عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 25-06-2003, 03:47 PM
البارجة البارجة غير متصل
دكتوراة -علوم اسلامية
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2003
المشاركات: 228
إفتراضي



.ومن عهد له كتبه للأشتر النخعي لما ولاه مصر وأعمالها: (وليكن أبعد رعيتك منك وأشنؤهم (أبغضهم) عندك أطلبهم لمعائب الناس، فإن في الناس عيوباً الوالي أحق من سترها. فلا تكشفنّ عما غاب عنك منها فإنما عليك تطهير ما ظهر لك، والله يحكم على ما غاب عنك. فاستر العورة ما استطعت يستر الله منك ما تحب ستره من رعيتك...)(15).

وفي مواقف مميزة يؤكد عبرها عزمه على حماية الإنسان من تعسف السلطة يقول الإمام علي(ع) من كتاب له إلى الأشعث بن قيس عامل أذر بيجان: (ليس لك أن تفتات (تستبد) في رعية ولا تخاطر إلا بوثيقة، وفي يديك مال من مال الله عز وجل وأنت من خُزانه...)(16)

وفي توجيه له لأحد ولاته يقول: (... ولا تندمنّ على عفو، ولا تبجحنّ (تعزمن) بعقوبة، ولا تسرعنّ إلى بادرة، وجدت منها مندوحة، ولا تقولن إني مؤمّر آمر فأطاع فإن ذلك إدغال في القلب ومنهكة للدين، وتقرب من الغير (حادثات الدهر بتبدل الدول)(17) ويتابع آمراً الحاكم: (أنصف الله وأنصف الناس من نفسك ومن خاصة أهلك ومن لك فيه هوى من رعيتك، فإنك إلا تفعل تظلم، ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده، ومن خاصمه الله أدحض حجته (أبطل) وكان لله حرباً حتى ينزع ويتوب)(18) وفي صرخة مدوية في وجه السلطات الظالمة، يخاطب الناس بقوله: (... لا يزالون بكم حتى لا يتركوا منكم إلا نافعاً لهم أو غير ضائر بهم. ولا يزال بلاؤهم حتى لا يكون انتصار أحدكم منهم إلا كانتصار العبد من ربه والصاحب من مستصحبه (التابع من متبوعه) ترد عليكم فتنتهم شوهاء مخشّية (قبيحة المنظر) وقطعاً جاهلية)(19).

وفي مجال حفظ عقل الإنسان وتوفير التعليم المناسب له كأحد حقوقه وواجباته (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة)(حديث شريف) يقول الإمام علي(ع) موجهاً عبد الله بن عباس، عامله على البصرة: (...واجلس لهم العصرين، فأفت المستفتي وعلم الجاهل وذكر العالم...)(20).

ومن كلام له عليه السلام لكميل بن زياد النخعي: (يا كميل العلم خير من المال، والعلم يحرسك، وأنت تحرس المال، المال تنقصه النفقة والعلم يزكو على الانفاق وصنيع المال يزول بزواله.

يا كميل العلم دين يدان به، به يكسب الإنسان الطاعة في حياته وجميل الأحدوثة بعد وفاته، والعلم حاكم والمال محكوم عليه)(21).

ومن خطبة له: (فإن العامل بغير علم كالسائر على غير طريق. فلا يزيده بعده عن الطريق إلا بعداً من حاجته والعامل بالعلم كالسائر على الطريق الواضح، فلينظر ناظر أسائر هو أم راجع...)(22).

ومن خطبة أخرى موجهاً العلماء: (...فإن العالم العامل بغير علمه كالجاهل الحائر الذي لا يستفيق من جهله، بل الحجة عليه أعظم والحسرة له ألزم، وهو عند الله ألوم)(23) وأما عن حفظ المال وهو من حق الناس على السلطة، فيقول من كلام له لما عوتب على التسوية في العطاء: (ألا وإن إعطاء المال في غير حقه تبذير واسراف، وهو يرفع صاحبه في الدنيا ويضعه في الآخرة ويكرمه في الناس ويهينه عند الله)(24) ويقول محذراً شريح بن الحارث القاضي: (فانظر يا شريح لا تكون اتبعت هذه الدار من غير مالِك، أو نقدت الثمن من غير جلالك فإذاً أنت قد خسرت دار الدنيا ودار الآخرة...)(25).

ومن كتاب له(ع) إلى بعض عماله متوعداً: (وإني أقسم بالله قسماً صادقاً لئن بلغني أنك خنت من فيء المسلمين شيئاً صغيراً أو كبيراً لأشدّنّ عليك شدة تدعك قليل الوفر (المال) ثقيل الظهر ضئيل الأمر (ضعيف) والسلام...)(26) وعن حق الفرد أن ينال كفايته ومسؤولية الدولة عن المحتاجين ورعايتهم يقول في خطبة له مستنكراً: (اضرب بطرْفك حيث شئت من الناس فهل تبصر إلا فقيراً يكابد فقراً أو غنياً بدّل نعمة الله كفراً، أو بخيلاً اتخذ البخل بحق الله وفراً...)(27) ومن كتاب له إلى زياد بن أبيه وهو خليفة عامله عبد الله بن عباس على البصرة، مؤنباً: (... وتطمع - وأنت متمرغ في النعيم تمنعه الضعيف والأرملة - أن يوجب لك ثواب المتصدقين، وإنما المرء مجزي بما أسلف وقادم على ما قدم. والسلام...)(28) وعن حق الفرد في الرعاية الاجتماعية والصحية يأمر قُثَم بن العباس وهو عامله على مكة: (وانظر إلى ما اجتمع عندك من مال الله فاحزمه إلى من قبلك من ذوي العيال والمجاعة مصيباً به مواضع الفاقة والخلاّت، وما فضل عن ذلك فاحمله إلينا لنقسمه فيم قبلنا...)(29).

وأما حمايته للملكية الخاصة فقد ظهر من خلال كتبه إلى عدد من عماله يحضهم فيها على المحافظة على أملاك الناس وينذر من تجرّأ منهم على مصادرتها: (بلغني أنك جردت الأرض فأخذت ما تحت قدميك وأكلت ما تحت يديك، فارفع إلى حسابك، واعلم أن حساب الله أعظم من حساب الناس)(30).

ويقول لآخر موبخاً: (... واختطفت ما قدرت عليه من أموالهم المصونة لأراملهم وأيتامهم اختطاف الذئب الأزلّ (السريع الجري) دامية (المجروحة) المِعزى الكسيرة (المكسورة)...)(31).

ومن كتاب له إلى عماله على الخراج: (ولا تجشموا (تقطعوا) أحداً عن حاجته ولا تحبسوه عن طلبته... ولا تمسُّنَّ مال أحد من الناس مصلٍّ ولا معاهد...)(32).

وعن رأفته بالعمال وحمايتهم يوجه أحد ولاته على مصر بقوله:

(ثم الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم والمساكين والمحتاجين وأهل البؤس والزمنى (شدة الفقر)، فإن في هذه الطبقة قانعاً ومعتراً (المتعرض للعطاء بلا سؤال)، واحفظ لله ما استحفظك من حقه فيهم واجعل لهم قسماً من بيت مالك وقسماً من غلات صوافي الإسلام (ارض الغنيمة) في كل بلد)...(ج3، ص100-101) ويتابع قائلاً: (فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول في غير موطن: (لن تقدّس امة لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي غير متتعتع (غير خائف))(33) وفي قمة غضبه من أولئك المسؤولين الذين تجرؤوا على العامل الفقير يقول: (...والله لو أن الحسن والحسين فعلا مثل الذي فعلت ما كانت لهما عندي هوادة ولا ظفرا مني بإرادة حتى آخذ الحق منهما وأزيح الباطل من مظلمتهما...)(34).

وعن المساواة بين بني البشر ونبذ التفرقة بين الأفراد واعتماد العدل يقول علي(ع) في كتاب له إلى الاسود بن قطيبة صاحب حُلوان: (...فليكن أمر الناس عندك في الحق سواء فإنه ليس في الجور عوض من العدل. فاجتنب ما تنكر أمثاله (لو صدر من غيرك)...)(35).

ومن كتاب له إلى بعض عماله: (واخفض للرعية جناحك، وآس (سوّ بينهم) في اللحظة والنظرة والاشارة والتحية، حتى لا يطمع العظماء في حيفك، ولا ييأس الضعفاء من عدلك...)(36).

حق الحاكم وحق المحكوم

وأما في واجب الشورى وحق الأمة في أن تختار حاكمها وأن تراقبه وتحاسبه وتعزله فهو يفتخر بأن الناس اختاروه بملء ارادتهم: (... وبايعني الناس غير مستكرهين ولا مجبرين بل طائعين مخيرين...)(37).

ومن كلام له في وصف بيعته بالخلافة يقول مخاطباً الناس: (وبسطتم يدي فكففتها، ومددتموها فقبضتها، وبلغ من سرور الناس ببيعتهم إياي أن ابتهج بها الصغير هدج إليها الكبير، وتحامل نحوها العليل، وحسرت إليها الكعاب (البنت حين يبدو ثدييها للنهود)(38).

وعن نزوله على رأي قومه ولو خالف رأيه يقول: (لقد كنتُ أمس أميراً فأصبحت اليوم مأموراً، وكنت أمس ناهياً فأصبحت اليوم منهياً. وقد أحببتم البقاء وليس لي أن أحملكم على ما تكرهون)(39).

وفي تفصيل حق الحاكم على الرعية وحق الرعية على الحاكم يقول في خطبة له: (وأعظم ما افترض سبحانه من تلك الحقوق حق الوالي على الرعية وحق الرعية على الوالي، فريضة فرضها الله سبحانه لكل على كل، فجعلها نظاماً لألفتهم وعزاً لدينهم. فليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاة، ولا تصلح الولاة إلا باستقامة الرعية، فإذا أدت الــــرعية إلى الوالي حـــقه وأدى الوالي إليها حقها، عز الحق بينهم، وقامت مناهج الـــدين واعتدلت معالم العدل...)(40) وعن العلاقة التي ينبغي أن تقوم بين الحاكم والرعية يقول: (...فلا تكلموني بما يتكلم به الجبابرة ولا تتحفظوا مني بما يتحفظ به عند أهل البادرة (أهل الغضب) ولا تخالطوني، بالمصانعة (المداراة) ولا تظنوا بي استثقالاً في حق قيل لي ولا التماس إعظام لنفسي. فإنه من استثقل الحق أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه...)(41).

أما عن رفضه كل الأوضاع الجائرة أو الحائدة عن منهج الله فيقول(ع): (أتأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن ولّيت عليه، والله ما أطور به ما سمر سمير بما آمر به ولا أقاربه مدى الدهر)، وما أمَّ نجم في السماء نجماً (ما قصد)...)(42) ويقول في موضع آخر: (ولئن أمهل الظالم فلن يفوت أخذه، وهوله بالمرصاد على مجاز طريقه، وبموضع الشجى من مساغ ريقه)(43) وفي مواجهته للظلم والباطل يقسم متوعداً: (وأيم الله لأبقرنّ الباطل حتى أخرج الحق من خاصرته).

ومن خطبة له يتحدث عن الوفاء والغدر يقول: (إن الوفاء توأم الصدق ولا أعلم جنّة أوقى منه. ولا يغدر من علم كيف المرجع...)(44).

ويوجه رسالة إلى أحد ولاته محذراً إياه من الظلم والعدوان:

(وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم، ولا تكوننّ عليهم سبعاً ضارباً تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق)(45).

إنه الموقف الواضح والفكر الذي يفصح عنه، إنه (نهج البلاغة) للإمام علي(ع)، إنه وثيقة جامعة تعالج الإنسان داعية إياه إلى المطالبة بكامل حقوقه التي أوجبها الله له، ومستحثة إياه كي يؤدي واجباته تجاه خالقه ونفسه ومجتمعه والبشرية جمعاء، محذرة من أي تلكؤ أو تساهل بداعي الخوف أو الضعف.

إننا ونحن نتحدث عن حقوق الإنسان نستكشف الفروق بين موقف الغرب ورؤية الإسلام الذي يهتم بالإنسان كإنسان فيأخذ بيده صوب الطريق الذي يحفظ عليه إنسانيته وكرامته وحريته.

و(نهج البلاغة) الذي كنا بصدد البحث عن مكنوناته، خير معبر عن هذا التوجه الرباني الخلاق.

فنرجوا الله أن يثبتنا على الحق ويهدينا سواء السبيل ويعيذنا من شرور أنفسنا وينصرنا على عدوه وعدونا، إنه نعم المولى ونعم النصير وبالإجابة جدير.

--------------------------------------------------------------------------------

1 - نهج البلاغة، شرح الشيخ محمد عبده، دار المعرفة، بيروت، ج2، ص52.
__________________
البارجة هي استاذة فلسفة علوم اسلامية ,
إلى الكتاب و الباحثين
1- نرجو من الكاتب الإسلامي أن يحاسب نفسه قبل أن يخط أي كلمة، و أن يتصور أمامه حالة المسلمين و ما هم عليه من تفرق أدى بهم إلى حضيض البؤس و الشقاء، و ما نتج عن تسمم الأفكار من آثار تساعد على انتشار اللادينية و الإلحاد.

2- و نرجو من الباحث المحقق- إن شاء الكتابة عن أية طائفة من الطوائف الإسلامية – أن يتحري الحقيقة في الكلام عن عقائدها – و ألا يعتمد إلا على المراجع المعتبرة عندها، و أن يتجنب الأخذ بالشائعات و تحميل وزرها لمن تبرأ منها، و ألا يأخذ معتقداتها من مخالفيها.

3- و نرجو من الذين يحبون أن يجادلوا عن آرائهم أو مذاهبهم أن يكون جدالهم بالتي هى أحسن، و ألا يجرحوا شعور غيرهم، حتى يمهدوا لهم سبيل الاطلاع على ما يكتبون، فإن ذلك أولى بهم، و أجدى عليهم، و أحفظ للمودة بينهم و بين إخوانهم.

4-من المعروف أن (سياسة الحكم و الحكام) كثيرا ما تدخلت قديما في الشئون الدينية، فأفسدت الدين و أثارت الخلافات لا لشىء إلا لصالح الحاكمين و تثبيتا لأقدامهم، و أنهم سخروا – مع الأسف – بعض الأقلام في هذه الأغراض، و قد ذهب الحكام و انقرضوا، بيد أن آثار الأقلام لا تزال باقية، تؤثر في العقول أثرها، و تعمل عملها، فعلينا أن نقدر ذلك، و أن نأخذ الأمر فيه بمنتهى الحذر و الحيطة.

و على الجملة نرجو ألا يأخذ أحد القلم، إلا و هو يحسب حساب العقول المستنيرة، و يقدم مصلحة الإسلام و المسلمين على كل اعتبار.

6- العمل على جمع كلمة أرباب المذاهب الإسلامية (الطوائف الإسلامية) الذين باعدت بينهم آراء لا تمس العقائد التي يجب الإيمان