احسن الزي ـ اللباس ـ ويهتف الناس بأسمي و….. و….. و…..الخ..
تنقض وخزات الضمير.. لا تعترفي، تحملّي، إصبري، ما هي الا أيام وتنقضي تذكرّي عذاب الآخرة فعذاب الدنيا اهون بكثير فالآخرة طويل عذابها لا ينتهي والدنيا محدود عذابها مؤقت، تحملي، يا ترى اذا اعترفتي ماذا ستستفيدين غير الندم ستخسرين كل شيء، سوف تضيع الايام التي تعلمت فيها، وستصبح كل العلوم التي لديك.. هباءً منثورا، وستفتقدي إحدى الصديقات، ولكن تجلدي بالصبر ولتصبيّ جميع ما تحملينه من نظريات في بوتقه التطبيق هنا في السجن ومع كل هذا العذاب وتذكري انه لا يساوي ذرة امام تعذيب الفتيات في سجون البحرين وفي سجون العراق، فهذه فتاة تعلق من شعرها وهذي قد استبيحت حرمتها واخرى قد قطعت يداها ولسانها وهكذا.. فتاة تئن وامرأة تستغيث.. تذكرت حال اخواتنا المؤمنات فهانت مصيبتي وأخذت نفسي تلتزم الهدوء.
…عاد الشيطان مرة أخرى لكي يقول، اخبريهم بما لديك تكلمي الصدق، سريعا، كي تكوني مع اهلك خلال هذه الساعات. وتبجج النفس الامارة وبدون حياء ـ تذكري وانظري كيف ستعيشين وتتمتعين وسوف يتوفر لك كل شيء انت بصدده.
بعدها يعود ليحتل الضمير موقعه، كلا تحملي من اجل قضية تحملينها على كاهلك من اجل هدف تسعين لتحقيقه.
يا الهي اخذ الدوار يعصف برأسي ما هذا الصراع، أمواج عنيفة متلاطمة تشدني معها ذهابا وإياباً إنها عنيفة.. عنيفة للغاية قد دمجت معها القرار النهائي..
نهضت فزعة من الفراش سأعترف، سأعترف واقول الحقيقة تعالى صوتي المبحوح ببكاء شديد.. سأعترف.. سأدلي بكل ما عندي لقد تعبت، تعبت اعصابي وانهارت مشاعري وعجز عقلي عن التفكير سأعترف ولن اخبر احدا بأنني سأعترف ولا أحد سيعلم بذلك، سأدلي بكل شيء.
كنت سعيدة حزينة باتخاذ القرار، أمرت السجّانة فورا بالاتصال بلمسؤولين هيا اتصلي بهم واطلبي المحقق (سعيد منصور) بسرعة وأخبرية بأن عالية مكي ستعترف وتقول ما لديها من معلومات ـ هيا ـ أسرعي تم اتصال السجانة بهم وانا أغدو ذهابا وإيابا متلهفة لمجئ المحقق، بينما انا كذلك واذا بلطف الله قد غمرني ورحمته أحاطتني ـ بعدم وجود المحقق، تم الاتصال به في منزله وامروه بالحضور فورا، كنت متحمسة جدا للاعتراف وأنتظر الفرصة التي يفتح فيها باب الزنزانة كي يدخل المحقق وبيده الملف الأصفر لتسجيل الاعترافات…
بينما كنت اترقب واذا بصوت يخترق الجدران، ويعبر من ثنايا القضبان ليدعوني الى القرآن لقراءة آياته ولو سورة قصيرة استصعبت الموقف في بداية الأمر ولكن أن هناك من دفعني، لتمتد يدي وتلتقط المصحف الكريم، فتحت صفحاته قرأت ما يقارب خمساً من الآيات المباركة واذا بالمحقق قد أقبل مسرعا وبيده الملف، قد كست وجهه علامات السرور، أقبل والابتسامة تملأ وجهه ولأول مرة اراه يبتسم ربما لأنه على موعد لاستقبال المعلومات الجديدة، دخل الزنزانة أبدى تحية المساء بقوله (مساء الخير) وهذه ليستم ن عادته، ثم اخذ يقول الحمد لله الآن فكرت جيداً فها أنذا قد أتيت لك مسرعاً من المنزل حيث اتصل بي الجنود واخبروني بأن عالية سوف تعترف قلت أكيداً رجعت الى عقلها، ولهذا حضرت بسرعة وكان من المفروض ان تعترفي بسرعة ومن زمان حتى تستريحي من هذا الحر وتخرجي من هم الزنزانة. كنت اضحك في داخلي وانا انظر الى شكله.. أجبته بهدوء.
أنا.. أنا سأعترف من الذي قال ذلك، أنا لا امتلك أية معلومات أكثر مما ذكرته لكم في جلسات التحقيق، ولو كان لدي أي معلومات أخرى لذكرتها لكم ولا داعي لأن استدعيك الآن من منزلك.
واذا به ينتفض وانتابته نوبة الغضب الشديد فأخذ يرعد بصوته وهو يزجرني، قبل قليل استدعتني السجّانة كي تتصل بي وتطلب مني المجئ الى هنا لأنك ستدلي بما لديك من معلومات، أجبته اخاف ان تكون قد اشتبهت في الأمر انا لم اقل شيئاً، كانت السجّانة واقفة معه فأدلت بقولها: انت كذابة فقد امرتني بذلك، اجبتها أصلا كل هذا لم يحدث وقد تتوهمين، ثارت ثائرة المحقق وهاجت اعصابه واخذ يضغط على أسنانه بقوة ويكاد الشرر يتطاير من عينيه حيث اعلنت كلماته المنصبة بجام الغضب (طيب يا بنت…..، رايح إتشوفي شيء عمرك ما شفتيه، أرويك بتذوقي الحبس وانت في الزنزانة يا…. ايصير خير).. جر خطواته السريعة غضبان اسفاً لمجيئه بدون فائدة، حتى كادت كوفيته تقع من فوق رأسه، دفع الباب، الخارجي للعنبر بقوة وخرج.
…الغريب في ذلك أنه حينما يريد أي شخص زيارة الزنزانة سواء كان نقيب او عريف او جندي او غيره لا بد ان يكون برفقة اثنين او ثلاثة من الجنود في هذه المرة جندي واحد فقط، وهو المسؤول عن فتح الباب، هنا حمدت الله كثيراً بعد اداء ركعتي الشكر لأنني لم اعترف، حيث كنت مسرورة بالامر في نفس الوقت جهشت نفسي بالبكاء لأني كدت أن اكون حليفة الشيطان خاضعة له مستسلمة في لحظة ضعف انتابتني ـ لجأت الى الله بالدعاء ان يوفقني في مواجهتهم.
(9)
…توجهت مع السجانية والجنود باتجاه مكتب التحقيق، واذا بالمحقق قد أعدّ لي استقبالاً غير المعتاد، أخذ يستقبلني بكل حرارة وتلهف عكس كل مرة تساءلت في نفسي (سترك يا رب، وجهه يتلألأ بالسرور، ما عساها تكون المعلومات هذه المرة وماذا حصل من جديد) باشرني بقوله اهلاً وسهلاً نورتي المكتب يا شيخة ام مهتدى تفضلي المحل مكانك تفاجأت… يناديني بإسمي وكنيتي المتعارفة بين الناس لربما هذه المعلومة جديدة ـ سترك يا رب. تفاديت هول المفاجأة وكأنه لم يحدث شيء أجبته عفواً، لا يصح يا استاذ تفادى الغلط انا اسمي ام مهتدي وليس ام مهتدى قال تفضلي شيختنا تفضلي، كان عايض موجوداً معه حيث كان يقف خلف المكتب أخذ ينظر الي باستهزاء كعادته وهو يقول:ـ ما شاء الله ما شاء الله أشوف (لسانها طويل، قال المحقق مو طويل وبس وبيحتاج قص اجاب عايض مهدداً بنظراته معبراً بإشاراته ـ أنا إن شاء الله اللي رايح أقصه بعون الله).
بعدها افتتح المحضر وبدأ المحق بالسؤال.
لماذا اخترت الدراسة في مدرسة العلوم الدينية، وانت تعلمين بأن هذه المدرسة وكر من اوكار منظمة الثورة فلماذا انضممت اليها؟
ـ لا علم لي بكل ما تقول فقد كان هميّ دراسة العلوم الدينية ولا دخل لي بكل ما تقوله.
بكونك طالبة من طالبات العوم الدينية اذن انت عضوة من اعضاء منظمة الثورة الإسلامية في الجزيرة العربية فلا تنكري ولدينا ما يثبت ذلك؟
ـ ان كل ما اقوله هو الصدق ولا علم لي بأية منظمة، وانا لست عضوة في منظمة الثورة، انا مجرد طالبة علوم دينية.
انت كذابة هل تعلمين؟ ومنافقة ودنيئة، انت منظمة وتأخذين دروس تنظيم، اعترفي ولا تكذبي والاّ سوف نتخذ معك اجراءات اخرى؟
ـ لا علم لي بأية دروس تنظيم وما أخذته من دروس قد ذكرته لكم.
لماذا تنكرين انك تأخذين دروس تنظيم، لا فائدة من ذلك فزميلتك إعترفت بأنكم تأخذون دروس تنظيم؟
ـ لربما هي اعترفت بأنها تأخذ دروس لكنني لا دخل لي بذلك ولا علم لي بأية دروس تنظيم.
نهض من مقعده وكان بيده أحد الأسلاك ذو قاعدة قوية يمتد منه سلكين من نوع سميك (اصطبغا باللون الوردي) وهو يتلاعب بين يديه وقد يريد تخويفي وبك استهزاء أخذ يقول تنكرين يا عالية.. ها.. وكان يلتزم الهدوء أخذ يلمحني بنظراته الوحشية ويردد تنكرين انك عضوة في منظمة الخراب والدمار ـ ها.. ها.. ها.. استدار الى الخلف قليلاً باتجاه المكتبة وبدورة سريعة ضرب ضربة قوية فوق الكتب صارخاً في وجهي.من الذي كان يعطيك دروس تنظيم؟ ومن الذي كان يغرس بذهنك افكار ثورية رسالية
__________________
وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) (المائدة:83)
|