عرض مشاركة مفردة
  #10  
قديم 17-05-2003, 11:34 PM
القوس القوس غير متصل
وما رميت إذ رميت
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2002
المشاركات: 2,350
إفتراضي

ـ وإذا بالنقيب ظافر قد اقبل بعد خروج عايض، وقف بجانب المكتب خلف المحقق حيث رحب به ترحيباً خاصاً بكونه في مكتبه، قال وهو يشير لي باصبعه ساخراً من تكون هذه؟
اجاب المحقق هذي الشيخة ام مهتدي، قال ظافر كيف حالك يا ام مهتدي؟ أجبته الحمد لله بخير، قال لقد أخطا اهلك حينما سموك باسمك عالية. كان من المفروض ان يسموك دنيئة، رديئة مو صحيح يا ردئية؟ فعالية اسم مبارك طاهر يأتي من السمو والعلو والمجد ولا ينطبق على واحدة من اشكالك.
لم أعره أي اهتمام.. فقد لزمت الصمت حينما أجبته من الأفضل ان تحترم نفسك نظر الي المحقق نظرة غضب قائلاً للنقيب ظافر هذه هي ام وائل طالبة العلوم الدينية، قال ظافر.. ما عليكم من هذه الحركات.. فحركاتهم مفهومة زين، دي بتعمل عليكم تقية، هذه التقية مو صحيح يا رديئة؟ استرسل في الضحك والاستهزاء وهو يردد التقية ديني ودين آبائي ما شاء الله ها.. ها.. ها.. كل شيء قالوا تقية، أي تقية أي خرابيط.
حضر الجندي ومعه الشاي والقهوة مقدماً ذلك للضيف، قال المحقق هل تريدين شاي.. اجبته بلا قال: ولماذا لا تريدين من عندنا شيء، اكيداً الاوباش في الخارج قالوا لك اذا دخلت مكتب التحقيق لا تشربي شيء ـ ها ـ قالها باستهزاء لا تخافي الشاي ليس به سم او به دواء يجعلك تدلي بكل ما عندك من معلومات او يجعلك تعترفي أجبته: رفضي للشاي لا يعني ذلك وانما لانني نويت الصيام.
قالها متعجباً.. صائمة!!!
نعم صائمة.
قال: ومن الذي امرك بالصيام، فالصيام هنا لا يتم إلا بأخذ اوامر.. مفهوم!! كلا ليس مفهوم فاذا كان الصوم عندكم بأوامر، إذن لا داعي لإداء الصلاة وحينما نريد اداء الصلاة ما علينا الا ان نطرق ابوابكم حتى تسمحوا لنا بذلك.
"هذا اللي ناقص" عجائب آخر زمان.
صرخ في وجهي تأدبي واحترمي نفسك واياك ان تصومي مرة أخرى بدون اذن وإلا ستنالين العقاب.
اجيبي على السؤال:ـ حيث هم ظافر بالخروج.
كيف تنكرين تعلمك درس تنظيم، وجميع تصرفاتك واساليبك وحتى تعاملك داخل السجن يدل على انك منظمة ومنظمة بشكل قوي يا كذابة، لا تواصلي حبل الكذب وها أنا احذرك فإنه سينقطع، فأرجو أن لا تنكري مرة أخرى ولدينا معلومات تثبت انك درست تنظيم؟
ـ تصرفاتي في داخل السجن طبيعية جداً كما يتصرف أي انسان سجين ولا ارى فيها أي خلل او خط، وانا لم ادرس تنظيم ولم آخذ أية دروس تنظيمية. هدأ بعد ما كانت اعصابه في حالة من الهيجان، وبعد ان اتعبهم اسلوب الاستفزاز والاستهزاء والسخرية، واذا بهم اليوم قد اعدوا اسلوباً آخر جديداً من نوعه اسلوب الترغيب والاغراء والميوعة، لعلي استسلم لهم واخضع لأوامرهم والبيّ ما يطلبونه ولكن هيهات من ذلك.
أخذ المحقق في تغيير نبرات صوته ويعمل على تمييع كلماته قائلاً يا ام مهتدي… أنت فتاة جيدة ولك مستقبل عظيم وسمعة ممتازة في البلاد فلا تفكري بأننا سنؤذي أحد بالمعلومات التي ستدلين بها الينا، فقط سوف تكون بيني وبينك، وانت الآن في راحة تامة تأكلين وتشربين واذا أعطيتنا معلومات سنوفر لك كل ما تطلبينه، سنجعلك تزورين زوجك الا تودي رؤيته؟ وسنجعل اهلك يزورونك في كل وقت وسوف تتناولان طعام الغذاء معاً انت وزوجك أنا اعلم أنت الآن مشتاقة لرؤيته وهو كذلك يريد مقابلتك فلقد اخبرني بذلك وانا رفضت طلبه، أخبرته اذا طلبت زوجتك ذلك نحن سنجعلكما تريا بعضكما… مسكين هو زوجك يريد الجلوس معك الا تلبين طلبه، والآن سوف نناديه ليجلس معك فما رأيك؟
في الحقيقة ليس لدي ما اقوله، وانا مستعدة لرؤية زوجي، ولكن ان تم ذلك فليس بإرادتكم، وانما اذا شاء الله سأراه، واذا لم يشأ فلم اراه وذلك لحكمة منه سبحانه وتعالى.
قال: الا تحسين، زوجك تعبان.. تعبان جداً ويتألم وبحاجة ماسة لرؤيتك..
اذا شاء الله سأراه.
انت لا تحبين زوجك ولو تحبينه لما صبرت دقيقة واحدة عن رؤيته وهو في امس الحاجة اليك؟
ـ هذا ليس من شأنك وسواء أحببته ام لا فهذه حياتنا لا دخل لك بها واذا شاء الله سأراه.
قال:. ولكن هذه ليست بارادة الله لأنها متوقفة عليك انت فماذا ترين؟
ـ ارى بأن ارادة الله فوق ارادتي واذا شاء الله سأراه.
صرخ في وجهي وهمّ يزجرني هذا كل ما عندك ما شاء الله وارادة الله لكل سؤال اذا شاء.. الله اذا شاء الله.
ـ أجبته بكل هدوء، نعم هذا كل ما لدي يا سبحان الله!!
كاد ان يهوي بيده فوق رأسي ولكن الله ستر، لم تستقر أعصابه لأنه فقد زمام أمره، كنت انظر اليه وهو يمسك حافة الطاولة بقوة ويضغط عليها بشدة كأنه يريد السيطرة على اعصابه.
واذا به قد تنهد بعمق واطلق زفيراً طويلاً وقال بصوت نهكه التعب يا ام مهتدي… قد أصابك اليأس من حالتك داخل الزنزانة فبين فترة واخرى يأتينا تلفون من قبل السجّانات بأن (عالية) تعبانة وتصرخ من رجلها، بحاجة الى دكتور… الى مستشفى… الى…… الى….
فالافضل لك ان تعترفي وتخلصي نفسك وتذهبي الى اهلك كي يسهروا على راحتك، ونستريح نحن من الازعاج بين لحظة واخرى فقولي الصدق واعترفي بالحقيقة!!!
كل ما لدي ذكرته، ولم يبق شيء الا واخذتموه مني ماذا تريدون أكثر من ذلك.
قولي الصدق..انا لا اكذب فكل اقوالي حقيقة.
قال:. أجيبينا يا عالية انت طالبة عاقلة، ولكن الاوباش الذين في الخارج سمّمّوك بأقوالهم، غسلوا دماغك فاعترفي وقولي الحقيقة والا ستجلسين طوال حياتك في السجن ويذوي جسمك داخل الزنزانة ولا أحد منا سيهتم بك أو يسأل عنك حتى تموتي، ولا تنسي سوف تسوء علاقاتك بالناس وسيأخذون عنك فكرة سيئة وهذا ليس من صالحكم..فتخيّلي اذا ادليت لنا بالمعلومات وقلت الحقيقة سوف تأخذ عنك الدولة فكرة جيدة وسنكتب عنك تقرير ونرفعه الى ولاة الأمر والمسؤولين وستكون سمعتك طيبة في البلاد… وهل هناك شخص تتاح له فرصة الشهرة والجاه ويرفضها؟ ستعطى لك أفضل وظيفة في المجتمع بعد خروجك من السجن وسنلبيّ لك كل ما تطلبينه، فقط كل ذلك مقابل قليل من المعلومات فقولي الصدق..
يا الهي. مسكت القلم بين اناملي والحيرة والتردد تحيط بي من كل جانب بدأ الشيطان يمارس دوره، وها هي النفس تتودد مع المغريات، واي إنسان في الأسر بحاجة لسماع مثل هذه الكلمات التي يتلذذ بها اللسان ويصغي لها السمع، وما أحوج الإنسان في وقت الضيق الاّ لكلمات لطيفة تخفف عنه وترضي مشاعره.
فالشيطان يأمرني بالاعتراف ولم يبق شيء الا وعلموا به فلماذا السكوت إذن؟ لماذا السكوت وبامكاني ان احصل على كل شيء من ملابس فخمة ومعيشة راقية والسفر الى كل مكان..
بدأ الضمير يستيقظ ويعي دوره…
انتبهي جيداً، تذكري الله، نعيمه أبدي بلا زوال، تذكري الخلود والجنان، جنات الله الواسعة، تذكري قوله تعالى {فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقَّهم نظرة وسروراً، وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً، متكيئن فيها على الارائك لا يرون فيها شمساً ولا زمهريراً، ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلاً، ويطاف عليهم بآنية من فضة واكواب كانت قواريراً، قوارير من فضة قدروها تقديراً، ويسقون فيها كاساً كان مزاجه زنجبيلا، عيناً فيها تسمى سلسبيلا، ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤاً منثوراً واذا رأيت ثم رأيت نعيماً وملكاً كبيراً، عاليهم ثياب سندس خضر واستبرق وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شراباً طهوراً، ان هذا كان لكم جزاءاً وكان سعيكم مشكوراً}. صدق الله العظيم (الإنسان 10 ـ 12).
واصل حديثه تذكري النار، أخذ يذكرني بعقاب الله وعذابه في الآخرة، جهنم وزفيرها وما فيها من عقارب وثعابين وما تشمئز منه نفس الإنسان وعاد الكرة مرة أخرى محذراً…
لا تهمك المغريات، اين الولاء، اين الانتماء، اين يكون الاخلاص؟ تذكرت بعض الابيات من احدى القصائد العريقة في ولاء ائمة اله البيت ـ عليهم السلام ـ
مو لجل دنيا ومال إحنا وياكم يشهد ماضي الجيال إحنا وياكم
نقسم يا حامي الحمى ذا وعد رب السما واحنا بروح الإسلام احنا وياكم
هنا الثبات، وهنا العهد، وهنا الصدق في الولاء، كانت هذه عبارة عن خواطر سريعة مرة في مخيلتي الهمتني عزيمة وقوة وثباتاً، وبدأ وقود الأيمان يشتعل داخلي، ازدادت ثقتي بنفسي وأخذت اواصل الصمود…
انا لا امتلك اية معلومات وقلت لكم الصدق وليس عندي ما اقوله ولا علم لي بأية اوباش في الخارج.
أكان يتحدث معي وهو يذرع الغرفة ذهاباً واياباً واذا به يقف في وجهي صارخاً بقوله.
للأسف الشديد أنت مصابة وعقلك ملوث بسبب الاوباش في الخارج غرّوك وخدعوك.. مسكنية.. ها.. قد غسلوا دماغك لكن اسمعي جيداً.. ازداد غضبه وبدأ يتوعّد قائلاً: ليكن في بالك اذا خدعوك بكلماتهم البراقة وقالوا لك بأن السجن صمود، صبر، تضحية، فلا تنسي أننا نحن تربية دولة ولن تستطيعي الخروج من هذا المكان إلا بعد ان نأخذ من دماغك كل شيء يا حيوانة، فقولي ما تعرفينه عن التنظيم وبالذات منظمة الثورة وإلا سوف نضطر لاستخدام اساليب اخرى ليست في صالحك، فلا تحاولي الانكار، من اعضاء منظمة الثورة وماذا لقّنوك من دروس؟
لا علاقة لي بأي تنظيم ولا اعرف شيء عن منظمة الثورة ولم أتلق أية دروس تنظيمية.
كذابة، انت تدعي انك طالبة علوم دينية فقط ولا دخل لك بالتنظيم اذن ماذا يعني انضامك لمدرسة العلوم الدينية وهي وكر للخراب والدمار؟
ـ لا علم لي بذلك فوجودي خارج المملكة لدراسة العلوم الدينية وامثل طالبة داخل المدرسة: لا دخل لي بأي شيء آخر.
لا اصدقك، انت كذابة، اذكري من الذي يعطيك الدروس التنظيمية فمدرستك المختصة بك الم تعطيك توجيهات معينة اذكريها؟ ما هي نوعيتها؟
ـ أكرر لم اخذ أية دروس، ومدرستي لم تعطني أية توجيهات ـ
ما هي اذن التوجيهات التي تتلقينها من معلمتك اثناء نزولك البلاد؟
ـ كانت عبارة عن توجيهات عادية.. حول تحمل المسؤولية، احترام الناس، تبليغ ما أخذته للناس من دروس فقهية..
ما هي التوجيهات التي اعطيت لك من قبل مسؤولين مدرسة العلوم الدينية للقيام بالعمل بها داخل البلاد؟
ـ لم أتلق أية معلومات أو توجيهات من أحد.
ما هي الوصايا الخاصة التي غرست بدماغك كي تقومي بتنفيذها في البلاد؟ وما هي الاعمال التي كلفت بها؟
ـ كلفت بعدة اشياء، زيارة الاقارب، احترام الوالدين، احترام الناس، الالتزام بالاخلاق الحميدة والآداب الإسلامية، المشاركة في المناسبات الدينية، زيارة القبور، هذه هي الاعمال التي قمت بها في البلاد.
واذا بالباب يطرق ـ
فوراً دخل النقيب (عايض) وفي يده فنجان من الشاي قائلاً.. كيف حالك؟
اجبته بخير والحمد لله ـ
اتجه خلف المحقق وأخذ يقرأ ما دونه في الملف وهو يحمل الفنجان بيد ويده الأخرى متكئة على مقعد المحقق قال عايض:ـ انشاء الله متجاوبة مع التحقيق.
ـ وهل هذا يهمك.
نظر الي المحقق بنظرة حادة (وهذه إشارة منه لي بعدم الكلام لأنه أخذ يشتمني في المرة السابقة لردي على الاهانة التي وجهها النقيب ظافر بقوله احترمي ضيوفي في مكتبي، اجبته لن يكون هذا الا إذا احترموا أنفسهم ولم أعطيه أي اهتمام).
قال عايض:. يبدو بعدك لم تتأدبِ، لكن السجن سوف يربيك ويصنع منك انسانة عاقلة.
احسنت وبارك الله فيك واذا كان لديك كلام آخر فالإفضل ان توفره لنفسك هنا أحس بالاحراج، فازدادت عصبيته وحماقتة قائلاً: زين لسانك الطويل هذا رايح ينقص على يدي يا قليلة الادب.
__________________
وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) (المائدة:83)