الموضوع: لذة المناجاة
عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 07-07-2003, 07:38 PM
إيمــــــــــان إيمــــــــــان غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2003
المشاركات: 183
إفتراضي

الحمد لله رب العالمين

وبعد وصفه والتحدث بإسمه تنسب له المحامد بقوله تعالى (الحمد لله رب العالمين).

فالحمد استغراق لجنس المحامد والثناء لمستحقها وهو الله، واحذر هنا من ان تشعر أن لأحد عليك نعمة غير مرتبطة بأسباب الله سبحانه فينتقص بذلك حمده ويكذب ضميرك لسانك.... وتحضر في نفسك أن الله استحق الحمد كله لانه مصدر الخير كله في الحياة وبعد الممات. وإن أردت معرفة أنواع الأفضار الإلهية فاذكر نعمه المتعاقبة عليك.

رب وهو المربي لخلقه، ومن اعظم نعمه على خلقه هذا القرآن وهو المنهاج التربوي الفريد، وتربيته سبحانه لخلقه من أدواتها هذا الكون بنظمه التي يخدم بعضها بعضاً. كل هذا لخدمة الإنسان وتركيم الإنسان، ومن تربيته لعباده ايجاده فيهم قابلية التفريق بين التقوى والفجور، وبين الهداية والضلال، وتأهيله لهم لقبول شرعه سبحانه.

فاللهم لك الحمد حمداً كثيراً مع بقائك
ولك الحمد حمداً لا منتهى له من دون علمك.
ولك الحمد حمداً لا منتهى له دون مشيئتك
ولك الحمد حمداً لا آخر لقائله إلا رضاك.

العالمين وهو جمع عالم – والعالم اسم لما يعلم به، كخاتم لما يختم به. وهو شامل لكل ما سوى الله سبحانه، ثم أحضر في ذهنك، هذه الأكوان بجملتها وتفصيلها الدالة على عظمته سبحانه وتعالى، وبعض العلماء يرى أن – العالمين – يطلق ويراد به ما يعلم ويفقه هو عالم الملائكة وعالم الانس وعالم الجن وتذكر العوالم الأخرى على سبيل الاستتباع، فعالم النبات وعظمة الله فيه إنباتاً وإزهاراً وإثماراً، وتخصيص كل بخصيصته – يسقى بماء واحد ويثمر في تربة واحدة، وتختلف الطعوم والروائح والألوان والفوائد، فأي عالم هذا وأي خلق هذا، سبحانه من إله.

وعالم الجماد وعجائبه وألوانه وخصائصه وقوانين وجوده وتستطيع يا أخي ان توسع دائرة الفكر في هذا العالم ما استكشف منه وما لم يستكشف. وعالم البشر وتميزه عن بقية العوالم بمميزاته وتعقيده، ويكفي أن انبهك إلى قضية الإعجاز في خلق البشر، هذا الإعجاز يتجلى في أنك لو ذهبت لاحصاء البشر بخمسة آلاف مليون نسمة ودققت النظر جيداً في هذا العدد الرهيب لم تجد اثنين منهم يتشابهان تشابهاً تاماً، ما هذا؟ بينما يمكنك أن تجد في عالم النبات أو بعض فصائله تشابهاً كاملاً يستحيل عندك معه أن تميز نبتة عن أخرى أو ثمرة عن اختها من ذات الفصيلة! ويحصل مثل هذا في عالم الحيوان وعالم الجماد، ويتعذر في عالم الإنسان التماثل رغم كثرة العدد، لماذا؟

إسأل نفسك لماذا؟

لأن عالم البشر عالم مختلف، تتشابك مصالحه وتتقيد تصرفاته بأوامر وناهٍ شرعية. فإن وقع التشابه التام أفضى ذلك إلى ضياع الحقوق وتعطل النظام العام. ولأوضح لك الأمر بمثال.

لو تشابه الخصم والشاهد أما القاضي والذي بدوره بشبههم ألا يتقاذف كل منهم التهمة، وما الدليل إذا انتفت الفوارق الخلقية على تجريم عمرو وتبرئة ساحة زيد؟

ولذلك يعتبر من الإعجاز الإلهي افتراق بلايين البصمات، واستحالة التشابه، ولم يكن هذا مقصوراً على زمن دون زمن بل إن الله لم يخلق بصمتين متشابهتين منذ خلق آدم وذريته.

فيا رب سبحانك وأنا أعيش على معنى (( العالمين )) أقف مذهوراً أمام قدرتك.

قال صاحبي : أذكرك بوحدة الترابط بين هذه العوالم وكيف يخدم بعضها بعضاً بأسباب البقاء والحياة؟

قلت : حبذا.

فقال: ماذا تتصور حال مادة الاوكسجين في الطبيعة المخلوقة لله، لو استمر الأحياء باستنشاقه الا ينضب وتتعطل الحياة؟

قلت : بلى.

قال: ولكن الحكيم الخبير جعل في قانون النبات ألا تتم عملية صنع الغذاء إلا بأخذ أوكسيد الكاربون الذي تطرحه الأحياء، وطرح الأوكسجين لتنتعش به الأحياء.

فقلت : الله أكبر. أشهد أن لا إله إلا الله.

قال صاحبي: ولكن، اذا استعرضت كل المعاني التي فهمتها من قوله (الحمد لله رب العالمين) فلن استطيع تجاوزها إذ يكبر الإمام راكعاً فما العمل؟

قلت: تكبر وتركع ولابد. وما تخلف من الفاتحة بتحمله الإمام عن المأموم مادام قائماً معه.

ولكن اسمع ما أقول لك:

ان استعراضي معك لمعاني الفاتحة لا يستلزم استغراقك فيها وتقليب النظر في كل ما ذكرته لك.

قال: ماذا إذن؟

قلت: أردت أن ترد فكرك إذا خرج عن موقفك هذا إلى جزء منها أو إلى خطها العريض، فهكذا يكفي لتنبعث الخشية والخشوع في القلب وتحيلا الصلاة إلى متعة روحية غامرة.