النووي ……[من موقع المحدث].

ولعل هذا أيضا من الحكم التي منع الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم القتال في الحديبية، أي لأنه لو انتظر سنتين أخريين لكان القتلى أقل عددا في الفريقين، ولكان عدد الداخلين في الإسلام أكثر، فبدلا من أن يقتلهم المسلمون في الحديبية، يدخلون في الإسلام في فتح مكة ويكونون دعاة لدين الله مجاهدين لرفع راية التوحيد، كعكرمة ابن أبي جهل…..بل وغيره من قرشيين كانوا يكتمون إيمانهم.
__________________
أبو سعيد