تاسعاً: خاتمة: الدعاء و الجهاد
وبعد أن عرفنا آداب الدعاء وفضله ومكانته، وجب علينا أن نعلم أهمية الدعاء في الجهاد، فالمسلم حياته كلها جهاد. والمتأمل في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم ليذهله شأن الدعاء واهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بهذه العبادة اهتماماً كبيراً في غزواته ودعوته وجهاده وكافة أموره.
وها هو الإمام الشافعي رحمه الله يحذرنا من الاستهانة بأمر الدعاء قائلاً
أتهزأُ بالدعـاء وتزدريــه وما تدري بما فعل الدعـاءُ
سهام الليل لا تخطئ ولكن لها أجلٌ وللأجل القضـاءُ
وكأن الإمام الشافعي يحثنا على تحمل هم الدعاء والإخلاص فيه، وكأنه يكمل على درب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قال: (إني لا أحمل هم الإجابة ولكني أحمل هم الدعاء).
وقد اهتم رسولنا بشأن الدعاء في الكثير من غزواته وكافة أموره. فها هو صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر يرفع يديه الى المولى جل وعلا متضرعاً (اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك ، اللهم إن شئت لم تُعبد ).
وها هو في غزوة الأحزاب يبتهل إلى الله: (اللهم مُنزل الكتاب سريع الحساب، اهزم الأحزاب، اهزمهم وزلزلهم)
وروي أنه قال قبل التهيؤ لفتح مكة : ( اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها )
هكذا كان شأنه صلى الله عليه وسلم في غزواته : اجتهاد في الدعاء ، وابتهال لرب العباد. تثبيتاً لقلوب أصحابه وشفقة منه عليهم ومحبة لهم وخوفاً على مسيرة الدعوة وهي في مراحلها الأولى من التأخير والانهزام.
وإن لعبادة التضرع والدعاء في الجهاد فضلها وثمارها اليانعة فهي:
اولاً : سبب للثبات والنصر
قال تبارك وتعالى "وكأين من نبي قاتل معه ربيّون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين. وما كان قولَهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين. فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين".
ثانيا: موطن من مواطن الإجابة
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ثنتان لا تُردَّان أو قلَّما تُردان : الدعاء عند النداء ، وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضاً).
ثالثاً : تربية على الإخلاص
فعندما يرفع المؤمن المجاهد يديه الى الله متضرعاً بالدعاء سائلاً الله النصر والتوفيق تصفو سريرته، وتخلص عبادته ويتخلص من آفات السمعة والرياء في جهاده، وتتربى نفسه على التعلق بالله وقصده في الشدة والرخاء.
رابعاً: نصرة للمظلوم
ذلك أنه عندما يرفع المجاهد الى الله شكواه ممن ظلمه ويلجأ إليه في محنته، بخشوع وصدق وإخلاص، فإن أبواب السماء تفتح لدعوته التي ليس بينها وبين الله حجاب، فيزلزل الله عروش الطواغيت والظلمة الذين افسدوا في الأرض.
خامساً : تربية على التوحيد
ذلك أنه عندما يلجأ العبد الى ربه يدعوه ولا يسأله غيره، ولا يطلب العون إلا منه سبحانه، موقناً واثقاً بربه وأنه لن يجيره من أغلال الظلم والشر إلا هو سبحانه فيتعلم معنى أنه وحده مالك الملك، ومعنى " إياك نعبد وإياك نستعين" فلا معين ولا ناصر ولا مجير سوى الله العزيز القدير.
إلهي .. ما سألتُ سواك هديـاً فحسبيَ الهُدى من ربٍ بصـير
إذا لم أستعن بـك يــا إلهي فمن عوني سواك ومن مُجـيري
فما أحوجنا اليوم ونحن نسير على درب الله... درب الجهاد والدعوة، مع قلة الناصر وجبروت الظلمة والطواغيت أن نستعين بهذه العبادة العظيمة: عبادة " إياك نعبد وإياك نستعين"... ليحكم الله بيننا وبين القوم الظالمين بالحق وهو خير الحاكمين .. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
|