الموضوع: بحوث في التوسل
عرض مشاركة مفردة
  #5  
قديم 21-06-2003, 11:14 PM
البارجة البارجة غير متصل
دكتوراة -علوم اسلامية
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2003
المشاركات: 228
إفتراضي



ىراء المذاهب الاخرى

1- مسألة التوسل بالنبي (ص):

يرى السلفيون من خلال أدلتهم الشرعية أنه يجوز التوسل بالنبي (ص) في حياته ولا يجوز ذلك بعد مماته، وأدلتهم في ذلك:

أ- قول النبي (ص): "قاتل اللَّه اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"(1).

ب- قال ابن تيمية: "وقد استفاضت الأحاديث عن النبي (ص) أنه نهى عن اتخاذ القبور مساجد، ولعن من يفعل ذلك، ونهى عن اتخاذ قبره عيداً، وذلك لأن أول ما حدث الشرك في بني آدم كان في قوم نوح. قال ابن عباس: كان بين آدم ونوح عشرة قرون وكلهم على الإسلام. وثبت في الصحيحين عن النبي (ص) أن نوحاً أول رسول بعثه اللَّه إلى أهل الأرض، وقد قال اللَّه عن قومه إنهم قالوا: (لا تذرنّ آلهتكم ولا تذرنّ وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً وقد أضلوا كثيراً)(2). قال غير واحد من السلف هؤلاء كانوا قوماً صالحين في قوم نوح، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، فلما طال عليهم الأمد عبدوهم"(3).

ويرى من يخالفون السلفية أن التوسل بالنبي (ص) جائز في حياته وبعد مماته، لأنه لم يرد نص من قرآن أو سنّة أو قول لأحد الصحابة أو السلف الصالح من التابعين، في النهي عن التوسل بالنبي (ص) بعد مماته، وأدلتهم في ذلك:

أ- جاء أعمى إلى رسول اللَّه (ص)، يطلب منه أن يدعو له بأن يرد اللَّه عليه بصره، فقال له (ص): "إن شئت أخرت ذلك فهو خير لك، وإن شئت دعوت"، قال فادْعُه، فأمره أن يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربّي في حاجتي هذه فيقضيها لي، اللهم فشفّعه فيَّ وشفعني فيه. قال، فقال وقد أبصر"(4).

ب- قال الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي في هذه المسألة: "كلّ ما بين أيدينا مما صحّ في هذا الموضوع من الأحاديث الثابتة الصحيحة عن توسل الصحابة وتبركهم بعرق رسول اللَّه وشعره ووضوئه، وهي موجودة في الصحيحين، وحديث عثمان بن حنيف الذي رواه الترمذي وابن ماجه (... الحديث)... والمهم أن هذا هو كلّ ما وصلنا عن رسول اللَّه (ص) وأصحابه وبقية السلف في شأن التوسل.

وظل الأمر على ذلك حتى جاء الإمام ابن تيمية رحمه اللَّه تعالى، ففرق بين التوسل بالأنبياء والصالحين في حياتهم والتوسل بهم بعد موتهم. فأجاز ذلك بهم في الحالة الأولى وحرمه في الحالة الثانية. ولا ندري لهذا التفريق أي مستند يرجع إلى عصر السلف، بل إننا كما قلت لم نعثر على أي بحث أو نقاش أو خلاف بين علماء السلف في هذه المسألة"(5).

أقول إنه ما دام هذا الأمر فيه أدلة شرعية معتبرة لدى السلفيين، حيث فهموا واجتهدوا من خلالها، ووصلوا إلى نتيجة مفادها عدم جواز التوسل بالنبي (ص) بعد مماته. وكذلك فإن المخالفين لهم، ومن خلال أدلتهم الشرعية المعتبرة، قد فهموا واجتهدوا ووصلوا إلى نتيجة مفادها جواز التوسل بالنبي (ص) في حياته وبعد مماته. ولأن هذه المسألة لا يوجد فيها نص يحدد الجواز أو عدمه، فإنها تبقى في دائرة الاجتهاد المسموح به في الشريعة الإسلامية، ولهذا ينبغي على السلفيين أن ينتهوا عن نعت مخالفيهم ووصفهم بالتوسليين، لأن دائرة الإسلام تتسع للاجتهادين.

2- مسألة السنّة الحسنة والبدعة:

يرى السلفيون أن البدعة هي "الحدث في الدين بعد الإكمال أو ما استحدث بعد النبي (ص) من الأهواء والأعمال أو ما حدث على خلاف الحق المتلقى عن رسول اللَّه (ص)"(6).

وأدلتهم في ذلك:

أ- حديث رسول اللَّه (ص): "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ"(7).

ب- حديث رسول اللَّه (ص): "أوصيكم بتقوى اللَّه عزّ وجلّ، والسمع والطاعة وإن تأمّر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديين، عضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كلّ بدعة ضلالة"(8).

أقول إن معنى البدعة هي كل أمر أُحدث في الدين من نواحي الاعتقاد أو العبادة أو الشريعة، أي كل أمر أُحدث يخالف القرآن أو السنّة النبوية. وهذا المعنى هو ما عناه الرسول (ص) في الأحاديث الواردة في هذا الشأن، وهذا المعنى يقارب معنى البدعة لدى السلفية. ولكني أرى أن هناك سُنّة حسنة، وهي كلّ أمر أُحدث، فيه خير للإسلام والمسلمين، ولا يتعلق بالاعتقاد أو العبادة أو الشريعة، والأمثلة على ذلك كثيرة منها:

أولاً: سنّة جمع القرآن الكريم في مصحف واحد.

ثانياً: سنّة جمع الأحاديث الصحيحة التي قام بها أصحاب الكتب الستة.

ثالثاً: سنّة إيجاد علم مصطلح الحديث، الذي حمى السنّة النبوية من الدس والخلط والضياع.

رابعاً: سنّة إيجاد مدارس الفقه الإسلامي، بهدف تسهيل فهم الناس للأحكام الشرعية الفقهية.

خامساً: سنّة تعيين مصادر التشريع الإسلامي المحددة بالكتاب والسنّة والإجماع والقياس.

سادساً: سنّة إدخال النظم الإدارية على دواوين الدولة الإسلامية.

سابعاً: سنّة إيجاد المصنفات في الدراسات الإسلامية (علوم القرآن علوم الحديث علوم العقيدة علوم الفقه علوم السّير علوم تزكية النفس).

ثامناً: سنّة إعطاء الإجازات من العلماء لتلامذتهم في تدريس علوم القرآن وعلوم الحديث والمصنفات الأخرى.

تاسعاً: سنّة إيجاد الجامعات لتدريس الطلبة العلوم الإسلامية في مستويات علمية معينة.

عاشراً: سنّة إيجاد المراكز الإسلامية التي تنظم جهود وخطوات الدعوة الإسلامية. وهذه السنن الحسنة هي غيض من فيض في هذا المجال.

3- مسألة تكفير الأشاعرة:

يطلق بعض السلفيين أحكام الكفر على الأشاعرة بالجملة... "ولا يفوتنا التنبيه على تلك الفرقة الضالة التي سوّل لهم شيطانهم أنهم أهل سنّة وجماعة حتى يوقع المساكين في شباكهم، هذه الفرقة التي تسمى بالأشاعرة... والحاصل أن عقيدة هذه الفرقة قد استطاع الملعون(9) أن يروجها على غالبية علماء الأمة حتى صارت تدرس في جميع الكليات والجامعات(10) عدا جامعات السعودية وصار يُدرس الكفر على أساس أنه توحيد"(11).

أقول إن تكفير المسلم كفرد له ضوابط شرعية قد حددها العلماء، منهم:

أ- ابن تيمية الذي يرى أن المجتهد المتأول في اجتهاده يثاب عليه "وعلى هذا فالمتأول الذي أخطأ في تأويله في المسائل الخبرية والأمرية وإن كان في قوله بدعة يخالف بها نصاً أو إجماعاً قديماً وهو لا يعلم أنه يخالف ذلك، بل أخطأ فيه كما يخطى‏ء المفتي والقاضي في كثير من مسائل الفتيا والقضاء باجتهاده، يكون أيضاً مثاباً من جهة اجتهاده الموافق لطاعة اللَّه... فلهذا يوجد أئمة من أهل العلم والدين من المنتسبين إلى الفقه والزهد يذمون البدع المخالفة للكتاب والسنّة في الاعتقادات والأعمال، من أهل الكلام والرأي والزهد والتصوف ونحوهم، وإن كان في أولئك من هو مجتهد له أجر في اجتهاده وخطؤه مغفور له(12).

ب- وقال القاضي أبو الفضل عيّاض في هذه القضية الحساسة: "ذهب أبو المعالي رحمه اللَّه في أجوبته لأبي محمد عبد الحق وكان سأله عن المسألة فاعتذر له أن الغلط فيها يصعب لأن إدخال كافر في الملة وإخراج مسلم عنها عظيم في الدين، وقال غيرهما من المحققين: الذي يجب الاحتراز من التكفير في أهل التأويل فإن استباحة دماء المصلين الموحدين خطر، والخطأ في ترك ألف كافر أهون من الخطأ في سفك محجمة من دم مسلم واحد، وقد قال (ص): "فإذا قالوها يعني الشهادة عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على اللَّه، فالعصمة مقطوع بها مع الشهادة، ولا ترتفع ويستباح خلافها إلا بقاطع ولا قاطع من شرع ولا قياس عليه"(13).

ج- ثم نعود إلى ابن تيمية لنستجلي موقفه من الأشاعرة "وإن الأشعرية أقرب إلى السلف والأئمة وأهل الحديث... وأما الانتساب فانتساب الأشعري وأصحابه إلى الإمام أحمد خصوصاً وسائر أئمة أهل الحديث عموماً، ظاهر مشهور في كتبهم كلها... ولكن الأشعري وسائر متكلمة أهل الإثبات مع أئمة السنّة والجماعة يثبتون الرؤية ويقولون القرآن غير مخلوق ويقولون إن اللَّه حي بحياة عالم بعلم قادر بقدرة"(14).

من خلال أقوال العلماء، تظهر لنا الضوابط الشرعية المتعلقة بمسائل التكفير منها:

1- لا يجوز تكفير المسلم إن أخطأ في فهم مسألة متعلقة بالدين، حتى تزال شبهته وتقام عليه الحجة.

2- لا يجوز تكفير المتأولين من المسلمين، وإن أخطأوا في اجتهادهم، وكذلك فإنهم لا يفسقون ولا يأثمون، بل يثابون على اجتهادهم الموافق للحق.

3- ضرورة الحذر في إصدار حكم التكفير على المسلمين، لأن دماءهم وأموالهم معصومة بقول واعتقاد الشهادة.

بعد هذا، أقول: إن الأشاعرة من المسلمين المعصومة دماؤهم وأموالهم، وقد تأولوا واجتهدوا، وهم من أهل السنّة والجماعة في اعتقادهم كما بيَّن الإمام ابن تيمية وهم يقيمون الصلاة في اليوم والليلة خمس مرات، وهم يؤدون الزكاة ويصومون شهر رمضان ويؤدون فريضة الحج، فهل يجوز لبعض السلفيين أن يطلقوا عليهم أحكام الكفر بالجملة؟!.

4- مسألة تكفير الصوفيين:

كان للمدرسة الصوفية دور هام عبر تاريخ المسلمين، في تربية وتهذيب النفوس على أُسس من القرآن والسنّة وأقوال السلف الصالح رضي اللَّه عنهم، وكان لهذه المدرسة تأثير كبير في مجال نشر الدعوة الإسلامية في الأماكن البعيدة عن حواضر العالم الإسلامي، وكذلك كان لهذه المدرسة جولات وصولات في مجال الجهاد والدفاع عن أرض الإسلام والمسلمين. ولقد ظهر بين الصوفية شرذمة قليلة حاولت الانحراف بالمنهج الصوفي، الأمر الذي دفع علماء الإسلام في ذلك الحين إلى مواجهة هذه الحالة (الاستثنائية)، وعملوا على كشف ضلال وكفر هذه الشرذمة، وسعوا إلى تبيان الحق، وأعادوا الأمور إلى نصابها ومسارها السليم.

ومن الغريب أن يخرج علينا في هذا العصر بعض السلفية ليحاكموا مدرسة إسلامية كان لها هذا الدور الكبير، في مجال خدمة الإسلام والدعوة الإسلامية، فيطلقوا عليها أحكام الكفر بالجملة(15)، من خلال النصوص التالية:

أ- "إن دين الصوفية كله مؤسس على القبور وفي القبور وحول القبور"(16).

ب- "إن كلّ من أخذ حقاً من حقوق اللَّه وخلعه على نفسه فهو طاغوت ويشمل: المشرعين والحكام وشيوخ الطرق والكهان والعرافين وكل من تابعهم على ذلك فهو عابد للطواغيت"(17).

ج- "ولا ننسى شيوخ الصوفية ومكانتهم في قلوب هؤلاء العوام وقد هبوا للدفاع عن معتقداتهم ومكاسبهم التي كانت تدرها عليهم صناديق النذور وغيرها من الإتاوات التي يفرضونها على العوام"(18).