عرض مشاركة مفردة
  #7  
قديم 17-05-2003, 11:28 PM
القوس القوس غير متصل
وما رميت إذ رميت
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2002
المشاركات: 2,350
إفتراضي

هل انت متأكدة فقط الى مصر؟
ـ نعم.
يا ام مهتدي يا طالبة العلوم ـ متى ذهبت الى الدراسة الدينية في الخارج ومن الذي شجعك على ذلك؟
ـ يا ألهي لا مفر ولا هروب فاسمي موجود لديهم ولديهم علم كذلك بمسألة ذهابي الى الدراسة فلا داعي للنكران…
ثم ذهابي قبل سنتين تقريباً ولا أحد شجعني على ذلك.
بأي وسيلة سافرت الى الدراسة؟ ومن الذي كان معك؟
ـ سافرت بالسيارة وكنت برفقة جدّتي.
هل أنت متأكدة مما تقولين؟
ـ كل التأكيد كما اني متأكدة من وجودك هنا.
ارجو ان لا تكذبي فكل شيء مصرح لدينا وكل المعلومات التي تخصك موجودة وافهمى جيداً انه لا داعي للكذب، فالكذب حبله قصير فاعترفي بالحقيقة قبل ان تندمي؟
ـ ما اقوله لكم هو الحقيقة وليس عندي زيادة.
أنا اعلم انك كذابة فقولي الصدق وخليك صريحة مع التحقيق.
ـ أنا لا اكذب وكل ما اقوله هو الصدق.
هنا طرق الجندي الباب قادماً بالشاي والقهوة، بعد ان سكب فنجانه من الشاي قال المحقق هل تشربين شيئاً أجبته بالنفي، خرج الجندي بعدها وأخذ يواصل اسئلته..
من كان برفقتك في السيارة وانت تغادرين البلاد؟
لا يوجد أي شخص معي اثناء مغادرتي للبلاد ولم اكن برفقة احد.
هكذا واخذ يكرر نفس الاسئلة ولكن باسلوب آخر، اراد ايقاعي في المصيدة.. ولكن هيهات له ذلك.
كانت الاجابات لا تتغير. بعدها صرخ في وجهي كذابة، انا لست مقتنعاً باي اجابة من اجاباتك فكلها كذب واقول لك واردّد الكذب حبله قصير فيا ويلك ان كتبت غير الصدق، فمن الافضل ان تتجاوبي معنا.. رغم معرفتي بأنك كذابة مئة في المئة والا لماذا توقفت اكيداً تفكري في كذبة جديدة..
قلت لك انا لا اكذب فالكذب ليس من عادتنا.
قال:ـ خليك انسانة محترمة وتجاوبي مع كل سؤال والا سوف تعضّين اصابعك ندماً، ثم اخذ يتمتم ببعض الكلمات.. فتارة اسمع له وتارة افكر.. هل استمر معه ام لا. احترت في امري ولم اكن أفكر إلاّ في الله (إلهي عظم البلاء وبرح الخفاء وانكشف الغطاء وانقطع الرجاء وضاقت الارض ومنعت السماء فإليك المشتكى وانت المستعان وعليك المعول في الشدة والرخاء اسألك بحق محمد وأهل بيته ان تفرج همي وتكشف كربي وغمي وترحمني برحمتك يا ارحم الراحمين..) رددت هذه الكلمات الرائعة فاندفعت همة وعزماً لمواصلة التحقيق وبدأت بالإجابة واردّد له أنا لا أكذب، أخذ يكرر كذابة وانا متأكد ولا كلمة واحدة دخلت في رأسي من الكلمات التي ذكرتها فقولي الصدق، أخذ يعلو صوته بالصراخ لا تكذبي أتفهمي أخذ ينظر الي بنظرات حادة وهو يشمر عن ساعديه ـ دفع مقعدة بقوة وقف شامخاً بمنكبية وضرب ضربة قوية بيده فوق الطاولة حيث ارعبتني تلك الضربة، ولمدة دقيقتين وهو ينظر لي بنظراته الحادة والشر يتطاير منها.. الم اقل لك انك تكذبين ثم أخذ (مهشة ذباب) كانت موجودة فوق المكتب لونها وردي أخذ يضرب بها فوق رأسي وهو يقول (انت كالذبابة اعترفي والا سأقطّعك بالضرب كما اقطّع الذبابة بهذه واذا به يقلب المهشة ويضرب بقاعدتها بكل قواه فوق رأسي وهو يردّد لا تكذبي انت كذابة.. متى ستقولين الصدق، التزمت الصمت واذا بضربه يزداد اكثر فاكثر فشعرت بأن رأسي يكاد يتفجر من شدة الألم، صرخت في وجهه الا تخاف الله، الا تستحي من الله تمد يدك على امرأة وتضربها لقد قلت لكم ما عندي وحسب، فاسألوني أجاوبكم ماذا تريدون غير ذلك؟ هدا قليلاً وتوقف عن الضرب ونظر الي نظرة استحقار وفاجأني بضربة عنيفة فوق رأسي صارخاً نريد الصدق وان تقولي الحقيقة هنا نزلت رحمة الله علي اذ رنّ جرس الهاتف، رمى بالمهشة فوق المكتب وأخذ يتحدث بالهاتف.
إنشغلت بالتفكير في هذا الاسلوب الحقير الذي يستخدمه كل محقق مع كل معتقل او سجين للنيل من شخصيته والعمل على تحطيمها بالسب والشتم وعبر اللفاظ القذرة، سواء ذبابة، او حشرة، او جرثومة وما شابه ذلك، فقيمة الانسان امامهم لا تعادل شيء تعادل ذبابة لا تساوي ذرة في الحياة، هكذا يريدون لكل معتقل ان يحولوه الى شخص جبانٍ متقاعس عن العمل والتحرك في سبيل مبدئه وعقيدته، حيث يجعلونه صفراً على الشمال، فهذا هو مبتغاهم وأدُ المجاهدين وهم أحياء.
ما زال هذا الذئب يتحدث والغضب يسيطر على كل كيانه بعد ان جلس على مقعده وزفر بعمق وختم مكالمته بقوله: لا أحد يكلمني أنا مشغول الآن.. قطع المكالمة واخذ ينظر الي وهو يلهث كالكلب بدأ يهددني قائلاً سأجعلك تأكلين حذاءك لحين تعترفي، صفعني بالملف طالباً مني التوقيع لانهاء المحضر والذهاب الى الزنزانة.
دلفت الى العنبر الخاص بسجن النساء وليتني لم اذهب لأرى ذلك الشبح المخيف والوجه المرعب (سارة وما أدراك ما سارة) نعم هي سارة الخالدي امرأة طويلة القامة، ضخمة الجثة كالفيل شديدة السواد، صوتها رخيم وضخم جداً مصحوباً بالخشونة ملامح وجهها حادة وقاسية، من شدة سوادها لا يرى منها الا بريق عينيها وبياض أسنانها فيما تنهال بالسب والشتم وهي من العبيد حيث تلقب من قبل السجانات بالصاعقة، بصدى كلمة واحدة تخرج منها تكاد تحطم الجدران، وتهز الاسقف وهي تزبد وترعد، توجهت الى زنزانتي وانا ادعوا الله سبحانه وتعالى ان ينهى ذلك اليوم حتى يحين موعد انتهاء دوام هذه السجانة فلقد كانت تعاملنا أسوء معاملة، وكانت تستخدم القوة والعنف لإخافتنا ولعلّ هذا جعلنا نستجيب نسبياً لأوامرها، فقد كانت تحاصرنا اثناء ذهابنا الحمام ولا تصرح لنا بدخول الحمام سوى مرة واحدة خلال أربع وعشرين ساعة ويا ويلنا ان طلبنا منها الحمام للمرة الثانية، فإننا لا نسلم من لسانها، كانت تقيدنا في جميع تصرفاتنا سواء في النوم او الجلوس ففي تمام الساعة الثامنة ليلاً لا بد ان تلجأ الى النوم، وفي تمام الخامسة صباحاً لا بد ان تستيقظ، وحتى الذهاب الى شرب الماء تحدده لنا بوقت، قضيت تلك الليلة وأنا اضرب أخماساً في اسداس لشراسة السجانة من جهة ولحرارة جلسات التحقيق من جهة أخرى، جلست افكر طوال الليل في اسئلتهم الموجهة الي وبماذا سأجيبهم، فكرت بعمق في اساليبهم وكيفية مقاومتها، توجهت الى الله في تلك اللحظات (الهي يا ملجأ الهاربين ويا ملاذ اللائذين اليك لذت وبك اعوذ فاستنقذني من كيد هؤلاء الشياطين كما استنقذت موسى من كيد فرعون وافتح لي أبواب رحمتك وامنن عليّ بلطفك يا أكرم الاكرمين). واذا بي أهرع مسرعة تجاه الباب بعد ان سمعت صوت سارة يهز العنبر (انت تسمعي لو بتستهبلي هيا..) استعدي للذهاب الى التحقيق، ما هي الا لحظات واذا بالمفتاح يدور في قفل الباب حيث أقبل جنديان معهما سجانة، توجهنا سوية الى المكتب ولكن المحقق لم يكن موجوداً وانتظرنا قرابة عشر دقائق حينما قدم المحقق وبيده مجموعة من الملفات وضعها بأدراج مكتبه واخرج الملف الخاص بالتحقيق وبدأ بالاسئلة بعد ان فتح المحضر..
ما هي المدة التي قضيتها خارج المملكة؟ وفي أي وقت تم سفرك للدراسة الدينية؟
__________________
وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) (المائدة:83)