الموضوع: بحوث في التوسل
عرض مشاركة مفردة
  #12  
قديم 22-06-2003, 12:18 AM
البارجة البارجة غير متصل
دكتوراة -علوم اسلامية
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2003
المشاركات: 228
إفتراضي


تابع البحث الاخير والرد القوي

فيمن توسل بقبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم



قال أحمد بن زينى دحلان: رواه الحاكم وصححه والطبراني.

وإلى هذا التوسل أشار الإمام مالك للدوانيقي، وذلك لما حج المنصور وزار قبر النبي صلى الله عليه وآله سال الإمام مالكا ـ وهو بالمسجد النبوي ـ وقال له: يا أبا عبد الله استقبل القبلة وأدعو أم استقبل رسوله الله؟ فقال مالك: لم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم إلى الله، بل استقبله واستشفع به فيشفعه الله فيك. قال الله تعالى: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيما) … انتهى.

ومما يدل على جواز التوسل بالنبي بعد وفاته ما في خلاصة الكلام عن العلامة السمهودي قال: روى الدارمي في صحيحه عن أبي الجوزاء قال قحط أهل المدينة قحطاً شديداً فشكوا إلى عائشة فقالت: انظروا إلى قبر رسول الله فاجعلوا منه كوة إلى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف، ففعلوا فمطروا حتى نبت العشب.


فعلم من جميع ذلك أن التوسل والتشفع بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وبجاهه وببركته من سنن المرسلين وسيرة السلف الصالحين، لا كما توهمته الوهابية من أن نداء الأموات والغائبين لم يجوزه الشرع، وأنى لهم بذلك والحال أن الشرع على خلافهم؟؟

ويكفيك الأحاديث الواردة في زيارة القبور المشتملة على النداء والخطاب للميت من قول: «السلام عليكم يا أهل الديار من المؤمنين» وما ورد في تلقين الميت بعد دفنه من الخطاب والنداء المتفق عليه من قول الملقن: يا عبد الله هل أنت على العهد الذي فارقتنا عليه من شهادة أن لا آله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله.

وقد أسمعناك نداء الني صلى الله عليه وآله كما في البخاري وغيره من الصحاح والسنن كفار قريش بعد إلقائهم في القليب وقال: إنهم يسمعون ولكن لا يجيبون وأين ندائهم هذا، من نداء من يسمع نداء الخلائق ويجيبهم ويرد سلام من يسلم منهم عليهم لأنهم أحياء يرزقون، فيجوز نداؤهم والوقوف على قبورهم والاستشفاع بهم، وليس من الشرك كما عن الوهابية تدليساً على الجهلة وإغواء لهم عن أن ينالوا ببركة النبي صلى الله عليه وآله أعظم المثوبة، وترتفع عنهم السيئة العظيمة ولا يقعوا في المخاطرات الدنيوية والأخروية.

وأما ثانياً فلنا سؤال: إن السلف لماذا أنكروا دعاء الله عند قبر النبي والحال أن القبر وجوانبه حرم الله وحرم رسوله ومحل الوحي ومهبط الملائكة، وكل مكان كان كذلك استحق زيادة الفضيلة لدعاء الله التي هي العبادة، ففي كتب المناسك لعلماء المذاهب جميعاً عند ذكرهم زيارة النبي صلى الله
عليه وآله أنه يستحب للزائر أن يدعو عند القبر ويتوسل إلى الله في قضاء حوائجه وغفران ذنوبه، ويقول: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيما) .

الدعاء عند قبر النبي صلى الله عليه واله


وأما ثالثاً سؤال الوجه لإنكارهم دعاء النبي صلى الله عليه وآله نفسه بقول «يا رسول الله أسألك الشفاعة» فإن كان الوجه خلو النص من الشارع عن مثل هذا الدعاء.

قلنا: يكفيك ما ذكرنا من نصوص الكتاب والسنة في التوسل بالنبي بل بمطلق أهل بيته حتى مثل العباس الذي يكون علي عليه السلام أفضل منه.

وإن كان الوجه كون الطلب من النبي وندائه ودعائه شركاً لله ـ كما عن جملة من علماء نجد في رسائلهم وصرح بذلك ابن تيمية في الفرقان ـ قلنا: إن الشرك لله بواسطة دعاء النبي صلى الله عليه وآله لا يختص ببعد الحق، بل يعم حال حياته لأن الأمر كله لله، وإن له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشئ.

فإن قلت: الشرع جوز دعاء الحق ونداءه. قلنا: الشرع لا يجوز الشرك وعبادة غير الله، فإذا جاز التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم حال حياته ـ كما هو المسلم عند ابن عبد الوهاب ـ فلا محالة يستلزم ذلك أحد الأمرين:

إما عدم كون دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم منفكاً عن دعاء الله تعالى، وإما عدم كون دعاء المخلوق عبادة له، لعدم اشتماله على أوصاف العبادة من الخضوع والخشوع والابتهال والوقوف بين يدي المعبود.


فإن الدعاء لا يتمحض في العبادة إلا لأجل الأمور المزبورة التي لا تجري في الاستشفاع والتوسل والاستغاثة بالنبي والأئمة، فليس لها في قلوب المؤمنين تأثير سوى أنه ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومن له الآهلية تزول عنهم غائلة المحنة والشدة في الدنيا والآخرة.

المنع في ان دعاء غير الله عبادة


وثالثها قول الوهابية: أن الدعاء مخ العبادة، والعبادة لا تجوز لغير الله تعالى لأنها شرك.

والجواب عنه: المنع عن أن مطلق الدعاء عبادة، فضلا عن أن يكون روح عبادة، وإنما الدعاء من الدعوة ومنها قوله تعالى: (ندع أبناءنا) وقوله تعالى: (ثم أدعهن يأتينك سعياً) وقوله سبحانه: (ولا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً) وقوله تعالى: (استجيبوا لله ورسول إذا دعاكم لما يحييكم) .

فإن المراد من الدعاء فيها النداء، وليس كل نداء دعاء وكل دعاء عبادة، بل ولا دعاء الله لمحض ندائه ومجرد خطابه، وإنما يكون عبادة إذا اشتمل على ما اشتملت عليه العبادة من الخضوع والإقرار بالألهية للمعبود، وأين هذا من دعاء النبي والأئمة والاستغاثة بهم نظراً إلى أنهم مأذونين في الشفاعة ولهم القرب والمنزلة والدعوة المستجابة عند السلطان كالمقربين؟.

وقد أسمعناك ما في حديث بلال ورواية ابن حنيف ودعاء الضرير من القول: يا محمد إني أتوجه إليك.
عدم كون النداء دعاء وعبادة


فإن قلت: دعاء المخلوق عبادة لاشتماله عن الخضوع والمذلة أولا لازمة كون السؤال من الأحياء أيضاً شركا. وثانياً المنع عن اشتمال مطلق سؤال الأنبياء والأولياء على ما اشتملت عليه العبادة إلا عند الغالين فيهم، كمن اتخذ عيسى وموسى إلهين من دون الله. وثالثاً المنع عن كون مطلق الخضوع والذل من لوازم العبادة لو لم يكن بين يدي المعبود، ولذا أمر الله تعالى الولد بخفض الجناح لوالدية على وجه الذل بقوله: واخفض لهما جناح الذل.

قال الرازي في تفسير قوله تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) أنه تعالى بدأ بذكر الأمر بالتوحيد وثنى بطاعة الله وثلث بالبر بالوالدين، وهذه درجة عظيمة ومرتبة عالية في تعظيم هذه الطاعة. أي طاعة الوالدين.

المراد من العبادة الطاعة


ورابعاً: ما عن ابن عبد الوهاب وأتباعه حيث جعلوا إطاعة غير الله عبادة له وشركا لله. قال في كشف الشبهات: متى دعوت الله ليلا أو نهاراً خوفاً أو طمعاً ثم دعوت في تلك الحاجة نبياً أو ولياً أشركت في عبادة الله غيره حيث أطعت غيره.

فإنه يتوجه عليه أولا أنه لو كان المراد من العبادة الامتثال والطاعة لزم شرك العبيد والزوجات حيث يجب عليهم امتثال أزواجهم ومواليهم وأي امتثال في الشرع أعظم من امتثال العبيد؟ حتى أن الله سلب عنهم القدرة


والاختيار في جنب سيدهم لقوله سبحانه: (عبداً مملوكا لا يقدر على شئ) فهل يتوهم أن الله تعالى حيث أمرهم بهذه الطاعة جعل لنفسه المقدسة شريكا في العبادة. وثانياً أنه لو كان من العبادة الامتثال والطاعة يتوجه على ابن عبد الوهاب سؤال أنه هل يجوز مثل الطاعة لغير الله تعالى أم لا؟ فإن قلت: لا فقد أبطلت قول الله تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) وإن قلت: نعم؛ عبدت المخلوق وخالفت ربك فيما نهاك عنه. وإن قلت: لا تنفعك إطاعة الرسول وإطاعة أولي الأمر عن إطاعة الله. قلنا: ما الوجه في ذلك؟ هل هو يجعل من المخلوق أو يجعل من الخالق؟ فإن قلت بالأول، رجعت إلى عبادة الصالحين، وأن قلت: أنه يجعل من الله تعالى وإذنه ورضاه. قلنا: إن شفاعة الأنبياء وكونهم وسيلة إلى الله تعالى أيضاً يجعل من الله تعالى، فيكون الاستشفاع والتوسل بهم ـ حقيقة ـ عبارة عن الاستعانة بالله في طلب الحاجة منه بشفاعة عبده المقرب عنده.
[/align][/color]