الموضوع: الوهابية
عرض مشاركة مفردة
  #6  
قديم 10-05-2003, 10:11 PM
بصمة أمل بصمة أمل غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Feb 2002
المشاركات: 56
إفتراضي

عرف الإسلام عبر تاريخه الطويل تفسيرات وتأويلات متعددة ، نشأت عنها المدارس الفقهية والأصولية المختلفة .. وكان لكل مدرسة جذورها الفكرية والواقعية التي تغذيها و تصبغها بلون خاص ، يؤكد خصوصيتها وتميزها .
والمدارس السلفية كاجتهاد ووجهة نظر في الإسلام ، لها ما يميزها كذلك .. واهم ما لاحظه الباحثون، الجذور العميقة لأصحابها في البداوة. . فإذا كانت "حران" مسقط رأس ابن تيمية ، الأب الشرعي للحركة السلفية .. فان "نجد" ستكون ليس فقط مولد الزعيم السلفي والقائم بأمر دعوتها .. ولكن موطن هذه الحركة والرحم الطبيعية التي تفرخ الأتباع والأفكار.

أما أهم ما يجمع بين (حران - و نجد) فإنها الطبيعة الصحراوية ، حيث الجفاف والبعد عن المدينة ، لذلك تميز سكانها بالعراقة في البداوة ، ولم تعرف المنطقتان على طول التاريخ الإسلامي أية حركة مدنية واسعة او تمركز عمراني حضاري ، خصوصا بلاد نجد التي كانت وما زالت موطنا لقبائل البدو الرحل الذين يتنقلون بحثا عن الكلأ والخضرة طوال السنة.

و نحن عندما نسلط الضوء على الخلفيات الجغرافية والبشرية للحركة السلفية ، نفعل ذلك للكشف عن جذور بعض الظواهر الفكرية والسلوكية التي تتميز بها هذه الحركة ، والتي لا يمكن معرفتها و تحليلها، إلا بإرجاعها إلى منطلقاتها الأصلية .
والبداوة الصحراوية بالخصوص لها مميزات خاصة يعرفها كل من درس حياة البدو الصحراويين او عايشهم .. فقساوة الطبيعة وشظف العيش ، والبحث الدائم والمستمر عن المرعى والماء ، وما يتبع ذلك من حياة عدم الاستقرار والمخاطرة الدائمة ، كل ذلك ينطبق على سلوكيات الأفراد - البدو- ويظهر جليا في معاملاتهم وتفكيرهم .. فالجفاء والغلظة والقسوة وبساطة المعرفة والحرمان من ايجابيات المدنية والحضارة ، كلها صفات وأوضاع يعرفها البدو، ويتمثلها صغيرهم بعد كبيرهم.

لذلك لما كانت نجد منطلق الدعوة السلفية و كان أبناءها هم جند هذه الحركة وأتباعها ودعاتها .. كان لزاما ان تصطبغ دعوتهم بكل صفات البداوة وعلى رأسها الغلظة والخشونة ، بالإضافة إلى ضعف المستوى العلمي والفكري والذي يكون عادة بسيطا و ساذجا وبدائيا :
يقول محمد اسد في كتابه "الطربق إلى مكة": (..ان كثيرا من مفاهيمهم –اي الوهابية- كانت بدائية، وان حماستهم الدينية كثيرا ما قاربت الغلو).

و لاشك ان الغلو الذي عرفوا به وواكب حركتهم سببه القصور المعرفي الواضح ، فلم تكن نجد قديما ولا حديثا حاضرة علمية ، ومن أراد من أهلها ان يكسب حظا من العلم والمعرفة كان يهاجر الى العراق او الشام ومصر وكذا الحجاز .


الخشونة و ضيق الأفق:

كانت بلاد نجد في فجر انطلاقة الحركة الوهابية غارقة في الجهل والأمية والسذاجة المعرفية .. لكن بعد فترة قصيرة من الزمن اصبح أبناء هذه المنطقة وفجأة علماء و فقهاء ودعاة للإسلام وعقيدة التوحيد .. ليس فقط ضمن مجالهم الجغرافي ، الصحراوي الضيق ولكن لأبعد من ذلك شرقا وغربا .. حيث بدأت محاكمة الإسلام والمسلمين معا، انطلاقا من معارف هؤلاء الدعاة الجدد .. [[ فما ارتضوه حقا هو الحق، وما جهلوه فهو الباطل الذي يجب ان يرفض ويزول بحد السيف ]] .. يقول الدكتور محمد عوض الخطيب: (انطلقت الوهابية من نظرة خاصة للإسلام احتوت على الحد الأقصى من التزمت و ضيق الافق، مسيئة الظن بالمسلمين الى درجة اعتبارهم بشكل مسبق كافرين و مشركين)

و ضيق الأفق والتزمت الذي عرف به دعاة الوهابية لم يكن بسبب المزاج الصحراوي فقط ولكن بسبب بساطتهم المعرفية وسذاجتهم الفكرية وضعف بضاعتهم في الفكر الإسلامي.. يقول السيد محمد سليم الاسكندراني: (اني اجتمعت بكثير من علمائهم فوجدتهم من الجهل بمكان ومن العلم بمعزل) .



الفتن والخصومات المستمرة:

ان سياسة إشغال العقل الإسلامي في مناقشة القضايا الفقهية الجزئية ، وبعض القضايا الأصولية المختلفة فيها.، والتي كتب حولها الكثير قديما، وفصل في الكثير منها، على أساس الإطارات المذهبية المتنوعة .. لا يمكنها ان تأتي بطائل اليوم . سوى عرقلة مسيرة الصحوة الإسلامية ، وتشويه صورتها أمام العالم ، ولو بقى الأمر مقتصرا على الوضع في "نجد" وما حولها لهان الأمر ، لكن ركوب الدعوة السلفية وسائط الإعلام المختلفة وانتشار دعاتها في بقاع العالم كسياسة دينية سعودية قد جعل سلبيات هذه الظاهرة تنتشر كما تنتشر النار في الهشيم .. والنتيجة كانت عدة آثار مست جسد الأمة الديني والاجتماعي . يقول الدكتور البوطي متحدثا عن بعض هذه الآثار السلبية لانتشار السلفية في العالم ..

"الأذى المتنوع والبليغ الذي انحط في كيان المسلمين من جراء ظهور هذه الفتنة المبتدعة ، فلقد آخذت تقارع وحدة المسلمين، وتسعى جاهدة الى تبديد تآلفهم وتحويل تعاونهم الى تناحر وتناكر .. وقد عرف الناس جميعا انه ما من بلدة او قرية في اي من أطراف العالم الاسلاميى . الا وقد وصل إليها هذا البلاء شضايا . وأصابها من جرائه ما أصابها من خصام وفرقة و شتات .. بل ما رأيت او سمعت شيئا من أبناء الصحوة الإسلامية التي تحتاج اليوم كثيرا من أنحاء أوروبا وأمريكا و آسيا، مما يثلج الصدر ويبعث على البشر والتفاؤل ، الا رأيت او سمعت بالمقايل من أخبار هذه الفتنة الشنعاء التي سيقت الى تلك الأوساط سوقا ، ما يملأ الصدر كربا و يزج المسلم في ظلام من الخيبة الخانقة والتشاؤم الأليم...

و يضيف الدكتور متحدثا عن معاناة بعض الدعاة الإسلاميين المعاصرين من جراء هذه الفتنة السلفية قائلا: "كنت عندما اسأل كلا منهم عن سير الدعوة الاسلاميية في تلك الجهات، اسمع جوابا واحدا يطلقه كل من هؤلاء الإخوة على انفراد، بمرارة وأسى ، خلاصته: المشكلة الوحيدة عندنا هي الخصومات الطاحنة التي تثيرها بيننا جماعات السلفية."

و يضيف قائلا: "ولق اشتدت هذه الخصومات منذ بضع سنوات، في مسجد واشنطن الى درجة لجأت السلطات الأمريكية الى التدخل، ثم إغلاق المسجد لبضعة شهور ، ولقد اشتدت هذه الخصومات ذاتها واهتاجت، في احد مساجد باريس، منذ ثلاثة أعوام، حتى اضطرت الشرطة الفرنسية الى اقتحام المسجد، والمضحك المبكي في آن واحد، لما رأى احد الشرطة داخلا المسجد بحذائه، ان احد إطراف تلك الخصومة أخذته الغيرة فصاح فيه ان يخرج او يخلع حذائه ، ولكن الشرطي صفعه قائلا : وهل اجبرنا الى اقتحام المسجد على هذه الحال غيركم أيها السفهاء" ؟!

و في إحدى الأصقاع النائية – يقول البوطي- حيث تدافع امة من المسلمين الصادقين في إسلامهم عن وجودها الإسلامي، وعن أوطانها وأراضيها المغتصبة،
تصوب إليهم الجماعات السلفية سهام الاتهام بالشرك والابتداع ، لأنهم قبوريون توسليون ثم تتبعها الفتاوى، المؤكدة بحرمة إغاثتهم بأي دعم معنوي او عون مادي ! ويقف احد علماء تلك الأمة المنكوبة المجاهدة، ينادي أصحاب تلك الفتاوى والاتهامات : يا عجبا لإخوة يرموننا بالشرك، مع إننا نقف بين يدي الله كل يوم خمس مرات، نقول ( إياك نعبد وإياك نستعين ) ولكن النداء يضيع و يتبدد في الجهات، دون اي متدبر أو مجيب .

و كيف يجد هؤلاء العلماء آذانا صاغية لدى دعاة السلفية اليوم، وقد قتلوا بحد السيف في الربع الأول من هذا القرن الألوف من المسلمين رجالا و نساءا وأطفالا . دون ان يعرف هؤلاء الضحايا ما هي جريمتهم بالضبط. سوى ادعاء السلفيين عليهم بانهم كفار و مشركون، ولو كان فيهم علماء المذاهب الإسلامية الأخرى ، ويتعبدون انطلاقا من فتاوي مذاهبهم.

لكن البداوة إذا تسربلت بالجهل، وتعممت بالقسوة والغلظة، فلا مجال لمناهضتها او مناقشة أصحابها بالحكمة والموعظة الحسنة ، ومقارعتهم الحجة بالحجة ، لان الجهل حاجز سميك يمنع انوار العقل والفهم من اختراقه، وعليه تكون الفتنة العمياء والظلمات الدامسة .. وإذا أضفنا الى ذلك سياسة شريرة وعقول ماكرة تدعم هذا الجهل بالمال و الثروة للإبقاء علية ولاستمراريته ، فان الآثار السلبية لهذا الوضع ستكون مدمرة وغاية في الخطورة.


ما تدعو إليه الحركة :

في النصف الأول من هذا القرن عندما كانت الحركة الوهابية تبني دولتها في شبه الجزيرة العربية ، كان الغرب والإنجليز بالخصوص، ساسة ومفكرين يتابعون يوميات هذه الحركة ويدرسون أفكار رجالها وعقائدهم ، لكي يعرفوا مدى خطورتها، سياسيا على توسعهم الاستعماري ، لذلك جاءت العلاقات السياسية المتميزة بين بريطانيا العظمى زعيمة الاستعمار آنذاك وبين الحركة الوهابية الناهضة ، بمثابة ضوء اخضر لانتشار هذه الحركة واستمراريتها على المستويين السياسي والفكري.

وهذا الضوء الأخضر كانت قرارا استراتيجيا أنبنى على تقارير و دراسات مهمة حول الحركة الوهابية. . هي التي جعلت الغرب الاستعماري كما قلنا سابقا ممثلا في بريطانيا، ليس فقط يغض البصر عن هذه الحركة بل يدعمها سياسيا وعسكريا ويحرص عليها .
__________________
<CENTER> ---------------------------------