حديث طبائع الاستبداد
اجتمع مهندس وطبيب ومزارع وسياسي……
قال المهندس الخبير بالهندسة: هل يستطيع أحد منكم يا جماعة أن يبني بيتا مثلي؟؟، هل تعرفون أهميتي؟؟ إن أي أحد منكم سوف يبني البيت دون استشارتي سوف يعرض نفسه وأولاده لخطر انهيار المنزل، وقد يموت حينئذ عشرة أو مائة أو ألف إن كان المنزل برجا…...
فقال المهندس الزراعي،: وهل تعرفون أهميتي؟؟، إن أي أحد سوف يزرع الأرض دون مساعدتي فسوف يعرض المحصول للخطر، أو يقلل من القيمة الغذائية في المحصول وقد يموت من الجوع عشرة أو مائة أو ألف حتى تكتشفون مرض الزرعة…
فقال الطبيب الخبير بالطب: أما أنا فالجميع يعرف فضلي وأهميتي، فإذا مرض أحد فلا بد أن يستدعيني فورا، وإذا قام أحد بتقمص شخصيتي دون أن يكون مثلي، فسوف يقتل بالدواء الخطأ عشرة أو مائة حتى تكتشفون أمره….
فقالوا جميعا : هيا بنا نقوم بمظاهرة ونطالب السياسي بإعلان الحرب على الأعداء، ونطالبه بعمل كذا وكذا وكذا….
فقال السياسي: ما لكم تتدخلون في تخصصي؟، إن أي خطأ من مهندس محتال أو طبيب محتال أو مزارع محتال، سوف يعرض عشرة أو مائة أو ألف للخطر والهلاك….. أما السياسة فعظيمة الخطر، إن أي خطأ في إعلان حرب أو معاهدة أو صلح أو مناوشات على الحدود أو اعتراض سياسي أو تحالف أو ثورة أو مظاهرة أو طلب وقف حرب، لن يؤدي إلى هلاك عشرة أو مائة أو ألف، ولكن قد يؤدي إلى هلاك الملايين، أو تضييع البلاد في أيدي الأعداء، ليتمتعوا بخيراتها عشرات السنين، ويستعبدون ملايين من أبناء الجيل الموجود الآن…فليرجع كل واحد إلى عمله، واتركوا لي تخصصي، وأيضا يجب أن تطيعوني فيما آمركم به من مسائل سياسية، إن علم السياسة لأهم من علم الهندسة والطب والزراعة، وأعظم نتائج وأشد خطرا….وإن لم تصدقوني فاقرءوا التاريخ، وشاهدوا تأثير خطأ صغير في السياسة على بلد أو إمبراطورية عظيمة أو قارة بالكامل. خطأ صغير في السياسة يؤدي إلى نتائج هائلة لا يقارنها نتائج أي خطأ في أي علم آخر….وكما أن المهندس والطبيب والمزارع يعلم من تخصصه ما لا يعلم غيره، فكذلك السياسي يعلم في سياسته وظروف عصره ما لا يعلم غيره…يا جماعة السياسة علم كبقية العلوم، ويتحصل هذا العلم بالخبرة والمعلومات، وأنا خبرتي السياسة ليست عند أحد آخر، ومعلومات مخابراتي لا تصل إليكم ولا يذيعها أحد عليكم….وبدون هذه المعلومات، فلن يكون أي قرار تتخذونه دوني صحيحا، بل يكون فاشلا يؤدي إلى أخطاء سياسية تنتج كوارث على بلادنا…. فهل علمتم فضلي وأهميتي الآن؟؟؟؟
قال المهندس: معك حق، أنتم تطيعوني في الهندسة والبناء، ونحن جميعا نطيع السياسي في السياسة والحروب….
قال الطبيب: نعم، أنتم تطيعوني في الطب ونحن جميعا نتبع السياسي في السياسة…
قال المزارع: هذا أمر كنت أغفل عنه، ولكن منذ الآن لن أتدخل في السياسة إلا بإذن السياسي وتحت أوامره وتوجيهاته….وكل واحد يتقن فنه، ولا يتدخل في فن الآخر دون توجيه منه…
__________________
أبو سعيد
|