عرض مشاركة مفردة
  #98  
قديم 19-06-2003, 09:54 PM
البارجة البارجة غير متصل
دكتوراة -علوم اسلامية
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2003
المشاركات: 228
إفتراضي



/ صفحه 251/

الان الفتى العربي فيكون غريب اللسان لا يجد من يخاطبه إلا بعض القلة النادرة من العلماء.

من هذا الوقت الذي حييت فيه اللغات القديمة واندثرت اللغة العربية تفرق المسلمون سددا بددا، لا جامعة تجمعهم ولا رابطة تربطهم، وأخذت ذئاب الإنسانية تلتقمهم قطعة بعد قطعة.

8 ـ هذه حال المسلمين في هذه الأيام، مع أن العبادات الإسلامية تشير إليهم بضرورة الاجتماع، ويمنع هذا الاختلاف، ألا نذهب جميعاً إلى قبلة واحدة، فهل يشعر المسلم في صلاته التي يسبح فيها حين يصبح وحين يمسي، وفي الغداة وفي العشى، وحين يظهر، أنه يتجه صوب المكان الذي يتجه إليه في هذا الأوقات ذاتها مئات الملايين من المسلمين المنبثين في بقاع الأرض، وهل يشعر أن الاجتماع الديني الذين يجمعهم على غير رؤية في عبادة الله تعالى مالك الأرض وما عليها، والسموات وما فيهن، يرمز إلى الوحدة الجامعة، ويومئ إلى وحدة أهل الإسلام كما وجدت العبادة، إن هذا تذكير يومي في كل يوم خمس مرات على الأقل، يذكر المسلم بأنه جزء من كل، وأنه لابد أن تتلاقى الأجزاء في الحس، كما هي متلاقية في المعنى، ولكن العبادات فقدت معناها الاجتماعي في نفوس المسلمين، كما فقدت معناها الروحي في نفوس الأكثرين، ولا حول ولا قوة إلا بالله رب العالمين.

9 ـ وهذا الحج الذي أمر الله بالنداء إليه ليحضر الناس إلى بيته الحرام في ضيافته سبحانه، إذ قال: " وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق " قد فقد معناه أيضا، فهو في أصل شرعته اجتماع المسلمين من كل بقاع المعمورة في أرض الله المقدسة وحرمه الآمن إلى يوم القيامة، وبيته الحرام الذي هو أول بيت وضع للناس، وفي هذا الاجتماع يتذاكرون أمور المسلمين، ويتدبرون أحوالهم المعيشية والاجتماعية والاقتصادية، ويتفاهمون فيه على كل أمر يصون وحدتهم، ويقوى جماعتهم، ويرفع شأنهم،


/ صفحه 252/

ويرد كيد أعدائهم، والآن يجتمع المسلمون في الحج؛ لا ليتعارفوا؛ بل لتتبين مظاهر تفرقهم.

إنها مبكيات محزنات أن يجتمع المسلم الباكستاني بالمسلم المصري فلا يستطيعان التفاهم إلا باللغة الانجليزية، وهي لغة أمة قال رئيس وزرائها في آخر القرن الماضي إنه لا سلام لانجلترا وفي العالم القرآن يقرأ، ويتلوه الملايين.

وأحيانا يكون التفاهم بين المسلمين باللغة الفرنسية التي هي لغة قوم يعملون الان على إبادة المسلمين في الجزائر، كما حاولوا من قبل إبادتهم في مراكش، ولكن رد الله كيدهم في نحرهم، فأرادوا أن يتفرغوا للجزائر، حتى إذا أبادوها منوا بمراكش أو تونس؛ ولا منجاة إلا بأمر من الله، وتوحيد شئون المسلمين، ولكن سنة الله في خلقه أنه سبحانه لا يغير حال الأقوام إلا إذا غيروا نفوسهم من ذلة إلى عزة، ومن ضلال إلى طلب للحق، ومن خنوع للأقوياء الضالمين إلى مقاومة للطغاة العابثين، فلقد قال تعالى: " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له، وما لهم من دونه من وال ".

10 ـ لقد وصفنا الداء، وإن أول طرائق العلاج هو معرفة المرض، فإنه إذا عرف المرض سهل وضع الدواء، وإن الداء الذي اعترى المسلمين ففرق جماعتهم، وجعلهم نهزة المفترصين، ومطمع الطامعين، ومرام المعتدين، هو أنهم تركوا سنة السلف، وفرقوا الجماعة، وكانت أسباب التفريق هي ذلك الداء، فأسباب الاجتماع هي الدواء، وإن هذه الأمة لا يصلح آخرها إلا بما صلح به أولها، وإن أولها كان جمعاً متحداً في ثقافة واحدة، وفي لغة واحدة، وفي اقتصاديات واحدة، وفي جهاد واحد، فلا يسلم المسلم أخاه المسلم، وإنه إذا كانت أسباب الفرقة بينه معلمة، فأسباب الانفاق لائحة ظاهرة، وما علينا إلا أن نعمل على إيجاد الوحدة بعد الافتراق، واتخاذ الأسباب التي سلكها السابقون بإحسان " وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون ".