[color=darkblue][size=4][font=Arial]حديث الإفــــــــــك :
عن الزهري قال : أخبرني سعيد بن المسيب و عروة بن الزبير و علقمة بن وقاص و عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن حديث عائشة زوجة النبي صلى الله عليه و سلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا فبرأها الله عز و جل . وكلهم حدثني بطائفه من حديثها و بعضهم كان أوعى لحديثها من بعض و أثبت اقتصاصاً . وقد وعيت عن كل واحد منهم الحديث الذي حدثني و بعض حديثهم يصدق بعضاً . ذكروا أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم قالت : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أراد أن يخرج سفراً أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه و سلم معه .
قالت عائشة : فأقرع بيننا في غزاة غزاها فخرج فيها سهمي ، فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و ذلك بعدما أنزل الحجاب ، فأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه مسيرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه و سلم من غزوه و قفل ودنونا من المدينة آذن ليلة بالرحيل فقمت حين آذنونا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش فلما قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقد من جزع ظفار قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بهودجي فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه ، قالت : وكانت النساء إذ ذاك خفافاً لم يُهلْنَ و لم يغشهن اللحم ، إنما يأكلن العلقة من الطعام فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه فرفعوه و كنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل و ساروا و وجدت عقدي بعد ما استمر الجيش . فجئت منازلهم و ليس بها داع و لا مجيب . فتيممت منزلي الذي كنت فيه و ظننت أن القوم سيفقدوني فيرجعون إلي . فبينما أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت و كان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرس من وراء الجيش و أدلج فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فأتاني فعرفني حين رآني و قد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب عليَّ فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي ، و و الله ما يكلمني كلمة و لا سمعت منه كلمة غير استرجاعه ، حتى أناخ راحلته فوطيء على يديها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة فهلك من هلك في شأني . وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي بن سلول . فقدمت المدينة فاشتكيت حين قدمتها شهراً و الناس يفيضون في قول أهل الإفك و لا أشعر بشيء من ذلك و هو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه و سلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي ، إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه و سلم فيسلم ثم يقول : كيف تيكم ؟ فذلك يريبني و لا أشعر بالشر ، حتى خرجت بعد ما نقهت وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع و هو متبرزنا و لا نخرج إلا ليلاً إلى ليل ، وذلك قبل أن تتخذ الكنف قريباً من بيوتنا و أمْرُنا أمرُ العرب الأول في التنزه . وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا فانطلقت أنا و أم مسطح و هي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف ، و أمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق و ابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب فأقبلت أنا و بنت أبي رهم قبل بيتي حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت : تعس مسطح . فقلت لها : بئس ما قلت ، تسبين رجلاً قد شهد بدراً ؟ فقالت : أي هنتاه ، أو لم تسمعي ما قال ؟ قلت : و ما ذاك ؟ ، قالت : فأخبرتني بقول أهل الإفك . فازددت مرضاً إلى مرضي فلما رجعت إلى بيتي دخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فسلم ثم قال : كيف تيكم ؟ قلت : أتأذن لي أن آتي أبوي ؟ قالت : و أنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما . فأذن لي رسول الله صلى الله عليه و سلم فجئت أبوي فقلت لأمي : يا أمتاه : ما يتحدث الناس ؟ فقالت : أي بنيه هوني عليك ، فو الله لقلما كانت امرأة قط حظية عند زوجها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها القول . قالت : قلت أي سبحان الله و قد تحدث الناس بهذا ؟ قالت : فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع و لا أكتحل بنوم . ثم أصبحت أبكي . و دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم علي بن أبي طالب و أسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله قالت : فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه و سلم بالذي يعلم من براءة أهله و بالذي يعلم في نفسه لهم من الود . فقال : يا رسول الله صلى الله عليه و سلم هم أهلك و لا أعلم إلا خيراً . و أما علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال لن يضيق الله عليك و النساء سواها كثير ، و إن تسأل الجارية تصدقك . قالت : فدعا رسول الله صلى الله عليه و سلم بريرة فقال : أي بريرة ، هل رأيت من شيء يريبك من عائشة ؟ قالت له بريرة لا و الذي بعثك بالحق نبياً إن رأيت عليها أمراً قط أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله . قالت : فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم على المنبر فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول
، فقال و هو على المنبر : يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي ؟ فو الله ما علمت على أهلي إلا خيراً ، و لقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً و ما كان يدخل على أهلي إلا معي . فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : أنا أعذرك منه يا رسول الله ، إن كان من الأوس ضربنا عنقه ، وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا فقبلنا أمرك . قالت : فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج و كان رجلاً صالحاً ولكن احتملته الحمية فقال لسعد بن معاذ : لعمرك و الله لا تقتله ولا تقدر على قتله ، فقام أسيد بن حضير و هو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة كذبت ، و الله لنقتلنه . فإنك منافق ، تجادل عن المنافقين ، فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ، ورسول الله صلى الله عليه و سلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا و سكت . قالت عائشة رضي الله عنها : و بكيت يومي ذلك لا ترقأ لي دمعه ، و لا اكتحل بنوم . ثم بكيت ليلتي المقبلة لا ترقأ لي دمعه و لا أكتحل بنوم ، و أبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي . فبينما هما جالسان عندي و أنا أبكي استأذنت علي امرأة من الأنصار ، فأذنت لها فجلست تبكي معي . فبينما نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فسلم ثم جلس عندي ، قالت : و لم يجلس عندي منذ قيل في ما قيل ، و قد لبث شهراً لا يوحى إليه في شأني شيء . قالت فتشهد رسول الله صلى الله عليه و سلم حين جلس ثم قال : أما بعد يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا و كذا ، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله عز و جل ، و إن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله عز و جل و توبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه . قالت : فلما قضى رسول الله صلى الله عليه و سلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة . فقلت لأبي : أجب عني رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما قال فقال : و الله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه و سلم ! فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقالت : و الله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه و سلم ! فقالت عائشة : و أنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيراً من القرآن بلى إني و الله قد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في أنفسكم و صدقتم به و لئن قلت لكم إني بريئة و الله عز و جل يعلم إني بريئة لا تصدقوني و إن اعترفت لكم بأمر و الله يعلم أني منه بريئة تصدقوني ، و إني و الله لا أجد لي و لكم مثلاً إلا كما قال أبو يوسف فصبر جميل و الله المستعان على ما تصفون . قالت : ثم تحولت فاضطجعت على فراشي ، قالت : و أنا و الله حينئذ أعلم أني بريئة و أن الله مبرئي ببراءتي ، ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله عزو جل في بأمر يتلى ، و لكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله عز و جل بها . قالت : فو الله ما رام رسول الله صلى الله عليه و سلم مجلسه و لا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى إنه كان ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه قالت : فلما سرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك كان أول كلمة تكلمة بها أن قال أبشري يا عائشة أما إن الله تعالى قد برأك . فقالت لي أمي : قومي إليه ، فقلت والله لا أقوم إليه و لا أحمد إلا الله تعالى وهو الذي أنزل براءتي قالت فأنزل الله تعالى : إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم ، عشر آيات ، فأنزل الله تعالى في هذه الآيات براءتي . فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه وكان ينفق على مسطح لقرابته منه و فقره فقال : و الله لا أنفق عليه شيئاً أبداً إن شاء الله تعالى بعد الذي قال في عائشة ما قال ، فأنزل الله تعالى : ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى إلى قوله ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم ، فقال أبو بكر الصديق : إني لأحب أن يغفر الله عز و جل لي . فرجع إلى مسطح نفقته التي كان ينفق عليه و قال لا أنزعها منه أبداً . قالت عائشة : فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم سأل زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه و سلم عن أمري ما علمت ، أو ما رأيت ، أو ما بلغك ؟ قالت : يا رسول الله صلى الله عليه و سلم أحمي سمعي وبصري ، و الله ما علمت إلا خيراً . قالت عائشة : و هي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه و سلم فعصمها الله تعالى عنى بالورع ، و طفقت أختها حمنة بنت جحش تحارب لها فهلكت فيمن هلك قال ابن شهاب : فهذا ما انتهى إلينا من أمر هؤلاء الرهط . أخرجاه في الصحيحين .
ذكر نبذة من كرمها و زهدها رضي الله عنها :
عن عطاء قال : بعث معاوية إلى عائشة بطوق من ذهب فيه جوهر قوم مائة ألف فقسمته بين أزواج النبي صلى الله عليه و سلم .
وعن أم ذرة و كانت تغشى عائشة قالت بعث إليها ابن الزبير بمال في غرارتين قالت : أراه ثمانين و مائة ألف ، فدعت بطبق و هي يومئذ صائمة فجلست تقسمه بين الناس فأمست و ما عندها من ذلك درهم . فلما أمست قالت : يا جارية هلمي فطري . فجاءتها بخبز و زيت ، فقالت لها أم ذرة أما استطعت مما قسمت اليوم أن تشتري لنا بدرهم لحماً نفطر عليه ؟ فقالت لها : لا تعنفيني لو كنت ذكرتني لفعلت .
وعن عروة قال : لقد رأيت عائشة تقسم سبعين ألفاً و هي ترقع درعها .
__________________
بغداد يا قلعة الاسود **** يا كعبة المجد والخلود
|