الموضوع: بحوث في التوسل
عرض مشاركة مفردة
  #6  
قديم 21-06-2003, 11:34 PM
البارجة البارجة غير متصل
دكتوراة -علوم اسلامية
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2003
المشاركات: 228
إفتراضي

والرد على هذا ، من خلال أقوال العلماء، لنعرف من خلالها موقفهم من الصوفية، منهم:

1- قال الإمام الغزالي: "ثم إني لما فرغت من هذه العلوم، أقبلت بهمتي على طريق الصوفية، وعلمت أن طريقتهم إنما تتم بعلم وعمل، وكان حاصل عملهم قطع عقبات النفس، والتنزه عن أخلاقها المذمومة، وصفاتها الخبيثة، حتى يتوصل بها إلى تخلية القلب عن غير اللَّه تعالى، وتخليته بذكر اللَّه... علمت يقيناً أن الصوفية هم السالكون لطريق اللَّه تعالى خاصة، وإن سيرتهم أحسن السير، وطريقتهم أصوب الطرق، وأخلاقهم أزكى الأخلاق، بل لو جمع عقل العقلاء، وحكمة الحكماء، وعلم الواقفين على أسرار الشرع من العلماء، ليغيروا شيئاً من سيرتهم وأخلاقهم، ويبدلوه بما هو خير منه، لم يجدوا إليه سبيلاً، فإن حركاتهم وسكناتهم، في ظاهرهم وباطنهم، مقتبسة من نور مشكاة النبوة، وليس وراء مشكاة النبوة على وجه الأرض نور يستضاء به"(19).

2- قال ابن تيمية عن معنى الفناء في كلام الصوفية "مثال ذلك اسم الفناء... فهو الفناء عن إرادة ما سوى اللَّه بحيث لا يحب إلا اللَّه ولا يعبد إلا إياه ولا يتوكل إلا عليه ولا يطلب غيره وهو المعنى الذي يجب أن يُقصد بقول الشيخ أبي يزيد(20) حيث قال: أريد أن لا أريد إلا ما يريد، أي المراد المحبوب المرضي وهو المراد بالإرادة الدينية وكمال العبد أن لا يريد ولا يحب ولا يرضى إلا ما أراده اللَّه ورضيه وأحبه وهو ما أمر به أمر إيجاب أو استحباب ولا يحب إلا ما يحبه اللَّه كالملائكة والأنبياء والصالحين، وهذا معنى قولهم في قوله تعالى: "إلا من أتى اللَّه بقلب سليم"(21) قالوا هو السليم مما سوى اللَّه أو مما سوى عبادة اللَّه أو مما سوى إرادة اللَّه أو مما سوى محبة اللَّه فالمعنى واحد وهذا المعنى إن سمي فناء أو لم يسمّ هو أول الإسلام وآخره وباطن الدين وظاهره"(22).

3- قال الشيخ الدكتور عبد الحليم محمود مدافعاً عن الصوفية "لقد أشاع الماديون على اختلاف ألوانهم كثيراً من الأباطيل ضد التصوف، وأخذوا يروجون لها في كلّ مكان، وبكلّ وسيلة... والتصوف في النهاية هو الاسترسال مع اللَّه على ما يريد، وهو متابعة الرسول (ص) على ما يحب"(23).

5- مسألة تكفير الشيعة الإمامية:

ومن القضايا الحساسة والشائكة التي خاض فيها بعض السلفية، هي تكفير المسلمين من الشيعة الإمامية، من خلال نصوص عدة، منها:

أ- "قلنا إن الإخوان(24) يعلمون جيداً كفريات الشيعة حينما أيدوهم ولكن مسايرة السياسة الخبيثة تغلبت عليهم حتى تركوا الشرع خلفهم ظهرياً"(25).

ب- "وكذلك حضر حتى الشيعي مثل (نواب صفوي)(26) حضر هذه اللقاءات بل ألقى حديث الثلاثاء المشهور عند الإخوان ولم يقل له أحد إن اعتقادكم أيها الإماميون شرك وكفر"(27).

ونردّ على عثمان عبد السلام نوح وأضرابه من السلفيين، من خلال أقوال العلماء، منهم:

أ- قال الإمام محمد الغزالي عن المسلم الشيعي الذي "يعتقد استحقاق الإمامة في أصل(28) البيت وأن المستحق اليوم المتصدي لها منهم، وأن المستحق لها في العصر الأول كان علي رضي اللَّه عنه فدفع عنها بغير استحقاق. وزعم مع ذلك، أن الإمام معصوم عن الخطأ والزلل... ومع ذلك لا يستحل سفك دمائنا ولا يعتقد بكفرنا، ولكنه يعتقد فينا أنّا أهل البغي، زلّت بصائرنا عن درك الحق خطأ... فهذا الشخص لا يستباح سفك دمه، ولا يحكم بكفره لهذه الأقاويل"(29).

ب- سأل الأستاذ عمر التلمساني الشيخ حسن البّنا عن مدى الخلاف بين السنّة والشيعة، عندما رأى السيد محمد تقي القمي ينزل ضيفاً على الإخوان المسلمين في الأربعينات، فقال البّنا "اعلموا أن أهل السنّة والشيعة مسلمون تجمعهم كلمة لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه، وهذا أصل العقيدة، والسنّة والشيعة فيه سواء وعلى التقاء، أما الخلاف بينهما فهو في أمور من الممكن التقريب فيها بينهما"(30).

ج- سُئل شيخ الأزهر محمود شلتوت عن مسألة التعبد على أساس مذهب الشيعة الإمامية(31) فأجاب:

1- إن الإسلام لا يوجب على أحد من أتباعه اتباع مذهب معين بل نقول: إن لكل مسلم الحق في أن يقلد بادى‏ء ذي بدء أي مذهب من المذاهب المنقولة نقلاً صحيحاً والمدونة أحكامها في كتبها الخاصة ولمن قلد مذهباً من المذاهب أن ينتقل إلى غيره أي مذهب كان ولا حرج عليه في شي‏ء من ذلك.

2- إن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية مذهب يجوز التعبد به شرعاً كسائر مذاهب أهل السنّة.

فينبغي للمسلمين أن يعرفوا ذلك، وأن يتخلصوا من العصبية بغير الحق لمذاهب معينة، فما كان دين اللَّه وما كانت شريعته بتابعة لمذهب، أو مقصورة على مذهب، فالكل مجتهدون مقبولون عند اللَّه تعالى، يجوز لمن ليس أهلاً للنظر والاجتهاد تقليدهم والعمل بما يقررونه في فقههم، ولا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات"(32).

د- قال الشيخ محمد أبو زهرة عن الشيعة الإمامية: "الشيعة أقدم المذاهب السياسية الإسلامية، وقد ذكرنا أنهم ظهروا بمذهبهم في آخر عصر عثمان رضي اللَّه عنه ونما وترعرع في عهد علي رضي اللَّه عنه، إذ كان كلما اختلط بالناس ازدادوا إعجاباً بمواهبه وقوة دينه وعلمه، فاستغل الدعاة ذلك الإعجاب، وأخذوا ينشرون آراءهم، ما بين رأي فيه مغالاة، ورأي فيه اعتدال... لا شك أن الشيعة فرقة إسلامية إذا استبعدنا الذين ألَّهوا علياً ونحوهم، ولا شك أنها في كل ما تقول تتعلق بنصوص قرآنية أو أحاديث نبوية منسوبة إلى النبي (ص)"(33).

بعد هذا العرض في نقض طروحات بعض المغالين من السلفية الذين يدَّعون بأنهم يسيرون في طريق السلف الصالح رضي اللَّه عنه، نصل إلى النتائج التالية:

أولاً: إن المسلمين الذين يعتقدون بالتوسل برسول اللَّه (ص) في حياته وبعد مماته، يستندون إلى أدلة شرعية معتبرة في اجتهادهم، وعلى هذا الأساس فإنه لا يحق لأصحاب الاجتهاد المخالف، التشهير بهم والنيل منهم بشتى النعوت، والصفات، ونذكرهم، بأن هذه الأساليب تخالف منهج السلف الصالح رضي اللَّه عنه في آداب الاختلاف. أما التوسل بالأولياء والمشايخ والأضرحة فلا يجوز ذلك أبداً.

ثانياً: إن السلفيين بتعريفهم لمعنى البدعة لا يختلفون عن غيرهم من المسلمين في هذا التعريف، إلا أنهم عليهم أن يعترفوا بأن هناك سنّة حسنة، وهي الأمر المحدث، الذي فيه خير للإسلام والمسلمين، وليس له علاقة بالاعتقاد أو العبادة أو الشريعة، فمن سنّ سنّة حسنة في هذا المجال فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.

ثالثاً: إن الأشاعرة هم من المسلمين الذين تأولوا واجتهدوا، وقد بين لنا العلماء الثقاة أن من يجتهد ويتأول في اجتهاده من المسلمين فلا يجوز تكفيره وإن أخطأ، وبدل التكفير ينبغي السعي إلى إزالة الشبهة عنه، وإقامة الحجة عليه، وهذا دور العلماء. فعلى أي أساس شرعي يطلق بعض السلفية أحكام الكفر على الأشاعرة وعلى غالبية علماء وجامعات العالم الإسلامي، "الذين يدرِّسون الكفر لا التوحيد" على حد زعمهم!

رابعاً: إن تكفير الصوفية بالجملة هو ابتعاد عن الحق، وهو من الخطورة بمكان، أما كشف ضلالات وكفريات بعضهم مثل ابن عربي والحلاج وغيرهم، وتبيان أعمالهم التي لا تمت للإسلام بصلة، فهذا مطلوب لأنه يعتبر من الناحية الشرعية نهياً عن المنكر. وفي الوقت نفسه ينبغي على مدّعي السلفية أن يعرفوا أن للَّه تعالى أولياء، يخفون الكرامة تواضعاً، ويدعون إلى الإسلام، ويعملون الصالحات، ويعلمون الناس الخير.

خامساً: وفي مسألة تكفير المسلمين (الإمامية) فقد ابتعد عثمان عبد السلام وأصحابه عن جادة الصواب والحق، وهم بهذا إنما يخالفون السلف الصالح رضي الله عنه، وقد عرفنا عقيدة ومفاهيم السلف الصالح من خلال العلماء المعتبرين في علمهم وتقواهم وعملهم وتاريخهم، كالإمام أبي حامد محمد الغزالي وحسن البنا ومحمود شلتوت ومحمد أبو زهرة، وهذه الثلة المباركة من العلماء، وغيرهم في الماضي والحاضر، ممن لهم أيادٍ بيضاء في خدمة العلم والدعوة والإسلام والمسلمين، يعتبرون أن الشيعة الإمامية من المسلمين. ونذكّر المكّفرة من السلفيين بحديث رسول اللَّه (ص) "إذا كفَّر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما"(34). فكيف بهؤلاء وهم يكفِّرون بعض أُمة الإسلام!

السلفية بين الغلو والاعتدال

ومن أجل وضع النقاط على الحروف وإنصافاً للحق والحقيقة، أرى أن السلفيين قد انقسموا إلى مدارس فكرية وسياسية، منهم هؤلاء المكفِّرة، الذين يقول فيهم الدكتور يوسف القرضاوي: "وإن من المؤسف اليوم أن نجد من بين المشتغلين بالدعوة إلى الإسلام من يشهر سيف الذم والتجريح لكل من يخالفه، متهماً إياه بقلة الدين، أو اتباع الهوى أو الابتداع والانحراف، أو النفاق، وربما بالكفر! وكثير من هؤلاء لا يقتصرون في الحكم على الظواهر، بل يتهمون النيات والسرائر، التي لا يعلم حقيقة ما فيها إلا اللَّه سبحانه، كأنما شقّوا عن قلوب العباد واطلعوا على دخائلها! ولم يكد يسلم من ألسنة هؤلاء أحد من القدامى، أو المحدثين، أو المعاصرين ممن لا يقول بقولهم في قضايا معينة، حتى وجدنا من يسب بعض الأئمة الأربعة في الفقه، ومن يسب بعض أئمة السلوك والزهد... وهذه من المزالق التي يتورط فيها كثير من المنتسبين إلى التيار الديني: الطعن والتجريح، فيمن يخالف وجهتهم، أو مذهبهم في الاعتقاد أو الفقه أو السلوك. ومن ينتمون إلى الحديث أو السلف يطعنون في الفقهاء كالأئمة الأربعة وكبار أتباعهم ممن لا يشك أحد في علمهم واجتهادهم ودينهم وورعهم، أو يطعنون في كبار الصوفية الذين أثنى عليهم الربانيون والعلماء المحققون من خيار الأمة، وربما طعنوا في الصوفية جميعاً، وكذلك يطعنون في كبار علماء الأشاعرة )ماضياً وحاضراً(، وهم من لهم منزلة وفضلٌ في الذبّ عن هذا الدين، وعن الكتاب والسنّة"(35).

ومن السلفيين من تضمهم مدرسة العلم والورع والاعتدال، وفي الحقيقة فإن هؤلاء هم أقرب إلى السلف الصالح، في طروحاتهم ومفاهيمهم الإسلامية، وهم أقرب إلى السلف الصالح في التزامهم بالأحكام الشرعية، وهم وقّافون عند الحق، وعن مسألة التكفير الحساسة يقولون: "لا يجوز القطع لمعين من أهل القبلة بالجنة أو بالنار إلا من ثبت النص في حقه(36)... الكفر في الألفاظ الشرعية قسمان: أكبر مخرج من الملّة، وأصغر غير مخرج من الملّة ويسمى أحياناً بالكفر العملي... التكفير من الأحكام الشرعية التي مردها إلى الكتاب والسنّة، فلا يجوز تكفير مسلم بقول أو فعل ما لم يدل دليل شرعي على ذلك، ولا يلزم من إطلاق حكم الكفر على قول أو فعل ثبوت موجبه في حق المعين إلا إذا تحققت الشروط وانتفت الموانع(37). التكفير من أخطر الأحكام فيجب التثبت والحذر من تكفير المسلم"(38). وكذلك هم أقرب إلى السلف الصالح في أدب الاختلاف، ويعلمون حقيقة معنى حديث رسول اللَّه (ص) الذي رواه الإمام مسلم عن أبي رقية تميم بن أوس الداري (رضي اللَّه عنه): "أن النبي (ص) قال: الدين النصحية. قلنا لمن؟ قال: للَّه، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم"(39). ولهذا تجدهم يعملون للإسلام بعيداً عن الأضواء، بجدّ ونشاط، ويتعاونون مع جميع المسلمين، على البرّ والتقوى، تحت شعار نتعاون في ما اتفقنا عليه، وهو كثير، ويعذر بعضنا بعضاً في ما اختلفنا فيه، وهو قليل