[align=CENTER][color=black]
المسألة السابعة
في هدم المساجد المشيدة حول المراقد المشرفة
مذهب الوهابية على وجوب هدم المساجد المبنية حول المراقد المشرفة واحتجوا لذلك: بأنها أسست على غير تقوى من الله، وبحديث عائشة: أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا النبي صلى الله عليه وآله وسلم كنيسة رأتاها بأرض الحبشة فيها تصاوير، فقال رسول الله: إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة.
وقال الإمامية ـ بل وسائر المسلمين ـ على جواز البناء وحرمة الهدم، لكونها من مساجد الله الواجب تعظيمها، نظير مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمسجد الأموي وبيت المقدس الذي دفن فيه كثير من الأنبياء من ولد إسحق، وعليه السيرة القطعة أيضاً، وفتوى العلماء بأن من اتخذ فسحة منالمكان مسجداً ولو كان في ناحية القبر ـ نظير مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبره وقبر أبي بكر وعمر ـ جاز ذلك" كما عرفته من كلام البيضاوي وجلال الدين السيوطي.
والجواب عن الرواية:
أولا: أنها معارضة بما في البخاري وغيره من قوله صلى الله عليه وآله وسلم «جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً أينما أدرك رجل من أمتي الصلاة صلاها»، وبأنه لما مات الحسن بن علي عليه السلام ضربت امرأته قبة على قبره إلى سنة فإنه يدل على جواز الصلاة في ناحية القبر بالملازمة الواضحة.
وثانياً: أن كون النصارى واليهود شرار الخلق ليس من جهة بناء المسجد على القبر، وإلا لما مدح الله تعالى المؤمنين بقوله: (وقال الذين غلبوا على
\
أمرهم لنتخذن عليهم مسجداً) بل لأن اليهود والنصارى زادوا على كفرهم كفراً آخراً، حيث أشركوا لأجل تعظيمهم صور الصالحين منهم بجعلها في معابدهم نظير الأصنام المعلقة في الجاهلية على الكعبة.
وأين هذا ممن جعل فسحة من الأرض مسجداً لا يريد به غير التوجه إلى الله ولا تعظيم أحد غير الله؟
والكتاب العزيز ناطق بجوازه، ففي تفسير الجلالين: «وقال الذين غلبوا على أمرهم» وهم المؤمنون و «لنتخذن عليهم» أي حولهم «مسجداً» يصلى فيه، وفعل ذلك عن باب الكهف.
وفي تفسير الرازي «لنتخذن عليهم مسجداً» نعبد الله فيه ونستبقى آثار أصحاب الكهف يسبب ذلك ـ انتهى.
وإذا جاز اتخاذ المسجد على باب الكهف بنص القرآن استبقاء للأثر من دون أن يكون شركا، فها نحن نعمل بما جوزه القرآن إلى أن يثبت بنص ـ يعتمد عليه ـ النسخ أو التخصيص المخرج عن حكمه.
-----------------------------------------------------------------------
خاتمة
مباينة الوهابية لسائر المسلمين
في بيان ما عليه الطائفة الوهابية، وهي عدة أمور اتخذوها شعاراً لهم، منها مباينتهم مباينة عظيمة لسائر طوائف المسلمين، حتى إنهم جعلوا ديارهم ديار توحيد وديار غيرهم ديار شرك، كما هو دأب الخوارج في أصول مذهبهم. وهذه مباينة مذمومة شرعاً، كيف لا وهي تفرق منهى عنه في قوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) وقوله سبحانه: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء) .
وفي البخاري في كتاب الفتنة عن حذيفة بن اليمان قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني. فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: هم من أهل جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم. قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرقة كلها.
وليت علماء الوهابية الذين ألفوا رسائل في أصول التوحيد وبينوا فيها أنواع الشرك والكفر يعدون من أقسام الكفر كفر التفرقة عن الجماعة، نظراً إلى قوله تعالى (لست منهم في شيء) وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «من فارق الجماعة قدر شبر فقد خلع ربقة الإسلام».
ومنها: أن الوهابية أصحاب الزلازل والفتن بنص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كما
في البخاري في كتاب الفتن عن أبي عمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال مرتين: اللهم بارك لنا في يمننا، اللهم بارك لنا في شامنا. قالوا: وفي نجدنا؟ قال: هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان.
وفيه أيضاً عن سالم عن أبيه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال إلى جنب المنبر فقال: الفتنة ههنا من حيث يطلع قرن الشيطان.
وأيضاً عن نافع عن ابن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو مستقبل المشرق يقول: ألا إن الفتنة ههنا من حيث يطلع قرن الشيطان.
وفي شرح السنة عن عقبة ابن عمر قال: أشار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده نحو اليمن وقال: الإيمان ههنا، إلا أن القسوة وغلظ القلوب في الفدادين عند أصول أذناب الإبل حيث يطلع قرن الشيطان.
في شرك المحبة والرد عليه
ومنها: أنهم جعلوا من أقسام الشرك «شرك المحبة» كما في كتاب مجموعة التوحيد، واستندوا في ذلك إلى قوله سبحانه: (ويجعلون لله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله) .
وفيه: أنه لم يتحصل معنى لما جعلوه شركا، فإن أرادوا أن مجرد محبة غير الله شرك لزم عليهم شرك المسلمين جميعاً لمحبتهم آبائهم وأولادهم وأموالهم وأحبائهم، ولم يقل به أحد ولم يأت به شرع، وإن أرادوا أن المحبة ينتهى بها الأمر إلى عبادة المحبوب من الأنبياء والصديقين، قلنا: إن الانتهاء إليها ممنوع ولاملازمة إلا عند الغلاة، وما عداهم من المسلمين لا يعبدون من يحبونه
من نبي أو صديق بل يحبونهم لحب الله، لا إنهم يحبونهم كحب الله، فلا يجدون في أنفسهم إلا هذا المقدار من المحبة والمودة للأنبياء والأولياء. ولذا لم يقولوا في حقهم إلا ما قاله الله ولا يثبتون لهم إلا ما أثبته الله من القرب والمنزلة ورضى لهم من الشفاعة.
والعجب أن لو سئل من الوهابية: إنكم تحبون رسول الله؟ فيقولون نعم، مع أن محبتهم للنبي لا ينتهي الأمر بهم إلى الشرك الخفي، فكيف تنتهي محبة غيرهم لولي أو صديق أو إمام معصوم إلى الشرك؟
ومنها: أجتراؤهم على الله ورسوله بهدم القباب الطاهرة لأئمة البقيع الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وأن ذلك منهم إنكار لمودة ذي القربى التي هي من الضروريات الثابتة بالكتاب والسنة لقوله تعالى: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى) فأقدمت جماعة من الأعراب على تخريب قبور أهل بيت رسول الله، كما أقدمت السابقة منهم على قتلهم، كم ترك الأول للآخر. وكم اقتفى المتأخر أثر المتقدم؟ فتركوا جميعاً وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أهل بيته وراء ظهورهم.
هذا مع أن في الهدم بعد البناء من هتك احترام الميت ما لا يخفى…
كيف لا والحال اتفقت المذاهب على أن المشي على قبر المؤمن والاتكاء به والجلوس عليه هتك لحرمته؟ فبالأولوية القطعية يكون هدمه وتخريبه هتكاً لها.