طيب هذا عرفنا مجهوده ولكن كيف نعرف الشيطان نريدها فى الخلوة فى حالة الانتقال من مقام المشاهدة الى مقام المكاشفة – كيف يرى هذا الشيطان ويصرفه يقول : الشيطان نار غير صافية ممتزجة بظلمات الكفر فى هيئة عظيمة وقد يتشكل أمامك كأنه زنجى طويل له هيبه يسعى كأنه يطلب الدخول فيك فإذا طلبت منه الانفكاك فقل فى قلبك ياغياث المستغيثين اغثنا فإنه يفر عنك – إنتهى كلام
الغزالى صفحة (27) من الجزء الرابع فى هذه المرحلة يعنى التخلص من النفس ومن الوجود ويلتحم بالوجود الكلى المطلق عندهم ومن الشيطان الذى يأتيه كما يقول فى صورة زنجى أسود طويل يريد أن يدخل فيه .
هذه المرحلة مقام المشاهدة يعرض للمريدين ويرون هذه الصور ويرون هذه الخيالات وماهى الا من خرافاتهم ولو أننا نملك وقتاً أطول لنقلنا كثيراً جداً من أمثال هذه الرؤى التى يرونها ليصلوا وينتقلوا من مقام المشاهدة الى مقام المكاشفة والتى بعدها يرون الرسول صلى الله عليه وسلم ويرون الله ويرون الحقائق كلها . لكن على كل حال من لم يمر بهذا الشئ فلايمكن أن يحصل له ذلك .
بقى موضوع الشطحات وهو عندما ينتقل الانسان الى مقام المكاشفة ويتعمق فى الكرامات والكشوفات يصل الى درجة الشطحات .
يقول الغزالى صفحة 19 من الجزء الثانى : العارفون بعد العروج الى سماء الحقيقة اتفقوا على أنهم لم يروا فى الوجود الا الواحد الحق يعنى الله فقط ليس فى الوجود الا هو – لكن منهم من كان له هذه الحالة عرفاناً علمياً ومنهم من صار له ذوقاً وحالاً وانتفت عنهم الكثرة بالكلية واستغرقوا بالفردانية المحضة واستهونت فيها عقولهم فصاروا كالمبهوتين فيه ولم يبق فيهم متسع لغير ذكر الله ولا ذكر أنفسهم أيضاً لم يبق عندهم الا الله فسكروا سكراً وقع دونه سلطان عقولهم ، فقال بعضهم أنا الحق (هلاس) وقال الآخر سبحانى ما أعظم شأنى ، وقال أخر مافى الجبة الا الله – وكلام العشاق فى حال السكر يطوى ولايحكى فلما خف عنهم سكرهم وردوا الى سلطان العقل الذى هو ميزان الله فى أرضه عرفوا أن ذلك لم يكن حقيقة الاتحاد بل يشبه الاتحاد – يعنى نحن نقرأ من بعض الصوفية يقول : أن الحلاج يستحق القتل – لماذا يقول أنه أباح بالسر قبل أن يصل الى الدرجة العليا ، الحلاج لم يصل الى الدرجة العليا بل رأى عوارض وبوارق كما يسمونها فقال أنا الحق فقتل أو يستحق القتل فى نظرهم لا لزندقته لا لدعوى انه هو الحق – لكن يقولون لانه لم يصل بعد ، صرح وباح بالسر ، قبل أن يصل بعد ، والغزالى يقول لم تحصل لهم حقيقة الاتحاد بل هذا يشبه الاتحاد ، ونتابع كلامه يقول مثل قول العاشق فى حال فرض العشق .
أنا من أهوى ومن أهـوى أنا *** نحن روحان حللنا بـدناً
وهذا من نداءات الحلاج فلا يبعد أن يفجأ الانسان مرآة فينظر فيها ولم ير المرآة فط فيظن أن الصورة التى رآها فى المرآة هى صورة المرآة متحدة بها – يشبه رؤيتهم لله كإنسان ينظر فى مرآة فنسى المرآة وظن أن الصورة التى رآها أمامه وهى عين الشئ المرئي بينما هو فى الحقيقة مجرد مرآة – ويقول أن بعض العارفين لم يصل الى درجة الاتحاد ولكن يظن أنه وصل اليها إنما هى كالمرآة ، او من يرى الخمرة فى كأس من الزجاج فيظن أنه وصل اليها إنما هى كالمرآة ، أو من يرى الخمرة فى كآس من الزجاج فيظن أن الخمرة لون الزجاج وصار ذلك عنده مألوفاً ورسخ فيه قدمه واستقر فيه فقال :
رق الزجـاج فراقت الخمــر *** وتشابها فتشاكل الامـر
فكأنمـا خمـر ولا قـــدح ***وكأنما قدح ولاخمــر
طبعاً استشهاد الصوفية بأبيات الخمر والعشق والغزل والنهود والقدود والخدود هذا لايحتاج الى تنبيه لانه دائم عندهم يقول وفرق بين أن يقال الخمر قدح وبين أن يقال كأنه قدح – يعنى أيضاً فرق بين من يقول أنه رأى الله أو كأنه رأى الله وتجلى له – ويقول وهذه الحالة إذا غلبت سميت بالاضافة الى صاحب الحال (فناء) بل فناء الفناء لانه فنى عن نفسه وفنى عن فنائه فإنه ليس يشعر بنفسه فى تلك الحال ولايعد شعوره بنفسه ، ولو شعر بعدم شعوره بنفسه لكان قد شعر بنفسه وتسمى هذه الحاله بالاضافة الى المستغرق فيها بلسان المجاز (اتحاداً) وبلسان الحقيقة (توحيداً) هذا هو توحيد الصوفية .
.. يتبع ..