بسم الله الرحمن الرحيم .
اللهم صل على سيدنا محمد عبدك و رسولك النبي الأمي و على آله و صحبه و سلم .
____________________
ومن النماذج المنقولة عن أحمد في كتب الحنابلة التي بالغ فيها في التكفير ما يلي:
1. قوله إن صدق الحنابلة في النقل عنه: (من زعم أن القرآن مخلوق فهو جهمي كافر ومن زعم أن القرآن كلام الله ووقف ولم يقل ليس بمخلوق فهو أخبث من قول الأول ومن زعم أن ألفاظنا به وتلاوتنا له مخلوقة والقرآن كلام الله فهو جهمي ومن لم يكفر هؤلاء القوم كلهم فهو مثلهم)([56])!!
أقول: ولا ريب أن هذا القول المنسوب لأحمد فيه غلو في التكفير لعله الأساس الذي بنى عليه الحنابلة التكفير حتى اشتهر الحنابلة بالتكفير والتبديع وكان الصوت المغالي هو العالي المسموع أما الصوت المعتدل فيهم فكان خاملاً نادراً.
على أية حال إن صحَّ هذا القول وأمثاله عن أحمد فالإسلام أعلى من أحمد ومن غيره، ولا يصح أن ننسب هذه الأخطاء للإسلام فالمعتزلة كلهم يقولون بخلق القرآن وليسوا كفاراً فضلاً عمن اقتصر على الألفاظ القرآنية بأن القرآن كلام الله ووقف عن الجدل فيما لم يبينه الله ولا رسوله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) فضلاً عن الأشاعرة وجمهور أهل السنة من الشافعية والمالكية والأحناف الذين يقولون بخلق اللفظ، فالقول السابق يلزم منه تكفير كل الأمة إلا الحنابلة ولا يخفى خطورة مثل هذا القول.
2. قوله ـ رحمه الله ـ إن صدق الحنابلة في النقل عنه: (ما أحد على أهل الإسلام أضر من الجهمية ما يريدون إلا إبطال القرآن وأحاديث رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)([57])!!
أقول: من أراد إبطال القرآن فهو كافر بلا شك لكن علم النيات ليس لأحمد ولا لغيره من البشر.
3. ومن أقواله ـ رحمه الله ـ إن صدق الحنابلة في النقل عنه: (من قال لفظه بالقرآن مخلوق فهو جهمي مخلد في النار خالداً فيها)([58])!!
أقول: غفر الله لأحمد وسامحه فالقول إن صحَّ عنه فهو يشبه التألي على الله عز وجل فالقول بأن اللفظ بالقرآن مخلوق هو قول الكرابيسي والإمام البخاري وغيرهم من كبار علماء أهل السنة، بل المذاهب الإسلامية كلها على هذا تقريباً إلا الحنابلة، ثم ما الذي أعلمه أو أعلم غيره بأن أمثال هؤلاء ـ إن دخلوا النار ـ فلن يخرجوا منها؟!
ومما ينسب إليه ـ رحمه الله ـ في تكفير المعيَّن ما نقله المروذي ـ إن صدق في النقل عنه ـ قال: (قلت لأبي عبد الله ـ يعني أحمد بن حنبل ـ إن الكرابيسي ـ أحد علماء الشافعية ـ يقول: من لم يقل لفظه بالقرآن مخلوق فهو كافر، فقال أحمد: بل هو الكافر)([59])!!
أقول: رحم الله هذين العالمين وسامحهما فقد ضيقا واسعاً وكفراً بعض أهل القبلة المقطوع بإسلامهم.
4. ونقل عن الحنابلة ـ وعلى رأسهم الإمام أحمد ـ إستحلال دم من يقول بخلق القرآن([60])، وأنه لا يُسمع مِمَّن لم يكفرهم ولا يسلم عليه ولو كان من الأقارب ولا تشهد لهم جنائز ولا يعادون في مرضهم([61])!! هذا عقاب من لم يكفر القائلين بخلق القرآن فكيف بمن قال بذلك؟!
ولا ريب أن معظمنا اليوم لا يكفر من قال بخلق القرآن وإنما يبدعه أو يعده كفراً دون كفر ولا أعرف حنبلياً اليوم يكفر المعتزلة تكفيراً أكبر مخرجاً من الملة كما ينقل الحنابلة عن أحمد!! فعلى هذا نكون جميعاً كفاراً على مذهب أحمد!! وبهذا يتبين غلو الإمام أحمد في التكفير إن صحت عنه تلك النقولات([62])، وهذه جذور التكفير التي نتهيب من مناقشتها ونقدها فتضرر الإسلام بتحمله أخطاء البشر وتضررنا من هذا التكفير والتبديع المتبادل بين المسلمين.
5. والخطر أن التكفير عند أحمد وأصحابه هو التكفير المخرج من الملة وقد نقلنا عن أحمد قوله بتخليد هؤلاء في النار وهاهو أبو حاتم الرازي وهو من الحنابلة([63]) يقول: (من زعم أنه مخلوق مجعول ـ يعني القرآن ـ فهو كافر كفراً ينقل به عن الملة!! ومن شك في كفره ممن يفهم ولا يجهل فهو كافر)([64])!!
6. وقول أحمد، إن صحَّ ما نقله الحنابلة عنه: (الجهمية افترقت ثلاث فرق فقالت طائفة منهم: القرآن كلام الله مخلوق وقالت طائفة: القرآن كلام الله وسكتت وهي الواقفة الملعونة!! وقال بعضهم: ألفاظنا بالقرآن مخلوقة، فكل هؤلاء جهمية كفار! يستاتبون فإن تابوا وإلا قتلوا)([65])!! و(.. أن من هذه مقالته إن لم يتب لم يناكح ولا يجوز قضاؤه ولا تؤكل ذبيحته)([66])!!
أقول: سبحان الله، تؤكل ذبيحة اليهودي والنصراني ولا تؤكل ذبيحة من رضي بالله رباً وبمحمد رسولاً وبالإسلام ديناً!! وأقام أركان الإسلام واجتنب المحرمات!!
سبحان الله كم جنت الخصومات المذهبية على حقائق الإسلام الكبرى حتى أصبح الإسلام الواضح طلسماً من الطلاسم لا يعرفه العلماء ولا العامة حاشا قلة من الغرباء الذين صلحوا عند فساد الناس وقد أخبر النبي (ص) أن من خصائصهم أنهم لا يجدون على الحق أعواناً وصدق ـ بأبي هو وأمي ـ فنحن نكتب مثل هذا الكلام ونحن نخشى من الصدع بهذا الحق الواضح، بينما الأقوال المنكرة السابقة المخالفة لمبادئ الإسلام تجد من يدافع عنها وينشرها حتى وإن كان المدافع أول من ينكرها بقلبه!! لكنه التعصب للمذاهب والأشخاص الذي غرس التنازع بين المسلمين طيلة هذه القرون وأصبح الذاب عن الشرع مبتدعاً مذموماً والمتعصب للخصومات المذهبية والأقوال الباطلة سنياً صلب المعتقد!!.
7. ومن أقواله، إن صحَّ ما نقله الحنابلة عنه: (الحسين الكرابيسي عندنا كافر)([67])!!
أقول: هو من كبار علماء الشافعية ومن أهل الجرح والتعديل، وهذا تكفير للمعين وهو خلاف النصوص الشرعية لأن الكرابيسي متأول ولم يكن من القائلين بخلق القرآن ولو كان منهم لما جاز تكفيره أيضاً وإنما يجوز تخطئته والرد عليه بالأدلة والبراهين.
8. وعندما علم الإمام أحمد أن ابن أبي قتيلة ذم أصحاب الحديث بقوله أنهم: (قوم سوء) قام أحمد بن حنبل وهو يقول: (زنديق، زنديق، زنديق)([68])!!
أقول: من نقد أهل الحديث هذا النقد التعميمي دون تفصيل فهو مخطئ وقد يكون آثماً لكن لا يعتبر زنديقاً!! لأن الزنديق كافر وكان أهل الرأي (الفقهاء)، فضلاً عن غيرهم يذمون أهل الحديث وكان أهل الحديث يذمون أهل الرأي، وكذلك كان يذم أهل الحديث بعض أصحاب الحديث كسفيان الثوري وشعبة فلا يجوز أن نقول عنهم زنادقة فهم شيوخ شيوخ أحمد ولولاهم وأمثالهم لما كان أحمد من أهل الحديث.
9. ومن غلو أحمد في هذا الجانب ـ إن صحَّ النقل عنه ـ أنه عندما سأله رجل (أصلي خلف من يشرب المسكر؟ قال: لا، قال الرجل: فأصلي خلف من يقول القرآن مخلوق؟ قال أحمد: سبحان الله: أنهاك عن مسلم تسألني عن كافر)([69])!!
أقول: سبحان الله كيف أدت الخصومة بأحمد رحمه الله لأن يبالغ في أمرٍ السكوت عنه أولى، وأدلته مظنونة غير قطعية الدلالة ويراه أعظم إثماً من أمر أجمع أهل الإسلام قاطبة على تحريمه ولم يتنازعوا فيه وأدلته قطعية من القرآن والسنة.
ومن الأقوال الغالية المنسوبة لأحمد قوله: (الواقفي لا تشك في كفره)([70]). والواقفي هو من قال: القرآن كلام الله ووقف عند النصوص، فكيف يكون هذا كافراً بلا شك؟!
10. وقوله: (يستعان باليهود والنصارى ولا يستعان بأهل الأهواء)([71]).
11. وسئل عن رجل يشتم رجلاً من أصحاب النبي (ص) فقال: (ما أراه على الإسلام)([72]).
أقول: كان النواصب الأمويون يلعنون علياً([73]) على المنابر فهل كانوا كفاراً ؟! أم أن السب الذي يكفر به المسلم المقصود به سب الطلقاء من بني أمية؟!
البربهاري الحنبلي وتكفير المسلمين!!
وقال الحسن البربهاري إمام الحنابلة في عصره (ت329ه) وننعته نحن بأنه: إمام أهل السنة والجماعة في عصره!! قال في كتابه (شرح السنة)، طبعة دار الغرباء الأثرية!! قال في المقدمة: (اعلموا أن الإسلام هو السنة والسنة هي الإسلام) وهذا يلزم منه أن من لم يكن سنياً فليس بمسلم!! وليته يقصد سنة النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) حتى نعذره في قوله ولكنه يريد السنة المغالية عند الحنابلة في تكفير الفرق المخالفة لهم تلك السنة التي رأيتم بعض ملامحها في كتاب عبد الله بن أحمد وسترون مزيداً من الملامح عند البربهاري نفسه أثناء الأمثلة التالية:
قال ص(109) مكفراً كل من خالف شيئاً مما ألفه في كتابه شرح السنة : (فإنه من استحل شيئاً خلاف ما في هذا الكتاب فإنه ليس يدين الله بدين وقد رده كله!!) وشبه كتابه ـ الجامع للبدع والأحاديث الموضوعة والأقوال الباطلة ـ بالقرآن الكريم عندما قال: (كما لو أن عبداً آمن بجميع ما قال الله إلا أنه شك في حرف، فقد ردَّ جميع ما قال الله وهو كافر)!! سبحان الله؟! أية سنة يا ترى يدعو لها البربهاري؟!!([74]
__________
يتبع باذن الله تعالى.