عرض مشاركة مفردة
  #4  
قديم 09-06-2003, 02:23 AM
المناصر المناصر غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
المشاركات: 396
إفتراضي مواصلة للموضوع..

وقد لخصت الموسوعة الفقهية هذه المسألة في السطور الآتية:

مُدَّةُ الْهُدْنَةِ:
يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ الإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَجُوزُ مُوَادَعَةُ أَهْلِ الْحَرْبِ عَشْرَ سِنِينَ، كَمَا "وَادَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَهْلَ مَكَّةَ".

وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ دُونَ تَحْدِيدٍ، مَا دَامَتْ مَصْلَحَةُ الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ، أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ مَصْلَحَةُ الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ فَلاَ يَجُوزُ، لقوله تعالى: (( فَلاَ تَهِنُوا وَتَدْعُوا إلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ )).

وَيَرَى الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ رِوَايَةٌ أُخْرَى عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، أَنَّهُ لاَ تَجُوزُ مُهَادَنَةُ الْمُشْرِكِينَ أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ, اسْتِنَادًا إلَى مَا يُرْوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ. فَإِنْ هُودِنَ الْمُشْرِكُونَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، فَالْهُدْنَةُ مُنْتَقَضَةٌ؛ لأَنَّ الأَصْلَ فَرْضُ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا أَوْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ. وَالتَّفْصِيلاَتُ فِي مُصْطَلَحِ ( هُدْنَةٌ ). انتهى.

خلاصة الكلام..

أن الهدنة مشروعة، لمصلحة الإسلام والمسلمين، فهي من المسائل التي يخضع حكمها للاجتهاد، وقد تدعو إليها الحاجة أو لضرورة، وإذا لم تكن فيها مصلحة، ولم تدع إليها الضرورة، فلا يجوز عقدها.

وأن مدتها تابعة لتلك المصلحة أو الضرورة، فتقدر بقدرها قلة وكثرة، وتوقيتاً وإطلاقاً..

عقد الهدنة على مال يجوز عقد الهدنة بدون أخذ المسلمين مالا من عدوهم، كما هو الحال في هدنة الحديبية.

ويجوز عقدها على مال يأخذه المسلمون من عدوهم:
كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم مع يهود خيبر، بعد الانتصار عليهم، فأقرهم على البقاء وعلى أن يعملوا ويؤدوا النصف، لما فيه من المصلحة، وليس المال الذي يؤخذ منهم في هذه الحالة، من الجزية في شيء، لأن شرط أخذ الجزية منهم، أن تنفذ عليهم أحكام المسلمين.

وهل يجوز أن يعقد المسلمون الهدنة، على أن يدفعوا لعدوهم الكافر مالاً؟

الأصل أنه لا يجوز ذلك:
لأن المسلمين هم الأعلون، ويجب أن يحافظوا على عزتهم وعلو شأنهم..

لكن قد تنزل بالمسلمين نوازل فيها من الابتلاء والفتنة، ما لا طاقة لهم به، بحيث لو لم يبذلوا المال لعدوهم لأنزل بهم أشد الضرر، من قتل رجالهم وسبي نسائهم، وهدم منازلهم، وإفساد مزارعهم، وتسميم مياههم..

ففي هذه الحال يجوز للمسلمين، أن يعقدوا مع عدوهم الهدنة على مال يأخذه منهم، بشروط تحقق لهم ما أمكن من دفع الفساد الذي قد يصيبهم، إذا لم يوافقوا على الهدنة بمال يأخذه منهم العدو، لأن إعطاءه المال أخف ضرراً، من إزهاق أرواحهم وانتهاك أعراضهم.

والدليل على ذلك ما كان يريد فعله الرسول صلى الله عليه وسلم، من الصلح يوم الأحزاب، من موادعة عيينة بن حصن الفزاري، والحارث بن عوف المري، على أن يعطيهما ثلث ثمر المدينة، وينصرفا بمن معهما من غطفان، ويخذلا قريشاً ويرجعا بقومهم عنهم، ولقاعدة الضرورات تبيح المحظورات.

قال المهلب:
"إنما قاضاهم النبي صلى الله عليه وسلم هذه القضية التي ظاهرها الوهن على المسلمين، لسبب حبس الله ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مكة حين توجه إليها فبركت، وقال حبس حابس الفيل على ما خرجه البخاري من حديث المسور بن مخرمة، ودل على جواز صلح المشركين ومهادنتهم دون مال يؤخذ منهم إذا رأى ذلك الإمام وجهاً.

ويجوز عند الحاجة للمسلمين عقد الصلح بمال يبذلونه للعدو، لموادعة النبي صلى الله عليه وسلم عيينة بن حصن الفزاري والحارث بن عوف المري يوم الأحزاب، على أن يعطيهما ثلث ثمر المدينة وينصرفا بمن معهما من غطفان ويخذلا قريشا ويرجعا بقومهم عنهم". [تفسير القرطبي (8/39 وانظر بداية المجتهد ونهاية المقتصد (1/283)].

وقال الشيرازي رحمه الله:
"ويجوز عقد الهدنة على مال يؤخذ منهم؛ لأن فى ذلك مصلحة للمسلمين، ولا يجوز بمال يؤدى إليهم لغير ضرورة، لأن فى ذلك إلحاق صَغَار بالإسلام، فلم يجز لغير ضرورة، فإن دعت إلى ذلك ضرورة بأن أحاط الكفار بالمسلمين وخافوا الاصطلام..". [المهذب (2/259) واستدل بعرض ثلث ثمار المدينة على غطفان يوم الأحزاب..].

وقال ابن قدامة رحمه الله:
"فَصْلٌ: وَتَجُوزُ مُهَادَنَتُهُمْ عَلَى غَيْرِ مَالٍ، لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم هَادَنَهُمْ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى غَيْرِ مَالٍ.

وَيَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى مَالٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُمْ؛ فَإِنَّهَا إذَا جَازَتْ عَلَى غَيْرِ مَالٍ، فَعَلَى مَالٍ أَوْلَى.

وَأَمَّا إنْ صَالَحَهُمْ عَلَى مَالٍ نَبْذُلُهُ لَهُمْ، فَقَدْ أَطْلَقَ أَحْمَدُ الْقَوْلَ بِالْمَنْعِ مِنْهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لأَنَّ فِيهِ صَغَارًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ حَالِ الضَّرُورَةِ.

فَأَمَّا إنْ دَعَتْ إلَيْهِ ضَرُورَةٌ، وَهُوَ أَنْ يَخَافَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْهَلاَكَ أَوْ الأَسْرَ، فَيَجُوزُ؛ لأَنَّهُ يَجُوزُ للأَسِيرِ فِدَاءُ نَفْسِهِ بِالْمَالِ، فَكَذَا هَا هُنَا، وَلأَنَّ بَذْلَ الْمَالِ إنْ كَانَ فِيهِ صَغَارٌ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَحَمُّلُهُ لِدَفْعِ صَغَارٍ أَعْظَمَ مِنْهُ وَهُوَ الْقَتْلُ وَالأَسْرُ وَسَبْيُ الذُّرِّيَّةِ الَّذِينَ يُفْضِي سَبْيُهُمْ إلَى كُفْرِهِمْ.

وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي الْمَغَازِي عَنْ مَعْمَر عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ:
"أَرْسَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ، وَهُوَ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ - يَعْنِي يَوْمَ الأَحْزَابِ -: ( أَرَأَيْت إنْ جَعَلْت لَك ثُلُثَ تَمْرِ الأَنْصَارِ، أَتَرْجِعُ بِمَنْ مَعَك مِنْ غَطَفَانَ، وَتَخْذُلُ بَيْنَ الأَحْزَابِ؟ ) فَأَرْسَلَ إلَيْهِ عُيَيْنَةُ: إنْ جَعَلْت لِي الشَّطْرَ فَعَلْت".

قَالَ مَعْمَرٌ:
فَحَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، "أَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ وَسَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ قَالا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاَللَّهِ لَقَدْ كَانَ يَجُرُّ سُرْمَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فِي عَامِ السَّنَةِ حَوْلَ الْمَدِينَةِ، مَا يُطِيقُ أَنْ يَدْخُلَهَا، فَالآنَ حِينَ جَاءَ اللَّهُ بِالإِسْلاَمِ، نُعْطِيهِمْ ذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ( فَنَعَمْ إذًا ). وَلَوْلا أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، لِمَا بَذَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم".. [المغني (9/239) وراجع الكافي له (4/340)].

متى يشرع للمسلمين نبذ العهد إلى عدوهم..؟

الأصل عند المسلمين الوفاء بالعقود والعهود، امتثالاً لأمر الله تعالى واقتداءً بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم..

فقد قال تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.. )) [المائدة: 1].

وقال تعالى: (( ..وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً )) [الإسراء (34)].

ولا فرق في وجوب الوفاء بالعهد، بين أن يكون المعاهَد مسلماً أو كافراً..

ولهذا قال تعالى: (( إلاَّ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلَى مُدَّتِهِمْ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ )) [التوبة (4)].

وَقَالَ: (( إلاَّ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)) [التوبة (7)].

وسبق قريبا ذكر بعض الأحاديث الموجبة للوفاء بالعهد، حيث جعل الرسول صلى الله عليه وسلم، الغدر من صفات المنافقين..

( أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، و من كانت فيه خصلة منهن، كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا حدث كذب، و إذا و عد أخلف، و إذا عاهد غدر، و إذا خاصم فجر ).

هذا هو الأصل عند المسلمين، وهو الوفاء بالعقود والعهود، وعدم نقضها بغير سبب شرعي.

ولكن الله تعالى يعلم بأن غالب أعداء المسلمين، لا يفون لهم بعهودهم، كما يفي لهم بذلك المسلمون، بل يخونونهم ويغدرون بهم..

ولهذا حذر الله تعالى المسلمين من خيانة أعدائهم وغدرهم بهم، وأمرهم بالتنبه لهم واليقظة لخداعهم، وأمرهم إذا ظهرت لهم أمارات الخيانة منهم، أن يطرحوا إليهم عهودهم بوضوح تام، حتى يكونوا على علم مساو لعلم المسلمين، بأنهم لم يعودوا في حالة سلم، بل أصبحوا في حالة حرب، كما كانوا قبل المهادنة..

فقال تعالى: (( وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ )) [الأنفال 58].

وهذا من محاسن الإسلام وخلال المسلمين:
أمانة.. لا خيانة..
وصدق.. لا كذب..
ووفاء.. لا غدر..

بخلاف أعدائهم في ذلك كله.

ومن هنا يجب فهم أمر الله للمسلمين، بالميل إلى السلم، إذا مال عليه عدوهم..

كما سبق في قوله تعالى: (( وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )) [الأنفال (61)].

فلا يجوز أن يسالم المسلم من لا يسالمه..

ولا يجوز أن يدعو عدوه إلى السلم وهو قوي قادر، أن يخضع لعدوه ويتخلى عن إخراج الناس من الظلمات إلى النور، برفع راية الجهاد في سبيل الله، الذي لا يرهب طغاةُ الأعداء سواه، ولا يَقِفُهم عن العدوان على المسلمين وغيرهم غيرُه.

وهذا ما سطره الواقع في تاريخ الأمم قديماً وحديثاً، ونحن اليوم نشاهده في عدوان اليهود وأعوانهم من النصارى المعتدين، في كل البلدان الإسلامية، وبخاصة في أرض فلسطين المباركة، التي لا يخفى شأنها على أحد.

ولا يجوز كذلك أن يخدع المسلمين أعداؤُهم، فيُخدعوا، فلا زال خداع أعدائهم وخيانتهم لهم مستمرة، من المشركين في الجزيرة العربية، ومن اليهود في المدينة النبوية، ومن جميع الوثنيين في بلاد فارس والهند وما وراء النهرين، ومن النصارى في كل البلدان والأزمان، من يوم شرقت شمس الإسلام، إلى يومنا هذا..

وكيف يخدعهم عدوهم، وقد بان الصبح لذي عينين؟
__________________
إرسال هذه الحلقات تم بتفويض من الدكتور عبد الله قادري الأهدل..
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك..