الموضوع: الوهابية
عرض مشاركة مفردة
  #8  
قديم 11-05-2003, 12:12 AM
القوس القوس غير متصل
وما رميت إذ رميت
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2002
المشاركات: 2,350
إفتراضي منقول

براهين (البراءة) من القذف بـ(الوهابية)
زين العابدين الركابي
لا نبرح نقول: ان (الفكر) ـ بمفهومه المنهجي العلمي ـ : أحب الينا من السياسة ـ بمفهومها الاحترافي أو اليومي ـ. ولولا الاضطرار الى الحديث في السياسة، وهو اضطرار يقتضيه الاكتراث بالأحداث والنوازل التي تكتنف الامة والعالم، لولا هذا الاضطرار لكانت المقالات كلها (فكرا) بالمعنى المشار اليه آنفا. من اجل ذلك نغتنم كل فرصة تلوح لمباشرة ما هو أحب وأروح. ومن ذلك تناول مسألة (الوهابية) في هذا المقال. وليس المدخل الفكري الزمني لذلك هو مرور 220عاما ـ تقريبا ـ على وفاة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فذلك أمر غير وارد. وإنما المدخل الفكري والزمني هو ما ورد في هذه الجريدة (الشرق الأوسط) في الثاني من مايو الجاري، إذ نشرت عرضا لكتاب الدكتور محمد الشويعر (تصحيح خطأ تاريخي حول الوهابية).. والخطأ التاريخي هو: الخلط المؤهِم والمُدلّس بين الدعوة التي قام بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب في جزيرة العرب (1115 ـ 1206هـ) وبين الامام الاباضي عبد الوهاب بن رستم (المغرب: القرن الثاني الهجري) الذي بويع ـ كما يقول ابو العباس أحمد بن سعيد الدرجي ـ بعد وفاة والده عبد الرحمن. ولكن يزيد بن فندين ـ كما يقول سليمان الباروني ـ وفريقه نازعوا عبد الوهاب هذا وانكروا عليه، فسموا بـ(النكارية) كما ان عبد الوهاب بن رستم وجماعته سموا بالوهابية.. ومن هنا نرى ان من اسقط هذا اللقب (الوهابية) على الشيخ محمد بن عبد الوهاب، انما اسقطه بقصد اتهام الشيخ بأنه (خارجيّ) ـ نسبة الى الخوارج ـ على الرغم من بعد المسافة المعنوية والتاريخية بين المنهجين والتاريخين.. هذا اتهام خصم، والعقلاء ـ في كل أمة ودين ـ متفقون على ان وصف الخصوم لخصومهم لا يعتد به لأن فيه من الهوى والتشنيع والظلم ما فيه، وإلا لضاعت الاوصاف الحقيقية في زحمة الأوصاف الكيدية.

(وحدة) الاعتقاد عند أئمة الإسلام

مهما يكن من اهمية للمقارنة التاريخية، فان الحقيقة العظمى الفاصلة تتمثل في المنهج والمضمون، بل في العبارة، كذلك.. والسؤال الأكبر ـ ها هنا ـ هو: هل كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب داعية الى طائفة جديدة، أو طريقة مبتدعة، أو نزعة خارجية.. أو كان (معبرا) عن منهج الائمة الاربعة: ابي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل في أصول الاعتقاد.
لندع الحقائق العلمية والمنهجية ـ وحدها ـ تتحدث، ولندع منهج المقارنة يطبق صرامته على عقيدة الشيخ مقيسة بعقيدة الأئمة الأربعة:
اولا: عقيدة الامام ابي حنيفة التي حررها أبو جعفر الطحاوي (نسبة الى بلدة طحا المصرية) وابتدأها بقوله: «هذا ذكر بيان عقيدة اهل السنة والجماعة على مذهب فقهاء الملة: أبي حنيفة النعمان، وأبي يوسف يعقوب بن ابراهيم الانصاري، وأبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني رضي الله عنهم اجمعين وما يعتقدون من أصول الدين ويدينون به رب العالمين، نقول في توحيد الله معتقدين: ان الله واحد لا شريك له، ولا شيء مثله، كما كان بصفاته أزلياً، كذلك لا يزال عليها أبديا، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، ولا غالب لأمره. وأن محمدا رسول الله عبده المصطفى ونبيه المجتبى وانه خاتم الانبياء وامام الاتقياء. وان القرآن كلام الله منه بدا بلا كيفية قولا، وأنزله على رسوله وحيا ليس بمخلوق ككلام البرية. وأن العرش والكرسي حق، وهو مستغن عن العرش وما دونه، محيط بكل شيء وفوقه.. ولا نكفر أحداً من اهل القبلة بذنب، نرجو للمحسنين من المؤمنين ان يعفو عنهم ويدخلهم الجنة برحمته، ونستغفر لمسيئهم ونخاف عليهم، ولا نقنطهم. وأهل الكبائر من أمة محمد لا يخلدون في النار إذا ماتوا وهم موحدون وان لم يكونوا تائبين. ولا نرى السيف على امة محمد، ونحب اصحاب رسول الله ولا نفرط في حب احد منهم، ولا نتبرأ من احد منهم، ونؤمن بما جاء من كرامات الاولياء، ونرى الجماعة حقا وصوابا، والفرقة زيفا وعذابا».. يقول ابن تيمية: «وكذلك ابو حنيفة ـ رحمه الله ـ فان الاعتقاد الثابت عنه في التوحيد والقدر ونحو ذلك موافق لاعتقاد الصحابة والتابعين لهم بإحسان».
ثانيا: عقيدة الامام مالك. وقد جلاّها بن ابي زيد القيرواني المالكي في مقدمة الرسالة، فقال: «هذه جمل من اصول الفقه وفنونه على مذهب الامام مالك بن انس وطريقته رحمه الله: الايمان بالقلب والنطق باللسان: ان الله واحد لا إله غيره، ولا شبيه، ولا شريك، على العرش استوى وله الاسماء الحسنى والصفات العلى لم يزل بجميع اسمائه وصفاته. وأن القرآن كلام الله ليس بمخلوق. وأن الله ختم الرسالة والنذارة والنبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم فجعله آخر المرسلين بشيرا ونذيرا وداعيا الى الله باذنه وسراجا منيرا. وان الله سبحانه ضاعف لعباده المؤمنين الحسنات، وصفح لهم بالتوبة عن كبائر السيئات، وجعل من لم يتب من الكبائر صائرا الى مشيئته، ومن عاقبه بناره اخرجه منها بايمانه فادخله جنته، ويخرج من النار بشفاعة النبي من شفع له من اهل الكبائر من أمته. وان الايمان قول باللسان، واخلاص بالقلب، وعمل بالجوارح يزيد بزيادة الاعمال، وينقص بنقصها. وانه لا يكفر احد بذنب من اهل القبلة. وانه لا يذكر احد من صحابة رسول الله إلا بأحسن الذكر، وانهم احق الناس ان يلتمس لهم احسن المخارج، ويظن بهم احسن المذاهب».
ثالثا: عقيدة الامام الشافعي وهي: توحيد الله باسمائه وصفاته، وانه يجب اثبات الاسماء والصفات على الوجه اللائق به سبحانه، من غير تشبيه ولا تأويل ويقول في ذلك «لله تبارك وتعالى اسماء وصفات جاء بها كتابه وأخبر بها نبيه، لا يسع احدا قامت عليه الحجة ردها، وقد نفى عن نفسه الشبيه فقال جل ذكره «ليس كمثله شيء»، والقول في السنة التي انا عليها ورأيت عليها الذين رأيتهم مثل سفيان ومالك وغيرهما: الاقرار بشهادة ألا أله إلا الله وان محمدا رسول الله، وان الله عرشه في سمائه يقرب من خلقه كيف يشاء وينزل من السماء كيف يشاء، وان الايمان قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وان القرآن كلام الله غير مخلوق، وانه لا خلود في النار للمؤمنين العصاة وان ارتكبوا الكبائر. فمرتكب الكبيرة من أمة النبي اذا مات مصراً عليها فهو تحت المشيئة، ان شاء الله عفا عنه وان شاء عذبه إلا انه لا يخلد في النار، وان الله تعالى قد اثنى على اصحاب رسول الله في القرآن والتوراة والانجيل (اشارة الى الآية 29 من سورة محمد) وسبق لهم الفضل على لسان رسوله ما ليس لأحد من بعدهم فرحمهم وهنّاهم بما آتاهم من ذلك اعلى مراتب الصديقين والشهداء والصالحين».
رابعا: عقيدة الامام احمد بن حنبل وهي: ان الله فوق سمواته، مستو على عرشه، بائن عن خلقه، وهو وحده لا شريك له ولا شبيه في خلقه وتدبيره واسمائه وصفاته، قيوم السموات والارض لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وانه ابتعث محمدا خاتما للنبيين ورسولا الى الثقلين بدين الاسلام ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة، وان القرآن كلام الله غير مخلوق، فان كلام الله منه بدا وليس منه شيء مخلوق، وان الايمان قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية. ومن لقي الله بذنب يجب له به النار تائبا غير مصر عليه، فان الله عز وجل يتوب عليه ويقبل التوبة من عباده ويعفو عن السيئات، والايمان بشفاعة النبي، وبقوم يخرجون من النار بعدما احترقوا. ومن مات من اهل القبلة موحدا يُصلى عليه، ويستغفر له، ولا نترك الصلاة عليه لذنب اذنبه صغيرا كان او كبيرا. وصحابة رسول الله عدول نشهد بعدالتهم كما جاءت بذلك الآثار».

محمد بن عبد الوهاب في خطى الأئمة الأربعة

ان الشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يبتدع شيئا جديدا في اصول الاعتقاد، بل مشى في خطى الامة الاربعة، واستقى علمه ومنهجه وعبادته منهم، وهو ـ في ذلك ـ لم يفعل سوى (اعادة تحرير) عقيدة هؤلاء الائمة العظام التي آمنوا بها وجهروا بها.
والبرهان على ذلك هو: عقيدة الشيخ التي امن بها ودعا اليها وكافح في سبيلها.. يقول: «اشهد الله ومن حضرني من الملائكة واشهدكم اني اعتقد ما اعتقده اهل السنة والجماعة من الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث والموت، والايمان بالقدر خيره وشره. ومن الايمان بالله: الايمان بما وصف به نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله من غير تحريف ولا تعطيل، بل اعتقد ان الله (ليس كمثله شيء)، فلا أنفي عنه ما وصف به نفسه، ولا أحرف الكلم عن مواضعه، ولا الحد في اسمائه وآياته. واعتقد ان القرآن كلام الله منزل غير مخلوق منه بدا واليه يعود. واؤمن بان نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين لا يصح ايمان عبد حتى يؤمن برسالته ويشهد بنبوته. واذا بانت لنا سنة صحيحة من رسول الله عملنا بها، ولا نقدم عليها قول احد كائنا من كان، بل نتلقاها بالقبول والتسليم لان رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدورنا اجل واعظم من ان نقدم عليه قول احد. فهذا الذي نعتقده وندين الله به. واعتقد ان الايمان قول باللسان وعمل بالاركان واعتقاد بالجنان، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية. واتولى اصحاب رسول الله. واذكر محاسنهم، واعتقد فضلهم، وأترضى عن امهات المؤمنين المطهرات من كل سوء، وأقر بكرامات الاولياء. ان عقيدتي وديني الذي أدين الله به: مذهب اهل السنة والجماعة الذي عليه ائمة المسلمين مثل: الائمة الاربعة واتباعهم الى يوم القيامة. هذه عقيدة موجزة حررتها لتطلعوا على ما عندي والله على ما أقول شهيد».
انه (تطابق) بين عقيدة الائمة الاربعة وبين عقيدة الشيخ: تطابق في المنهج والمضمون، بل تطابق في (العبارة).
في ضوء هذه العقيدة المجلوّة: فان قذف الشيخ بلقب (الوهابية) يمكن ان يتعداه الى الائمة الاربعة فيوصف ابو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بأنهم (وهابيون) من حيث ان عقيدتهم هي نفسها عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب. وبالتصعيد يمكن ان يوصف التابعون فالصحابة بانهم وهابيون من حيث ان عقيدة الائمة الاربعة هي عقيدة الصحابة والتابعين.. وهذا ظلم بواح، ليس لمحمد بن عبد الوهاب، ولمن هو اكبر منه من الائمة العظام، بل هو ـ كذلك ـ: ظلم بواح لـ(الحقيقة العلمية) التي تقوم عليها عقيدة المسلمين اجمعين.
وتمام المقال: حقائق ثلاث:
أ ـ حقيقة: ان الاسماء المعتبرة التي يتعلق بها المدح والذم لا تكون الا من الاسماء الشرعية التي شرعها الله كالمؤمن والكافر والعالم والجاهل والمقتصد والملحد. وليست (الوهابية) في شيء من ذلك، أي ليست اسما ولا وصفا شرعيا.
ب ـ الحقيقة الثانية ـ بناء على الاولى ـ: ان النبذ بالوهابية لا يستند ـ قط ـ الى حقيقة علمية، ولا سند تاريخي، ولا شهادة أمينة، فهو ـ من ثم ـ محض افتراء، وهو افتراء لم ينج منه سائر أهل السنة. فقد وصفهم خصومهم الاقدمون بـ(الحشوية) مثلا.
ج ـ الحقيقة الثالثة هي: ان للنبذ بالوهابية (هدفا سياسيا) وهو محاولة: عزل الذين تأثروا بدعوة الشيخ عن سائر المسلمين، وهي محاولة يائسة على كل حال، اذ كيف يعزل هؤلاء وهم يحملون عقيدة الائمة الاربعة الذين يتبعهم معظم مسلمي العالم في اصول الاعتقاد، وفي المرجعية الفقهية؟
__________________
وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) (المائدة:83)