يؤسفني ان تصل السخرية بمشاعر الأنسان الى هذا الحد الذي ابداه البعض في كتاباته ..
------
البشر أصناف في مواجهة التعاسة بل نقل بشكل أوسع الهموم ..
منهم من لا يحس بهموم الحياة .. لأنه لا يشغل نفسه أصلا بالتفكير فيما لا يبتعد عن نطاق حياته .. وحياة من حوله .. فهو يعيش الحياة يوما بيوم .. وساعة بساعة .قد يستمتع بهذا اليوم الذي يعيشه وقد لا يستمتع .. ولكنه على كل حال فارغ البال من أي مشكلة غير يومية ولا تدور في مجال معيشته أو تفكيره اليومي.
هؤلاء رغم أنهم مرتاحون من حمل المشاكل والهموم .. لا يشعرون بالحياة ولا يعيشونها .. لأنهم فارغون من الأفكار والمشاعر .. وما قيمة الحياة بدون فكر وحس ؟؟..
وهناك الذين تركبهم الهواجس والهموم لكل أمر مهما تفُهَ شأنه .. هؤلاء غالبا يشغلون أنفسهم بأمورهم الشخصيّة لدرجة أنَّهم لا يعرفون عن تعاسة غيرهم من البشر .. ولا يهمهم إن عرفوا .. يظنون أنَّ العالم خلق من أجلهم ولهم وحدهم ..
هم نوعية سيئة وأنانية من البشر ...
وهناك من يحملون أثقال العالم كلها دون داعٍ ولا تكليف ...
هؤلاء مشاكلهم تخرج عن نطاق حياتهم وتتجاوزها إلى نطاق الهم البشري كلُّه ...
تشغلهم أمور الحياة كلها .. وما بعدها .. وما وراءها .. وما يدور في الحياة نفسها من أفكار ومشاغل وأحداث .. تكربهم الحروب .. وترعبهم المجاعات .. ويهولهم ما تعانيه البشرية في كل مكان .. ويفزعهم ويهز مشاعرهم الألم الإنساني كله ..
هم صنف نادر من البشر .. إنسانيون أكثر من اللازم .. ولذا فإنهم يتحملون الكثير .. ويعانون أكثر مما يعاني غيرهم ..
و غالبا ما يظهر بينهم العظماء والمبدعون .. وهم بطبيعتهم مجبولون على الألم .. يعانون بشدة .. ويحترقون .. ويألمون أكثر مما يتألم الآخرون .. نفوسٌ حساسة .. وأرواحٌ محلقة .. ومشاعر متوهجة ..
ولكنهم لا يقضون حياتهم في الشكوى والبكاء والتوجع ..
إنهم ينكفئون على ذواتهم فيستخرجون أجمل ما فيها .. ينقبون عن مصادر الألم ويخرجونه شعرا وأدبا وفنا .. فيخف الألم بداخلهم .. وتشعُّ ذواتهم بالصفاء وبالهدوء .
ولنعد إلى الهاربين من ذواتهم .. وما أكثرهم ...!!
إنَّ التفكير في الحياة ومشاكلها الكثيرة أمر متعب .. ولكن الهروب من المشاكل وتركها تتراكم هو أمر أكثر إرهاقا ومشقَّـة .. فلم يهرب الناس من مشاكلهم ..؟؟؟
البعض يهرب من ذاته ومن مشاعره المتعبة والحزينة وذكرياته المؤلمة ...
ولكنَّ الهروب من الذات ومحاولة العيش بعيدا خارجها يجلب للإنسان التعاسة .. كلّ التعاسة ...
فمالم تكن سعيدا أيهـا الإنسان مع ذاتك .. متوائما معها ، فإنك لن تشعر بطعم الهناء والراحة مهما فعلت وحيثما توجَّهت..
إن بداخل النفس الإنسانية ينابيعا متدفقَّـة بالعطاء و بالخير والجمال .. تحتاج فقط إلى من يكتشفها ويتمتع بوجودها ويمتع بها الآخرين من حوله ...
فلمَ نبقيها بداخلنا...؟..
لمَ لا نبحث عن مواطن الجمال والخير ونخرجها وننشرها حولنا ؟..
يكفي أن نلتفت إلى الداخل بدلا من التحديق المستمر في الخارج .. هذا سيجعلنا نتعرف على أنفسنا تماما .. نعرفها جيدا .. ونتعايش معها كما هي .. نكتشف نبتة الخير والعطاء بداخلها .. ونستخرج منها الجواهر المخبوءة .. ونستغلها ..
وسنجد أنه يكفينا أن نتعرف عليها ونغوص بداخلها لنشعر بالأمان وبالإكتفاء الداخلي ...
فمالم نعش ذواتنا الحقيقيَّة ونفهمها فإننا لن نشعر بطعم الحياة الحقيقي ...
كثير من سكان كوكبنا هذا يعيشون ويموتون دون أن يشعروا بنبض الحياة بدواخلهم .. يعيشون وكأنهم ما عاشوا .. ولا سكنوا هذا الكون مع من سكنه .. لماذا ؟... لأنهم ببساطة شديدة جهلوا أنفسهم .. أقرب شيءٍ إليهم ..
إنَّ الولوج إلى أعماق الذات يحتاج جرأةً وجهدا .. فالذات لا تفتح أبوابها إلا لمن يملك مفاتيحها ...
ومفاتيحها هي الصبر .. الشجاعة .. التأمل .. التأمل الواسع والعميق.
وإذا نجح المرء في الوصول إلى ذاته .. صار قريبا منها . ..تصبح لديه القدرة على التواءم مع الحياة كلها .. وتضيء مشاعل الحياة بداخله .
كن صديقا لنفسك .. لا تعاديها .. لا تقهرها أو تحاربها ..
فليس من الفطنة أبدا قهر الذات ولا محاربتها ومعاداتها .. فمن عادى نفسه كره العالم كله ..
وليس من الحكمة تجاهل مطالب النفس ورغباتها .. بحجة التغلب على طمع النفس الإنسانية والسمو بها ...
هذا خطأ شنيع .. شنيعٌ جدا .. فبالإقتراب من ذاتـك تجد أنك صرت أكثر قدرة على التفاهم معها وترويض مطالبها .. وعلى إشاعة الإستقرار والسكينة بداخلها ..
الذات الإنسانيَّة ليست من النوع الذي لا يشبع ولا يقنع كما يرى البعض .. إنها فقط تحتاج إلى الشعور بالإكتفاء .. والقدرة على التحكم والإختيار ..
.وهذا يتحقق من خلال إيجاد وسيلة التعبير الصحيحة لإثبات قدراتها وتحديد مطالبها .
ونصيحة إلى من يفتقـدون الشعور بالراحة وبالأمان الداخلي ..
جربوا الدخول إلى ذواتكم .. إلى عوالمكم الخفية التي لا يصل إليها أحد غيركم ...
جربوا الإستمتاع بلحظات التأمل الداخلي العميق والواعي .. والتعود على التأمل الخارجي بمساعدة ذواتكم ..
جربوا ... وستجدون أنكم امتلكتم أثمن شيءٍ في الحياة ... الحكمة التي هي صعبة المنال .. ووصلتم إلى ساحل الأمان الذي ينقذكم من الخوف والقلق والتمزق النفسي ..
ومع الإستغراق في فحص الذات وتأمل الحياة والأحداث لا ننسى قيمة الإيمان وضرورته لهدوء النفس وراحتها .....
الإيمان بالله تعالى وبقدراته الكاملة على العناية بنا وتدبيره لأمورنا وتيسيره لحاجاتنا .. كم هو مهم لنا ..
فمن يقدر على مساعدة النفوس المتعبة والمرهقة سوى خالقها وموجدهـا العظيم ؟؟ ..
بمعونة هذا الخالق العظيم الرحيم نصبح أقوى وأشد في مواجهة آلام الحياة ومصاعبها ..
هناك تمرينات عديدة للتحكم في النفس ولتطويع العقل الباطن على الإستجابة لما يبعثه العقل الواعي له من أوامر وتعليمات .. وهي مفيدة وناجعة في ترويض النفس المضطربة والقلقة .. وتطويرها ..وتعديل استجاباتها للمؤثرات الخارجية ..
يجدها من يريد في الكتب المتخصصة.. أو في دورات مكثفة بإشراف متخصصين في هذه المجالات .
أرق التحايا