عرض مشاركة مفردة
  #8  
قديم 17-05-2003, 11:29 PM
القوس القوس غير متصل
وما رميت إذ رميت
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2002
المشاركات: 2,350
إفتراضي

ـ المدة التي قضيتها تعادل سنتين ونصف وتم سفري للدراسة الدينية في يوم الجمعة في تمام الساعة التاسعة صباحاً.
من الذي رافقك الى الدراسة؟
ـ لم يرافقني احد.
فور وصولك لطلب الدراسة الى أين تم اتجاهك وفي أي مكان تم سكنك؟
ت فور وصولي اتجهت الى المدرسة وتم مسكني هناك.
…بينما نحن في غمار الحديث واذا بعايض القحطاني قد اقبل، سحب الملف من يدي وأخذ يقرأ ما فيه واذا به ينظر الى المحقق ويتفجر من شدة الضحك، قال عايض لا تجعلها تستهبل، تراها بدأت تلعب من أول ما شرفت عندي في المكتب (مكتب القطيف) قالها باستهزاء موصحيح يا طالبة العلوم..
لماذا اخترت الدراسة خارج المملكة؟ واذا كانت حجتك الدراسة الدينية فنحن في المملكة لدينا مدارس وندرس علوم دينية فلماذا اخترتها خارج المملكة؟
ـ تم اختياري للدراسة الدينية خارج المملكة لعدة أمور منها..
1 ـ دراسة العلوم الدينية الاصيلة والبحث عن الثقافة الإسلامية العريقة.
2 ـ الغرض من سفري لدراسة المذهب الجعفري.
قال بكل اعتزاز نحن في مدارسنا ندرس المذهب الجعفري وائمتكم هي نفس ائمتنا ولا تنسي أنك بقولك هذا تفرقين بين الشيعة والسنة؟
انا لا افرق وانما أوضح لك السبب في ذهابي لطلب الدراسة الدينية واذا به قد ثارت اعصابه وهو يردّد ائمتكم هي ائمتنا ومن ثم أخذ يضرب الطاولة بيديه وهو يردّد نحن لا نفرق لا فرق في ذلك لا فرق في ذلك اتفهمي؟؟؟
اجبته بقولي اذا كنت صادق فيما تقول فاذكر لي اسماء الائمة واحداً تلو الآخر مع ذكر تاريخ ولادة كل واحد وتاريخ وفاته.. ما هي الا لحظات حتى ثارت ثائرته بشدة.. صرخ وهو يحملق في وجهي يا قليلة الادب هذا ليس حديثنا فقد خرجنا من الموضوع..
بعدها تنفس الصعداء وهدأ من روعه وأخذ يواصل.
لماذا اخترت هذه المدرسة الدينية رغم ان هناك مدارس كثيرة فما الهدف من ذهابك لهذه المدرسة بالذات؟
ـ تم ذهابي لهذه المدرسة لأنها تضم جميع العلوم الدينية والعلوم الحياتية وكل ما هو في صالح الإنسان سواء في الدنيا والآخرة.
ما هي الجنسيات الموجودة معك في المدرسة؟
ـ يوجد معنا من لبنان، والعراق، والسعودية ـ
من هم السعوديات الموجودات معك؟ اذكري اسمائهن، مناطقهن مكان تواجدهن حالياً؟
ـ انا فقط سعودية الجنسية، اسمي عالية، منطقتي صفوى مكان تواجدي حالياً السجن.
صرخ في وجهي أتستهزئين بنا..
أنا لا استهزئ.
بل تسخري بالحكومة.
لا اسخر من أحد وانما أجيبك على سؤالك.
قال: الظاهر بتستعبطي وهو يهز رأسه.. وواصل التحقيق.
من هم الأفراد الذين تم تعرّفك عليهم؟ اذكري اسمائهم؟
ـ لم أتعرف بأحد.
كذابة..
انا لا اكذب.. فهميّ كان الدراسة والمذاكرة وليس لدي وقت للتعارف سحب القلم من يدي واخذ يحملق بي قائلاً.. مهما ذكرت وقلت انا لن اصدق، وهذه كتاباتك انا متأكد منها كل التأكيد كلها كذب في كذب توجّه يضرب الطاولة بشدة وكأنه يريد ايذائي… بدوري دعوت الله سبحانه وتعالى ان لا أتعرض لسوء، كنت جالسة وكانت اعصابي غير مستقرة ـ لم تكن في مكانها ولكني تظاهرت بالهدوء، إشتد عضبه اكثر، كانت عيناي تحملقان بكأس الشاي الموجود فوق الطاولة والبخار يتصاعد من فوهته، توقعت أن يصفعني به، واذا بالضرب أخذ ينهال فوق رأسي بقوة بواسطة مسطرة سميكة من الزجاج الابيض أخذ يضربني فوق رأسي وانا التزم الصمت. قتله صمتي فازداد ضربه لي بحافة المسطرة وبكل قواه العضلية وهو يردّد يا قليلة الأدب يا كذابة، يا رافضة، يا عنيدة، استمر في الضرب لمدة نصف ساعة تقريباً وهو يقول لا تنكري، قولي الصدق بينما هو يضربني تذكرت مقولة للعلامة المجاهد السيد هادي المدرسي ـ حفظه الله ـ (المرأة بطبيعتها عنيدة وليكن على المرأة ممارسة عنادها اكثر من الطاغوت) واذا بي قد انقلبت الاشياء أمامي، الطاولة، المقاعد، الأرض كل شيء اصبح بالعكس، إسودت الدنيا في عيني، فقدت القدرة على التركيز لكني ما زلت اتقيد بالصمت.. كان الشيطان وقتها يراودني بين فترة وأخرى للاعتراف! إعترفي ولا داعي لكل ذلك، فليس بعيداً ان يصفعك بكوب الشاي ولربما ينزع حجابك… لا ترين ثورته وهمجيته، الا ترين غضبه؟ اعترفي، قولي ما لديك ـ تساءلت بداخلي هل أقدم على الاعتراف ام لا، فقد يؤذيني اكثر، واذا بصرخات قوية قادمة باتجاهها الينا من الغرفة المقابلة، كانت لأحد الشباب وكأنه قد انهار من شدة التعذيب استنكرت الأمر في البداية وظننت ان هذه الصرخات مفتعلة لتخويفي ولكن بلمحة سريعة كالبرق الخاطف ركزت بصري الى الخلف حينما دخل احد المدنيين ليقدم بعض الاوراق الى المحقق فقد ترك الباب مفتوحاً خلفه واذا بي ألمح شاباً يتوسط اثنين من الجنود وهو يئن ويستغيث ولكن من المجيب؟؟؟ افزعني شكله كان وجهه محمراً والدماء تشخب من رأسه وقد عملت على تغيير ملامح وجهه، وتحول ثوبه الابيض إلى أحمر وكأنه مرقع، وكانت رجلاه شديدتا الاحمرار كالجمر الملتهب، وكان الجنود يجرونه على الارض بقوة وسياطهم والسنتهم تكيل له السب والشتم، إنتبه المحقق، وبنبرةً زجر أمر السجانة بغلق الباب.
أحزنني منظر ذلك الشاب، هممت بالتفكير في مصيره هنيئة لربما التحق أنا به ويكون مصيري مثله وألاقي ما لاقاه، انهالت مني الدموع كقطرات الندى المتلاحقة وانا أسبح في رحاب الخالق (الهي انت معي وتعلم بكل شيء يا من لا يسبق علمه شيء عبدك بين يديك يسألك ويدعوك يا مجيب دعوة المضطرين فلا تخيب رجائي" كانت لحظة تذلل وخشوع ورجاء، قرأت بعدها فاتحة الكتاب على اثرها استقرت نفسي وهدأت سريرتي، فزعت بعدها على اثر الصوت الصادر من اغلاق الباب بعد خروج ذلك الرجل.
قال المحقق والآن ستعترفي ام لا.. ام تريدين وجبة دسمة احلى من الوجبة التي نلتها..
أجبته بصوت مبحوح من أثر تساقط الدموع، حيث أخذت الآلآم تعصف برأسي، الا تخاف الله فكل ما عندي ذكرته لكم.
قال: انت تكذبين، أنا اعلم انك مخادعة كذابة، منافقة.
صدقني قلت لكم كل ما عندي وانا صادقة فيما أقول، بعدها لزمت الصمت..
أكملي لماذا توقفت فلا تحاولي خلق قصص وتأليفات جديدة فأنا اعلم بأنك كذابة واقوالك هذه ليست صحيحة، واذا بصوته يعلو صارخاً.. لعينة انت لعينة بعدك تكذبين هذه آخر مرة احذرك فيها وواصل تحقيقه ـ قائلاً.
ما هي التبرعات التي قدمتها سواء مالية أو عينية وانت خارج البلاد وكم هو مقدار المبلغ الذي دفعته؟
ـ لم أقدم اية تبرعات وبالتالي ماذا تقصد بعينية؟
عينية.. قال ذهب، ملابس، اجهزة مثلاً وما شابهها؟
ـ لم اسلم شيء سوى مبلغ بسيط من المال قدره خمسمائة ريال(500)سعودي.
هذا ليس معقول ومن الذي طلب منك التبرعات ولماذا؟
ـ التي طلبت مني التبرعات هي احدى المسؤولات في المدرسة وهي التي سلمتها المبلغ.
لماذا طلب منك هذه التبرعات؟
ـ طلب مني ذلك لشراء بعض الحاجيات كسجادات صلاة ومصاحف لأحد المساجد.
هنا زجرني بقوة ما هذا الخط؟ زي الزفت حسني خطك والا…
(حيث منذ بداية دخولي السجن وانا اتعمد الكتابة باليد اليسرى؟
من الذي اوصلك من الخارج الى البلاد؟ وعبر أية وسيلة؟
ـ وصلت الى البلاد عن طريق أحد الحملداريين واسمه (ابو علي). وكان ذلك بالسيارة عبر الطريق البري.
صرخ في وجهي، احترمي نفسك ولآخرة مرة.. ها.. لا تفكري بأننا اغبياء فنحن فاهمينك وفاهمين اسلوبك يا قليلة الادب، صفعني بالملف. أجيبي على السؤال بصدق؟..
ما هي البلدان التي مررت بها اثناء نزولك البلاد؟ اذكري المراكز الحدودية التي مررت بها في الطريق؟
ـ ماذا تقصد هنا؟ لم افهم السؤال؟
السوال واضح ولا يحتاج إعادة.
ـ ايضا لا يحتاج ان اجيب عليه لأنني لم أفهمه.
أخذ ينظر الي ينظرات حادة وانا اضحك (خلف الغطاء) فاضطر الى اعادة السؤال وقال البلدان التي مررت بها يعني مثل الكويت، الخفجي، دولة أخرى هكذا؟
ـ لم نمر بأية دولة، فورا تم اتجاهنا للبلاد وقد مررنا بمكز واحد وهو (الحديثة).
قال: رايح اطابق اقوالك بالمعلومات التي لدينا وياويلك ان اصبحت كذابة.. قالها بكل عنجهية وبلاهة (رايح اتذوقي المر داخل الزنزانة وبتعرفي من هو أنا).
ايصير خير..
اقفل المحضر، وأمرني بالامضاء عليه ومن ثم عدت إلى الزنزانة.(8)

(داخل الزنزانة):
….للزنزانة دروس شتى، وعبر لا تعد ولا تحصى، فالسجن الانفرادي يعد فرصة من الفرص العظيمة وفي نفس الوقت فرصة نادرة حيث يكون انفراد الإنسان بخالقه، وموقع لخلوة الحبيب مع حبيبه، ولكي يحس الإنسان في عمق كيانه ووجوده بالضعف المطلق، بالحقارة، بالمسكنة مقابل تلك القوة الجبارة الهائلة، قدرة الله العظيمة والمبدعة، لحظات قد تعجز المشاعر عن التعبير عنها، وقد يتوقف كل قلم وتجف كل نقطة حبر وان عادلت مياه البحار والمحيطات…
لحظات السمو ما أروعها، سمو الروح بعد ان تخلع رداء الرذيلة كي تسمو من جديد، وتتكهرب بالطهارة والصفاء، والنقاء والاخلاص.. يا الهي كم هي سويعات لذيذة يذوب فيها الإنسان في رحاب خالقه ذوبان تدريجي كما يذوب الجليد تحت اشعة الشمس لحظات تعبئة بالطاقة الروحية والوقد الايماني، والانتهال من رحيق العظيمة الألهية، نحو مزيد من الدفع والمقاومة ومزيد من التحدي والصمود، لتكملة المشوار وسط تلك الغرفة الصغيرة، وامام الجلاوزة الاغبياء، حفنة من عبيد النظام المتسلط..
في الزنزانة، حيث لا يوجد قلم او كتاب ولا حتى مصحف كريم ولا أي شيء لسد الفراغ الطويل سوى الارتباط بخالق السموات والأرض.
…عدت الى زنزانتي وانا محتارة في امري ماذا أفعل امام تلك الاهانات التي أخذت تلفحني من كل جانب، والشتائم التي لا تتوقع سواء من المحقق او السجانة او الجنود… بدءا من مدير السجن وانتهاء بأصغر جندي موجود، الضرب المبرحّ، التهديد، السخرية والاستهزاء، الحر الشديد التسهير وعدم النوم، الرطوبة الخانقة، تضييق الخناق علينا حتى في ممارسة العبادات كل هذه الأمور تكالبت مرة واحدة من جهة ووخز الضمير من جهة اخرى.
…ولا أنسى القول بأنه الى جانب ذلك كله ظلت النفس الأمارة بالسوء تتردد بين فترة وأخرى رغم عمليات الطرد والمقاومة التي مارستها وعقلي معها لقد كانت هذه النفس تقول: اعترفي تكلمي بالحقيقة، لا داعي للانكار يكفي ما تعرضت له من اهانات، لو كانت فتاة اخرى غيرك لا عترفت من زمان وخلصت نفسها من كل هذا العذاب، اعترفي ولن يعرف أحد بذلك، تكلمي اذكري من انت ولمن تنتمين، لا تخبريهم بكل صديقاتك على الأقل اذكري إسمين وتأكدي كما وعدك المحقق لن يؤذوهم بشيء..
احترمي مشاعر والدتك التي تبكي ليل نهار لفراقك، على الأقل إرأفي بحال زوجك داخل السجن، هكذا كان الشيطان يلعب برأسي ويوسوس داخلي سواء في جلسات التحقيق او في الزنزانة او مع السجّانات كان يترأى امام ناظري بالدنيا الجميلة ويصور لي الحرية الممتعة، بأن أعيش في أفخم منزل وارتدي
__________________
وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) (المائدة:83)