عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 20-05-2003, 11:12 AM
أمير المعالي أمير المعالي غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2002
المشاركات: 4
إفتراضي

و في الأحداث الأخيرة ، ونتيجة لكرهنا لأمريكا ومن حالفها ، وافتضاح غطرستها وجبروتها في تبجح مهين ، كان الجميع يأمل أن تكسر شوكتهم في بلاد الخلافة ـ العراق ـ تحقيقا لـقول تعالى : ( وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ) وهذا حق .

لكن الله تعالى جعل الكون وحركته وسننه تنطلق من أسس وقيم ربانية ، عند تمامها والحرص على دقة هذا التمام فيها ، يكون الزرع طيبا مباركا فيه ، وكما قال تعالى : ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) وما النصر إلا إمامة للناس ، وتمكين لدين الله تعالى ، فلن يكون إلا بتمام .

في حرب استعمار العراق ، ظهر للناس وكأن النظام العراقي نظام شهم يدافع عن دينه وعرضه وأرضه ، وربما تناسى الكثير منا من هو النظام العراقي ، بل في غمرة الأحداث هناك من تعامل مع ظلمه وكأنه توبة في وقت الحدث ، وبرر له تحوله إلى الخطاب الديني ، بأن الله يقبل التوبة ، وكأن التوبة هي فقط كلمات تلاك للاستهلاك الإعلامي فقط ، الأمر الذي جعل حافزية الناس وأشواقهم تصل لمستويات عالية ـ وهو أمر مفبرك ـ كي تكون النتيجة عالية في السقوط ، وهذا ما حدث منا .

إن قابلية التأثر اللاواعي هذه ، هو أول خطوات النصر في محيطنا وفي ذواتنا ، يكفي هذا الأمة أن يلعب بها رعاع الناس من ولاة أمرها اليوم ، ففي الوقت الذي رأى كل العالم كيفية سقوط بغداد ، الذي يعني فيما يعني ، سقوط المبادئ القومية والمنحرفة التي قبعت على صدر الأمة المباركة . إن هذا السقوط لهو أحد بوارق النصر ، برغم كونها سقطت منذ مدة ، لكن سقوطها اليوم عزز السقوط القديم ، الذي بدأ مع الصحوة المباركة في هذه الأمة ، ومع الانتفاضة العالية أدامها الله ، بالرغم من هذا ، نجد اليوم في أقصى البلاد العربية من يعتقل العلماء الذين أفتوا بحرمة التعامل مع اليهود ، ونجد في جنوب بلادنا من يزور الانتخابات ليفوز حزبه ، ويقفل الطريق على الدعاة ، ونجد في قلب أمتنا رئيسا يرسل ببرقية تهنئة لرئيس اليهود بمناسبة قيام دولتهم على أرض فلسطين الحبيبة ، وقبل ذلك ، رأينا كيف حوصر رئيسا في مقره ، وبدأت الكلمات الحماسية الإسلامية تخرج منه ، كأنه أحد كبار الدعاة ، بل والمجاهدين ؛ يصرخ طالبا الشهادة في سبيل الله ! ، ورأينا التعاطف الكبير معه ، والتأثر بكلماته !.

إن الدعاء والقنوت والتوسل والتضرع إلى الله تعالى لهو سلاح المؤمن ، المؤمن الواعي المتحرك ، والمدرك لحركة التاريخ والحياة ، يطلق دائما أسهم دعائه المبارك في أناء الليل وأطراف النهار كي يكون على صلة برب هذا الكون ، يعرض بين يديه عجزه المطلق ، وتجرده من الحول والقوة إلا به سبحانه وتعالى ، وفي ذات الوقت يكون عاملا بجهده الواعي ، وعلمه المتين ، وخلقه الرفيع ، وثباته الراسخ .

معتمده في الأمرين على حد سواء ؛ أسس ربانية تلمس قلبه وروحه ، وتزيد من يقينه وثقته بوعد الله تعالى :

• ( الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة، وأولئك هم المهتدون ) . فالرجوع وفقهه هو أول الخطوات بعد المصيبة ، كي يكون الله معنا ، بصلواته سبحانه ، ورحمته الوافرة ، فيكون ثمَ الاهتداء .

• ( إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ) . الوعي " بفقه التداول الرباني " يحمل في معانيه معرفة سنة الله فيه ، من خلال العلم بهذا التداول ، وأسبابه ، ونتائجه ، بقوة المؤمن القوي ، فتكون الشهادة عن وعي عالي ، و إلا فهو الظلم الذي لا يحبه الله عز وجل .

• ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ) . هي سنة أخرى من سنن الله تعالى ، حدثت فيمن قبلنا ! ، ببأس وضرر ، بل وزلزال ، قال القرطبي ( والزلزلة : شدة التحريك ، تكون في الأشخاص وفي الأحوال ، فمعنى " زلزلوا " خوفوا وحركوا . والزلازل : الشدائد ) هي حالة نفسية من هذا الزلزال وهذه الشدائد كبيرة جدا ، لكنها معلومة في سنن الله تعالى علاجها ، الثبات على المنهج ، والوعي بالواقع ، والصبر ، والدعاء ، والإلحاح على الله تعالى .

• ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) . وهذه الأحداث والشدائد والزلازل ، والجموع الكبيرة من الأعداء ؛ سبب في زيادة ثقة الناس بهذا الدين ، والعود له من جديد ، بخشية من الله وحده ، وتمسك به ، وإسقاط كل الأصنام الفكرية والحسية التي تظهر في الأمة في صور شتى ، واعتماد الله الوكيل الوحيد لنا ، وهدر ما سواه من الأشخاص و الأفكار . عندها يكون النداء الرباني حاضرا : ( فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ). فتنقلب كل تلك الزلازل إلى فضل من الله ونِعم ، وما ثمة سوء يصيب المؤمن مهما كُبر ، بشرط إتباع رضوان الله ، والله فضله واسع ، عليم بما يجري . ذلك بأنه : ( وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ) .

وفي سيرة النبي صلى الله عليه وسلم يروي أهل السيرة :

( فلما كان من الغد يوم الأحد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج في إثر العدو وعهد أن لا يخرج معه إلا من حضر المعركة فاستأذنه جابر بن عبد الله في أن يفسح له في الخروج معه ففعل وكان أبوه عبد الله بن عمرو بن حرام ممن استشهد يوم أحد في المعركة فخرج المسلمون على ما بهم من الجهد والقرح وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مرهبا للعدو حتى بلغ موضعا يدعى حمراء الأسد على رأس ثمانية أميال من المدينة فأقام به يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء ثم رجع إلى المدينة قال ابن إسحق وإنما خرج بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مرهبا للعدو وليظنوا أن بهم قوة وأن الذي أصابهم لم يوهنهم عن عدوهم وكان معبد بن أبي معبد الخزاعي قد رأى خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين إلى حمراء الأسد ولقي أبا سفيان وكفار قريش بالروحاء فأخبرهم بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبهم ففت ذلك في أعضاد قريش وقد كانوا أرادوا الرجوع إلى المدينة فكسرهم خروجه صلى الله عليه وسلم فتمادوا إلى مكة وظفر رسول الله صلى الله عليه وسلم في خروجه بمعاوية بن المغيرة بن العاص بن أمية فأمر بضرب عنقه صبرا وهو والد عائشة أم عبد الملك بن مروان . )

وقعت هذه الغزوة بعد يوم من يوم أحد ! ، وسميت " حمراء الأسد " ، ولندقق كيف كانت استجابة الصحابة الكرام ، رغم الجراح التي نالت من وجه النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم ، ونالت من أفضل صحابته الكرام .

حين نعي ـ كله ـ بهذا بعمق ، يكون الإيمان فينا راسخا مثل الجبال لأن الله معنا ، ولم نعتمد على نصرنا على طغاة أو ظلمة أو منحرفين عن الطريق السوي ، بذا فقط ، فقط ، فقط .

يكون لدعائنا استجابته الحمراء .
__________________
<center>

نحن لا نرضى بنار الغســـــق *** نحن لا نرضى بنور الشفـــــــق

نحن لا نرضى بنجم الصبح لاح *** لا و لا نرضى تباشير الصباح

نحن لا نرضى نجوما لامعـــة *** أنما نبغي شموسا طالعــــــــــة



</center>