ثم عاد الشعب فقال للملك: اخلع نفسك وإلا قتلناك…
قال الملك: ولم تقتلونني؟؟ ولم أخلع نفسي؟؟
قال الشعب: إننا لا نريد أن يحكمنا مثلك أنت وأبناؤك... إننا نريد حكما مثل حكم الخليفة العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أو مثل حكم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، أو مثل عمر بن عبد العزيز أو صلاح الدين الأيوبي…
قال الملك: حسنا، تفكير جيد، لا بأس، سوف أخلع نفسي وأولي بدلا مني عمر بن الخطاب أو علي بن أبي طالب أو عمر بن عبد العزيز أو صلاح الدين الأيوبي…. ولكن قبل أن أعزل نفسي لا بد أن تأتوني بأحد ممن ذكرتم، لأنني لو خلعت نفسي وظل الكرسي خاليا من ملك، فلسوف ينتهز الفرصة الأعداء ويغزون بلادكم لأنه ليس لكم قائد يقودكم أو وحدة تشملكم، وحينئذ لن يحكمكم أحد ممن ذكرتم، ولكن سوف يحكمكم عدوكم ويسومونكم سوء العذاب….
قال الشعب: نعم صدقت، ولسوف نذهب ونأتي بأحد ممن نريد أن يحكمنا…
ذهب الشعب ثم عاد…..
قال الملك: أين الملوك والحكام الذين تريدون أن يحكموكم؟؟؟
قال الشعب: ذهبنا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، فاعتذر وقال: قد قضى الله ألا تعود نفس إلى الأرض بعد موتها….. وسألنا عن أحوالنا فلما فصلنا له معيشتنا وأعمالنا وأحوالنا… قال: ولو كان لي الخيرة في العودة إلى الدنيا لما رضيت أن أحكم أمثالكم، أنتم قوم سوء تغشون الكبائر وتتركون الأوامر ولا تعظمون الشريعة…..اذهبوا فابحثوا عن حاكم يناسبكم… كيف يترك جسدي جوار حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وتترك روحي جوف الطير الذي يسبح في الجنة وحول العرش؟ من أجل أن أعيش بينكم أيها…..
كيف وأنا أروي حديث حبيبي صلى الله عليه وسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يأتي على الناس زمان أكثرهم وجوههم وجوه الآدميين وقلوبهم قلوب الذئاب الضواري، سفاكون الدماء، لا يرعون عن قبيح فعلوه، فإن بايعتهم واربوك وإن حدثوك كذبوك، وإن ائتمنتهم خانوك، وإن تواريت عنهم اغتابوك، صبيهم عارم وشابهم شاطر وشيخهم فاجر لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر، الاختلاط بهم ذل وطلب ما في أيديهم فقر، الحليم فيهم غاو والغاوي فيهم حليم، السنة فيهم بدعة والبدعة فيهم سنة، والآمر بالمعروف بينهم متهم، والفاسق فيهم مشرف، المؤمن بينهم مستضعف فإذا فعلوا ذلك سلط الله عليهم أقواما إن تكلموا قتلوهم وإن سكتوا استباحوهم، يستأثرون عليهم بفيئهم، ويجورون عليهم في حكمهم"؟؟؟
قال الملك: وماذا قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه؟؟
قال الشعب: سألنا عن أحوالنا وأعمالنا، فلم فصلنا له، قال: أنتم قوم سوء لا يناسبكم إلا حاكم ظالم مثلكم….
ويجب أن تعلموا أن اتفاقكم ووحدتكم تحت راية ملك، أفضل بكثير من تفرقكم وتنافسكم وتقاتلكم على الرياسة… وقال حكمته المشهورة عنه ونقلت عنه (في كتاب سجع الحمام في حكم الإمام ص208) :
سبع حطوم أكول، خير من وال غشوم ظلوم، ووال ظلوم غشوم، خير من فتنة تدوم…
قال الملك: وماذا قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله؟؟؟
قال الشعب: سألنا عن أحوالنا وأعمالنا، فلما أجبناه، قال كما قال علي بن أبي طالب، ثم قال: أما سمعتم قول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ {129}سورة الأنعام….
أما علمتم الحكمة التي تقول: بذنوبكم سُلِّطَ عليكم…. أي على حسب أعمالكم يكون سلطانكم ومن يحكمك ويسلط عليكم…
قال الملك: وماذا قال صلاح الدين الأيوبي؟؟؟
قال الشعب: سألنا عن أحوالنا وأعمالنا، فلما أجبناه بالتفصيل، رفض وقال: لا يستحق مثلكم إلا ملككم الذي يحكمكم، فارضوا بحكمه وإلا سوف يحكمكم من هو شر منه من عدوكم…وإني قد تعبت وأجهدت نفسي في توحيد البلاد تحت راية واحدة قبل إعلان الحرب على الصليبيين في بيت المقدس، لأنه لا يمكن رفع راية الجهاد إلا بعد اتفاق كلمة العباد… فأنصحكم ألا تفرطوا في وحدتكم، وأن ترضوا بملككم وأبنائه ملوكا وحكاما… فهذا هو الاستقرار السياسي الذي لا يمكن رد كيد عدوكم إلا به….
يا أيها الشعب إن أردتم حاكما مثل عمر بن الخطاب في عدله، فكونوا أنتم مثل رعية عمر في الإيمان والعمل الصالح والزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة، كونوا مثل العلماء والعباد والزهاد الذين كانوا يعيشون في عصر عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يول الله عليكم من هو مثلكم في التقوى والإيمان والعمل الصالح…كونوا مثل خالد بن الوليد والحسن بن علي وابن عباس وسعيد بن جبير وغيرهم من الصالحين والمجاهدين والعباد والزهاد…
هامش: تخريج حديث عمر من موقع المحدث:
كنز العمال الإصدار 1.43 - للمتقي الهندي
المجلد الحادي عشر >> تتمة فصل في متفرقات الفتن
(أبو موسى المديني في كتاب دولة الأشرار؛ وقال: هذا حديث غريب، قال: ويروى من حديث مالك، عن نافع عن ابن عمر انتهى، وفي إسناد حديث عمر من لا يعرف).
__________________
أبو سعيد
|