عرض مشاركة مفردة
  #7  
قديم 24-05-2003, 09:35 AM
البتار اليمني البتار اليمني غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2003
المشاركات: 7
إفتراضي

قال ابن قيم الجوزية رحمه الله:

(( وإذا تدبرت الشريعة وجدتها قد أتت بسد الذرائع إلى المحرمات ، وذلك عكس باب الحيل الموصلة إليها . فالحيل وسائل وأبواب إلى المحرمات ، وسد الذرانع عكس ذلك . فبين البابين أعظم تناقض ، والشارع حرم الذرائع ، وإن لم يقصد بها المحرم ، لإفضائها إليه . فكيف إذا قصد بها المحرم نفسه ؟ .
فنهى الله تعالى عن سب آلهة المشركين ، لكونه ذريعة إلى أن يسبوا الله سبحانه وتعالى عدوا وكفرا ، على وجه المقابلة .
وأخبر النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أن : " من اكبر الكبائر شتم الرجل والديه . قالوا : وهل يشتم الرجل والديه ؟ قال : نعم ، يسب أبا الرجل ، فيسب أباه . ويسب أمه فيسب أمه " .
ولما جاءت صفية رضي الله تعالى عنها تزوره صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ، وهو معتكف قام معها ، ليوصلها إلى بيتها ، فرآهما رجلان من الأنصار فقال : " على رسلكما ، إنها صفية بنت حيي . فقالا : سبحان الله ! يا رسول الله . فقال : إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم . وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرا " .
فسد الذريعة إلى ظنهما السوء بإعلامهما أنها صفية .
وأمسك صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عن قتل المنافقين ، مع ما فيه من المصلحة ، لكونة ذريعة إلى التنفير ، وقول الناس ؟ إن محمدا يقتل أصحابه .
وحرم القطرة من الخمر، وإن لم تحمل بها مفسدة الكثير، لكون قليلها ذريعة إلى شرب كثيرها .
وحرم إمساكها للتخليل ، وجعلها نجسة ، لئلا تفضي مقاربتها بوجه من الوجوه إلى شربها .
ونهى عن الخليطين وعن شرب العصير والنبيذ بعد ثلاث ، وعن الانتباذ في الأوعية التي لا يعلم بتخمير النبيذ فيها . حسما للمادة ، وسدا للذريعة .
وحرم الخلوة بالمرأة الأجنبية ، والسفر بها ، والنظر إليها لغير حاجة . حسما للمادة وسدا للذريعة.
ومنع النساء إذا خرجن إلى المسجد من الطيب والبخور .
ومنعهن من التسبيح في الصلاة لنائبة تنوب . بل جعل لهن التصفيق .
ومنع المعتدة من الوفاة من الزينة والطيب والحلي .
ومنع الرجل من التصريح بخطبتها في العدة ، وإن كان إنما يعقد النكاح بعد اتقضائها .
ونهى المرأة أن تصف لزوجها امرأة غيرها ، حتى كأنه ينظر إليها .
ونهى عن بناء المساجد على القبور، ولعن فاعله .
ونهى عن تعلية القبور وتشريفها وأمر بتسويتها .
ونهى عن البناء عليها وتجصيصها ، والكتابة عليها ، والصلاة إليها وعندها ، وإيقاد المصابيح عليها . كل ذلك سدا لذريعة اتخاذها أوثانا . وهذا كله حرام على من قصده ومن لم يقصده ، بل على من قصد خلافه ، سدا للذريعة .
ونهى عن الصلاة عند طلوع الشمس ، وعند غروبها ، لكون هذين الوقتين وقت سجود الكفار للشمس . ففي الصلاة نوع تشبه بهم في الظاهر . وذلك ذريعة إلى الموافقة والمشابهة في الباطن ، وكذلك النهي عن الصلاة بعد العصر ، وبعد الفجر ، وإن لم يحضر وقت سجود الكفار للشمس ، مبالغة في هذا المقصود ، وحماية لجانب التوحيد ، وسدا لذريعة الشرك بكل ممكن .
ومنع من التفرق في الصرف قبل التقابض ، وكذلك الربوى إذا بيع بربوى آخر ، من غير جنسه ، سدا لذريعة النساء ، الذي هو صلب الربا ومعظمه ، بل من منع بيع الدرهم بالدرهمين نقدا ، سدا لذريعة ربا النساء ، كما علل صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بذلك في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه ، وهذا أحسن العلل في تحريم ربا الفضل .
وحرم الجمع بين السلف والبيع ، لما فيه من الذريعة إلى الربح في السلف ، بأخذ أكثر مما أعطى ، والتوسل إلى ذلك بالبيع أو الإجازة ، كما هو الواقع .
ومنع البائع أن يشتري السلعة من مشتريها بأقل مما اشتراها به ، وهي مسألة العينة ، وإن لم يقصد الربا ، لكونه وسيلة ظاهرة واقعة إلى بيع خمسة عشرنسيئة بعشرة نقدا .
وحرم جمع الشرطين في البيع ، لكونه وسيلة إلى ذلك ، وهو منطبق على مسالة العينة .
ومنع من القرض الذي يجر النفع ، وجعله ربا .
ومنع المقرض من قبول هدية المقترض ، ما لم يكن بينهما عادة جارية بذلك قبل القرض . ففي سنن ابن ماجه عن يحيى بن أبي إسحاق الهنائي . قال : سألت أنس بن مالك : الرجل منا يقرض أخاه المال ، فيهدي إليه ؟ فقال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم :" إذا أقرض أحدكم قرضا فاهدى إليه ، أو حمله على الدابة فلا يركبنها ، ولا يقبله إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك " .
وروى البخاري في تاريخه عن يزيد بن أبي يحيى الهنائي عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : " إذا أقرض أحدكم فلا يأخذ هدية " .
وفي صحيح البخاري عن أبي بردة عن أبي موسى قال : قدمت المدينة فلقيت عبدالله ابن سلام فقال لي : إنك بأرض الربا فيها فاش ، فإذا كان لك على رجل حق فأهدى إليك حمل تبن ، أو حمل شعير ، أو حمل قت ، فلا تأخذه ، فإنه ربا .
وروى سعيد بن منصورفي سننه هذا المعنى عن أبي بن كعب .
وجاء عن ابن مسعود ، وعبدالله بن عباس ، وعبدالله بن عمرو، ونحوه .
وكل ذلك سدا لذريعة أخذ الزيادة في القرض ، الذي موجبه رد المثل .
ونهى عن بيع الكالىء بالكالىء ، وهو الدين المؤخر بالدين المؤخر، لأنه ذريعة إلى ربا النسيئة ، فلو كان الدينان حالين ، لم يمتنع ، لأنهما يسقطان جميما من ذمتيهما ، وفي الصورة المنهى عنه : ذريعة إلى تضاعف الدين في ذمة كل واحد منهما في مقابلة تأجيله . وهذه مفسدة ربا النساء بعينها .
ونهى الله سبحانه النساء أن " يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن " فلما كان الضرب بالرجل ذريعة إلى ظهور صوت الخلخال ، الذي هو ذريعة إلى ميل الرجال إليهن نهاهن عنه .
وأمر الله سبحانه الرجال بغض أبصارهم ، لما كان النظر ذريعة إلى الميل والمحبة التي هي ذريعة إلى مواقعة المحظور.
وحرم التجارة في الخمر ، وإن كان إنما يبيعها من كافر يستحل شربها ، فإن التجارة فيها ذريعة إلى اقتنائها وشربها ، ولهذا لما نزلت الآيات في تحريم الربا قرأها عليهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ، وقرن بها تحريم التجارة في الخمر ، فإن الربا ذريعة إلى إفساد الأموال . والخمر ذريعة إلى إفساد العقول . فجمع بين تحريم التجارة في هذا وهذا .
ونهى عن استقبال رمضان بيوم أو يومين ، لئلا يتخذ ذريعة إلى الزيادة في الصوم الواجب ، كما فعل أهل الكتاب .
ونهى عن التشبه بأهل الكتاب وغيرهم من الكفار في مواضع كثيرة . لأن المشابهة الظاهرة ذريعة إلى الموافقة الباطنة . فإنه إذا أشبه الهدى الهدى أشبه القلب القلب . وقد قال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : " خالف هدينا هدى الكقار" وفي المسند مرفوعا : " من تشبه بقوم فهو منهم " .
وحرم الجمع بين المرأة وعمتها ، وبين المرأة وخالتها ، لكونه ذريعة إلى قطيعة الرحم . وبهذه العلة بعينها علل رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فقال : إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم .
وأمر بالتسوية بين الأولاد في العطية ، وأخبرأن تخصيص بعضهم بها جور لا يصلح ، ولا تنبغي الشهادة عليه . وأمر فاعله برده ، ووعظه وأمره بتقوى الله تعالى ، وأمره بالعدل ، لكون ذلك ذريعة ظاهرة قريبة جدا إلى وقوع العداوة بين الأولاد وقطيعة الرحم بينهم ، كما هو المشاهد عيانا . فلو لم تأت السنة الصحيحة الصريحة التي لا معارض لها بالمنع منه ، لكان القياس وأصول الشريعة ، وما تضمنته من المصالح ودرء المفاسد يقتضي تحريمه .
ومنع من نكاح الأمة ، لكونه ذريعة ظاهرة إلى استرقاق ولده . ثم جوز وطأها بملك اليمين ، لزوال هذه المفسدة .
ومنع من تجاوز أربع زوجات ، لكونه ذريعة ظاهرة إلى الجور ، وعدم العدل بينهن ، وقصر الرجال على الأربع ، فسحة لهم في التخلص من الزنا ، وإن وقع منهم بعض الجور فاحتماله أقل مفسدة من مفسدة الزنا .
ومنع من عقد النكاح فى حال العدة وحال الإحرام ، وإن تأخر الدخول إلى ما بعد انقضائها ، وحصول الحل . لكون العقد ذريعة إلى الوطء ، والنفوس لا تصبر غالبا مع قوة الداعي .))


(إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان > فصل في تحريم الشريعة للذرائع)



__________________
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

" فمـن عمـل عملا لم يعلم أنه مشــروع فقد تذرع إلى بدعة وإن كان ذلك العمل تبيـن فيمـا بعد أنه مشـروع، وكذلـك من قال في الديــن قولا بلا دليل شرعي فإنه تـذرع إلى البـدعة وإن تبيـن له فيما بعـد موافقتـه للسنـة "
(درء تعارض العقل والنقـل)
__________________
لااله الا الله محمد رسول الله