عرض مشاركة مفردة
  #13  
قديم 23-03-2003, 10:04 AM
اليمامة اليمامة غير متصل
ياسمينة سندباد
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
الإقامة: السعودية
المشاركات: 6,889
إفتراضي

ويقال أيضا لكم على وجه التنزل إذ لم يأت حديث بالأمر فأيضا لم يأت حديث بالنهي إنما هو شيء مسكوت عنه ، والمسكوت عنه يرجع فيه للقواعد والأصول ، والأصل أن الصحابة يقتدون بالرسول صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) والأصل في الرسول انه مُتَبع ، وما فعله شرع يعمل به مالم يدل دليل على خصوصيته به وإلا على كلامكم يلزم منه لوازم باطلة تؤدي إلى تعطيل بعض الشرائع فيقال صلاة التراويح فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده بعض الليالي وفعلها عمر رضي الله عنه في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا تفعل في المساجد الأخرى لأنه لم يرد دليل أن المساجد الأخرى اُمرت بذلك ، ومثلها صلاة الكسوف صلاها الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده ولم يأت دليل انه أَمر المساجد الأخرى ، وكذا صلاة الخوف ، فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأين الدليل أنه أمر السرايا والجيوش الأخرى بصلاتها ، ويقال أيضا البلاد التي فتحها رسول الله صلى الله عليه وسلم أين الدليل أنه أمر مساجدهم بإقامة الجمعة وغيرها من الشعائر الظاهرة ، وهكذا من اللوازم الباطلة التي ليس المخرج منها إلا أن يقال الأصل الاقتداء بفعله صلى الله عليه وسلم ، والأصل أن الصحابة والمسلمين فعلوا ما فعله صلى الله عليه وسلم إلا إذا جاء دليل خاص بالمنع أو النهي لا مجرد السكوت وعدم النقل .

ثالثا :
ذكرتم في المسألة الثانية قولكم إنما قنت هو عليه الصلاة والسلام شهرا ، ولهذا استدل به عدد من الأئمة منهم الإمام أحمد أنه إنما يقنت الإمام الأعظم في المسجد الأعظم ما يقنت كل مسجد ، وقلت أيضا إن السنة ظاهرة في انه لا يقنت في البلد الواحد إلا مسجد واحد فقط وهو المسجد الأعظم في البلد .

والجواب : ما هو الدليل أنه لا يقنت إلا الإمام الأعظم ؟!! وأنه لايقنت إلا مسجد الإمام الأعظم فقط !! بل إن فقه الصحابة رضي الله عنهم على أن القنوت ليس من خصائص الإمام الأعظم ومسجده فقط ، بل ثبت عن أنس بن مالك وأبى هريرة وابن عباس والبراء بن عازب ومعاوية وأبى موسى أنهم قنتوا ، وليسوا بالإمام الأعظم ومسجدهم ليس بمسجد الإمام الأعظم كما سوف نذكره إن شاء الله بعد قليل :

أ – فقد صح عن انس بن مالك رضي الله عنه انه كان يقنت في صلاة الفجر رواه ابن المنذر في الأوسط 5/ 209 وغيره ، علما بأن أنسا ممن روى أحاديث قنوت النازلة فكان بفعله هذا يرى أنها ليست من خصائص الإمام الأعظم ولا مسجده ، بل صح عنه رضي الله عنه أن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قنتوا في صلاة الفجر فذكر هنا انه فعل جمع من الصحابة والمقصود بذلك قنوت النازلة .

ب – وجاء عن أبي هريرة رضي الله عنه انه كان يقنت في الظهر والعشاء الآخرة وصلاة الصبح رواه الطبراني في تهذيب الآثار مسند ابن عباس 1/345 رقم 576 فيدعوا للمؤمنين ويلعن الكفار ، وقال لأقرِّبن بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم متفق عليه ، وفي رواية عند الطحاوي في شرح الآثار 1/241 ( لأرينكم ) ، فصلى بهم وقنت حتى يعلّمهم أن القنوت مشروع لكل إمام في النازلة ولذا قال : لأرينكم ، مع انه ليس بالإمام الأعظم ومسجده ليس بالمسجد الأعظم ، علما بأن أبا هريرة رضي الله عنه ممن روى أحاديث القنوت للنازلة ، فهذا فهمهم رضي الله عنهم ، بل فعله هو بنفسه تدريبا لأصحابه عليها . قال ابن القيم في زاد المعاد : ولا ريب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ( أي القنوت ) ثم تركه ، فأحب أبو هريرة أن يعلمهم أن مثل هذا القنوت سنة . اهـ

ج – صح عن البراء بن عازب انه كان يقنت . رواه بن أبي شيبة 2/106رقم 7016 و صفحة 108 رقم 7034 ، وعبدالرزاق في مصنفه 3/109وابن المنذر في الأوسط 5/209 والبيهقي في سننه 2/206 مع أن البراء ممن روى أحاديث قنوت النازلة .

د – صح عن ابن عباس رضي الله عنه انه صلى الغداة في إمارته على البصرة فقنت . رواه بن أبي شيبه 2/105 رقم 7003 وعبدالرزاق في مصنفه 3/113 وبن المنذر في الأوسط 5/209 علما بأن ابن عباس في البصرة كان أميرا لعلي بن أبي طالب ، فلما قنت علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما حارب أهل الشام قنت ابن عباس تبعا له ذكر ذلك الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/252 في باب القنوت ، وذكره التهانوي في إعلاء السنن 6/ باب القنوت ، وقال الكاندهلوي في كتابه أوجز المسالك 3/175 نقلا عن الدار قطني عن سعيد بن جبير ، قال أشهد أني سمعت بن عباس يقول : أن القنوت في صلاة الفجر بدعة . إلا إذا نزل بالمسلمين نازلة ، فانظر إلى كلام بن عباس هذا وما فيه من عمومية القنوت للنوازل ، بل لا يَبعد أن يكون هذا الكلام له حكم الرفع .

هـ - جاء عن معاوية رضي الله عنه أنه قنت في صفين وما بعدها ، يقنت هو ومن معه مع أنه ليس الإمام الأعظم في ذلك الوقت ، وذكر قنوته الطحاوي في معاني الآثار وكذا الطبري في تاريخه 3/113 ، قال البيهقي في كتابه معرفة السنن في فصل القنوت : وقنت معاوية في الشام يدعو في صفين ، فأخذ أهل الشام عنه ذلك .

ز – وروى الطحاوي في شرح معاني الآثار عن أبي موسى الأشعري أنه قنت وذكره عنه ابن القيم في زاد المعاد ورواه بن أبي شيبة 2/105 رقم 7001 بسنده عن عبد الله بن معقل قال : قنت في الفجر رجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم علي وأبو موسى .

فهؤلاء ستة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضهم ممن روى أحاديث قنوت النازلة وفعلها ، وكلهم يرون أن لغير الإمام الأعظم فعله ، فأين المخالف لهم من الصحابة ممن منع قنوت النوازل أو رأى انه خاص بالإمام الأعظم أو مسجده .

أما الخلفاء الراشدون فقد صح عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم انهم قنتوا في النوازل فعن العوام بن حمزة سألت أبا عثمان عن القنوت فقال بعد الركوع قلت عمن ؟ قال عن أبي بكر وعمر وعثمان . رواه بن أبي شيبة 2/106 رقم 7011 وابن المنذر في الأوسط 5/210 وحسنه البيهقي في معرفة السنن 2/79وقال ابن تيميه في الفتاوى 23/108 أن النبي عليه الصلاة والسلام قنت لسبب نزل به ثم تركه عند عدم ذلك السبب النازل ، فيكون القنوت مسنونا عند النوازل ، وهذا القول هو الذي عليه فقهاء أهل الحديث وهو المأثور عن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم .. ثم قال : فسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين تدل على شيئين ، أحدهما : أن دعاء القنوت مشروع عند السبب الذي يقتضيه ، وقال ابن القيم في الزاد في هديه صلى الله عليه وسلم في القنوت : إن المروي عن الصحابة في قنوت النوازل قنوت الصديق رضي الله عنه في محاربة مسيلمة وعند محاربة أهل الكتاب ، ( راجع كتاب إعلاء السنن 6/83 ) أما قنوت عمر فقد ذكره ابن تيميه في الفتاوى 23/108 وابن القيم في الزاد انه قنت لما حارب النصارى . وقال ابن تيميه في الفتاوى 23/108 وكان عمر إذا أبطأ عليه خبر جيوش المسلمين قنت ، ونقل الكاندهلوي في أوجز المسالك 3/176 عن كتاب الآثار لمحمد بن حسن قال : كان عمر رضي الله عنه إذا حارب قنت وإذا لم يحارب لم يقنت رواه الطحاوي وإسناده حسن .

وكذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه قنت لما حارب من حارب من الخوارج ، قاله ابن تيميه في الفتاوى 23/103 ، وقنت أيضا لما حارب أهلَ الشام في صفين ، قال البيهقي في كتابه معرفة السنن في فصل القنوت أن عليا قنت في حرب يدعو فأخذ أهل الكوفة ذلك عنه .

فهذا هدي الخلفاء الراشدين والصحابة المرضيين ، بل لو قال قائل انه لا يعرف لهم مخالف لكان هو عين الصواب ، وهو مذهب الناس في زمن علي بن أبي طالب وعليه أهل الكوفة تبعا له ، و أهل البصرة تبعا لأبن عباس ، وأهل الشام تبعا لمعاوية فقد روى محمد بن الحسن في الآثار عن إبراهيم النخعي بسند صحيح ، قال : إن أهل الكوفة إنما اخذوا القنوت من علي حينما حارب وأهل الشام اخذوا القنوت عن معاوية ، ذكره صاحب إعلاء السنن 6/88 ،وهو فعل الأمراء زمن انس رضي الله عنه كما ذكر ذلك ابن حزم في المحلى 4/141 رقم 459 وقال : فإن قيل فقد روي عن انس انه سئل عن القنوت : أقبل الركوع أم بعده ؟ فقال : قبل الركوع ، قال ابن حزم : إنما اخبر بذلك انس رضي الله عنه عن أمراء عصره اهـ والشاهد أن فعل القنوت للنوازل من فعل أمراء عصر انس رضي الله عنه وليس خاصا بالإمام الأعظم .