عرض مشاركة مفردة
  #9  
قديم 03-07-2003, 07:28 PM
عابر سبيل عابر سبيل غير متصل
ابو معاذ
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2003
الإقامة: نيويورك
المشاركات: 2,259
إرسال رسالة عبر MSN إلى عابر سبيل
إفتراضي من معارك المسلمين في شوال

من معارك المسلمين في شوال

غزوة بني قينقاع

جاءت امرأة من العرب ببضاعة لتبيعها في سوق بني قينقاع، وجلست إلى صائغ يهودي، تريد أن تشتري منه، فاجتمع عليها اليهود، وطلبوا منها أن تكشف عن وجهها، فأبتْ، فعمد الصائغُ –خُفْيَة- إلى طرف ثوبها، فعقده إلى ظهرها، فلما قامتْ انكشفت سوأتها، فضحكوا منها، فصاحت، فوثب رجلٌ من المسلمين على الصائغ فقتله، فاجتمع اليهود على ذلك الرجل المسلم فقتلوه. فكان هؤلاء أول يهود نقضوا العهد الذي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك في منتصف شوال من السنة الثانية للهجرة، وكان ذلك بُعيد غزوة بدر.

استصرخ أهل المسلم الذي قتله اليهود النّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأراد النّبي صلى الله عليه وسلم أن يُذكّر اليهود بعهدهم، ويعطي عقلاءهم فرصة أخيرة لمراجعة موقفهم تجاه المسلمين، فانطلق إليهم، وجمعهم في سوق بني قينقاع، وخطب فيهم فقال: "يا معشر يهود، احذروا من الله مثل ما نزَلَ بقريش من النقمة وأسلِموا، فإنكم قد عرفتم أنّي نبيّ مرسل، تجدون ذلك في كتابكم، وعهد الله إليكم"، ولكنّ ذلك لم يزدهم إلاّ إصراراً على خيانتهم، مغترّين بما كانوا يملكون من قوة ومال، فقالوا للنّبي صلى الله عليه وسلم: يا محمّد، إنّك ترى أنّا قومك؟!، لا يغرّنّك أنّك لقيت قوماً لا علم لهم بالحرب، فأصبت منهم فرصة، إنّا والله لئن حاربناك لتعلمنّ أنّا نحن النّاس!.

فأنزل الله تعالى فيهم قوله: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ، وَبِئْسَ الْمِهَادُ. قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا، فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ، يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ، وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِي الأَبْصَارِ) (آل عمران:13).

فأمر النّبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بالانطلاق إلى حصون بني قينقاع، فحاصروهم فترة طويلة، حتّى انهارت قواهم، ونزلوا على حكم النبي صلى الله عليه وسلم.

ولما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يَحكم فيهم، جاءه عبد الله بن أُبَي بن سلول، زعيم المنافقين، وقال: يا محمّد، أحْسِن في مواليّ! (أي حلفائي وأصدقائي) فلم يلتفت إليه النّبي صلى الله عليه وسلم، فكرّر طلبه مرة ثانية، فأعرض عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، فأدخل عبد الله بن أبي يده في درع النّبي صلى الله عليه وسلم، فقال له صلى الله عليه وسلم: "أرسلني"، وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأوا لوجهه ظُلَلاً، ثم قال له: "ويحك أرسلني"، قال: لا أرسلك حتّى تُحسن في موالي: أربع مئة حاسر (أي من لا درع له) وثلاث مائة دارع (أي من يلبسون الدروع) قد منعوني الأحمر والأسود، تحصدهم في غداة واحدة؟ إنّي والله امرؤ أخشى الدّوائر. فقال له رسول الله e: "هم لك"، وأمرهم أن يخرجوا من المدينة ولا يُجاوروه بها. فخرجوا إلى أذرعات الشّام (درعا)، وهلك أكثرُهم فيها.

وكان لعبادة بن الصّامت، وهو من سادة الأنصار، حلف مع يهود بني قينقاع، مثل الذي لعبد الله بن أبيّ، فمشى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إنّني أتولّى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وأبرأ من حلف هؤلاء الكفّار وولايتهم.

فنزل فيه وفي عبد الله بن أبيّ قولُ الله تعالى: (يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ، بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ. وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ، إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ. فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ : نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ. فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ، فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ) (المائدة:51-52).



وقد أظهرت هذه الحادثة مدى الحقد الذي تكنّه صدور اليهود على المسلمين ودينهم، وقد ظهر هذا الحقد بشكل واضح بعد انتصار المسلمين في غزوة بدر الكبرى، والذي لم يكونوا يتوقّعونه، فضاقت صدورهم بما احتوته من الغيظ والأحقاد، ولم يجدوا إلاّ أنْ يُنفّسوا عنها بمثل هذا الذي أقدموا عليه.

كما يُلاحظ أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم عامل عبد الله بن أبيّ كواحد من المسلمين، فلم يُخْفِرْ ذمّته، وأجابه إلى ما أصرّ وألحّ عليه في طلبه، ولم يُعامله معاملة المشرك، أو الكاذب في دينه. رغم أنّ دفاعه عن اليهود لا يكاد يُخفي من أمر نفاقه شيئاً، فقد اتّضح أنه في أعماق قلبه إنما يُضمر شرّاً بالإسلام وأهله.

ويعود ذلك إلى أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم كان يُعامل المنافقين وفقاً لما يَظهر من أمرهم، فهم مسلمون، ملتزمون بأحكام الإسلام في الظّاهر، أما ما كان يعلمه من مكنون صدورهم، فإنّه كان يترك أمره إلى الله سبحانه وتعالى.

والحكمة في ذلك أن تظلّ العدالة بين النّاس في مأمن من التلاعب بها والنّيل منها، لكيلا يتّخذ بعض الحكام هذا الأمر حجّة للإضرار ببعض النّاس دون وجه حق، وأن لا يدَعَ مجالاً لأنْ يُقال: إنّ محمداً يقتل أصحابه!.

وهذا لا يمنع أن يكون المسلمون في حذر دائم من المنافقين، وأن يكونوا في يقظة تامة أمام تصرّفاتهم، فذلك من الواجبات البدهية على المسلمين في كلّ ظرف ووقت.
__________________



كلما حاولت اعدل في زماني .. قامت الامواج تلعب بالسفينه