إنها (ماري أنطوانيت) ، التي تطالب الجائعين ، الذين يتظاهرون من أجل الخبز .. أن يأكلوا (بسكويت) .. أوهي (أبلا نورة) .. التي تطالب الجوعى والعراة .. أن لا يشتروا من (مكس) ، أو (نكست) ، أو (فرساتشي) ..
كيف لا تقرأ (أبلا نورة) هذا الوجع والبؤس .. الساكن في كل قسمة من قسمات تلك الوجوه ، وهي تصافح عينيها كل صباح .. كيـف تستطيـع أن تعيش في عالمين منفصلين ..؟
كيف يصنع الترف كل هذه الحجب الغليظة من البلادة .. واللامبالاة بمعاناة الآخر .. ووجعه .. وبؤسه ..؟
كيف يهوي الانسان (في داخلنا) إلى تلك الاعماق السحيقة ، فلا يسمع منه زفرة ألم .. ولا يتسلل من تلك اللجة الجليدية .. شئ من مشاعر .. صرخة واهية ..
تجاه الحرمان الذي :
يخنق أحلام الصبايا ..
يغتال الفرحة في عيون الأطفال ..
ويقتل الكبرياء في جباه الرجال ...؟
،
،
لست وحدك ..
هناك ألافا مثلك .. وألافا مثل نورة ..
حينما استقريت على المعقد ، بتلك الحالة المتوترة ، تطلب الأمر مني وقتا ، لأخرج المفتاح من جيبي .. ولاحظت ذلك ..
عندما بدأت أدير المفتاح ، لتشغيل السيارة ، صدحت اغنية من (الراديو) ، الذي يبدو أنها قد عبثت به أثناء غيابي ..
كان المغني يردد :
"زمانك لو صفا لك يوم ... زمانك ما صفا لك دوم
وعينك لو أهتنت بالنوم ... ترى الأيام دواره
ترى الايام دواره .."
للحظـة .. استسلمت لكلمات الأغنية ، التي فتقت جرحا جديدا .. ثم أقفلت الراديو .. بانفعال . قالت ، وكأنها تريد أن تخفف من حدة التوتر ، الذي لاحظته على ، حينما عدت :
- الاغنية كلماتها حلوة .. صح ..؟
لم أرد عليها ....
- ما تسمع أغاني ..؟
- لا ..
- حرام ..؟
- نعم ..
- أنت كنت تسمع قبل (شوي) ..
- أنت تحققين معي ..؟
- أنت زعلان .. أنا سألتك .. لأن فيه معلمة عندنا تقول ، الذي يسمع أغاني كافر ..
- لا .. ليس كفر .. لكن حرام ..
- ما فهمت ..
- سماع الأغاني معصية .. ويفسد الأخلاق .. وأنت ما أفسدك إلا سماع الأغاني .
- يعني أنا فاسدة ..؟
،
،
،
- هذا الذي قمت به .. ماذا تسمينه ..؟
- ......
ران الصمت بيننا ..
بدأ الندم يأكل نفسي .. لقد هدمت كل ما بنيت هذا الصباح .. بلحظة غضب .
أشعر أني انتقم لنفسي منها .. أن تورطت بها ..
أضاعت وقتي .. وأوقعتني في حيرة .. وحملتني مسئولية الحفاظ عليها .. أنا الذي لم أعش إلا لنفسي فقط .. وتحاشيت كثيرا أن أصيخ سمعي لوجع الناس .. أو أجرح ناظري بمشاهد البؤس والحرمان ..
مازالت الذاكرة تكويني ، باسترجاع تلك المناظر التي رأيتها .. وبتذكر ذلك الأنين .. الذي اجتاح هدوئي ، في (مغامرتي) اليتيمه في حي (الأمل) مع عبدالكريم ..
كيف أريد علاجها ، وأنا قد شرعت بإدانتها .. وتجريمها ..؟
قلت ، بعد أن أستعدت هدوئي ، وبلهجة بالغت بأن أشعرها من خلالها بالمحبة والحنان :
- موضي حبيبتي .. أليس هذا الذي فعلتيه خطأ ..؟
- صح .. لكن خلني أسألك سؤال .. أعطني فرصة .. أقول لك شيء ..
- أنا الذي أريد أن أسألك سؤالا ..
.. من هو الشخص الذي كنت معه الصباح ..؟
- لا أعرفه ..
- تركبين مع شخص لا تعرفينه ..؟
- والله العظيم لا أعرفه .. أصل الموضوع .. البندري ..
وأخذت تبكي .. وتوقفت عن الكلام ..
- تكلمي يا موضي .. أرجوك ..
- "أنا شفت إكسسوارات حلوة على زميلتي البندري .. أعجبتني ..
قالت لي : أعجبتك ..؟ قلت لها نعم .. قالت قولي لأبوك يشتري لك مثلها .."
هي تعرف أن الوالد غير موجود .. لكنها ..
وانخرطت بنوبة بكاء أشد مما سبق ..
تركتها حتى سكنت ، وأنا أكثر فضولا لمعرفة التفاصيل .
،
،
يتبع
|