عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 09-07-2003, 11:56 AM
الهبوب الهبوب غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2003
الإقامة: عريني
المشاركات: 152
إفتراضي

تمهيد:


أولاً: ميزان نبوي للدلالة على الخطأ والصواب


"مَن عَجَز عن إستقصاء البحث وإدراك الصواب فإنّ الشارع لم يتركنا هملاً، بل وضع في أيدي غير المتأهليّن للبحث والحجاج ميزاناً لا يختلّ إذا اختلفت الأهواء وافترقت الأمّة تبيّن لنا أنه إذا أجمع العلماء على شيء كان ما خالفهم هوى وضلالاً، كما بيّن أنهم إذا اختلفوا كان الصواب والرشاد مع رأي الكثرة من العلماء، كما بيّن أن المخالفين لهؤلاء يكونون قلّة.

1- فروى أبو نعيم والحاكم وابن منده ومن طريقه الضياء المقدسي في "المختارة" عن ابن عمر مرفوعاً: (لا تجتمع هذه الأمّة على ضلالة أبداً، وإنّ يد الله مع الجماعة فاتبّعوا السواد الأعظم، فإنّ من شذّ شذّ في النار).

كذا في كشف الخفاء للعجلوني ص50، وكذا هو عند الترمذي.

2- وروى عبد بن حميد وابن ماجة عن أنس رضي الله عنه رفعه: (إنّ أمّتي لا تجتمع على ضلالة فإذا رأيتم الإختلاف فعليكم بالسواد الأعظم).

كذا في كنز العمال ج1ص18، وكشف الخفاء ج2ص350. قال في كشف الخفاء ج2ص391: "إنّ مثل ذلك روي عن ابن عبّاس مرفوعاً كما في مستدرك الحاكم. وفي تخريج الحافظ ابن حجر لمسند الفردوس.

3- وروى الترمذي أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب بالجابية فقال: "عليكم بالجماعة وإيّاكم والفرقة فإنّ الشيطان مع الواحد وهو عن الإثنين أبعد".

4- وروى الطبراني عن عرفجة بن شريح: "يد الله مع الجماعة والشيطان مع من خالف الجماعة يركض".

وأحاديث التمسك بالجماعة في الصحيح أشهر من أن تذكر، والمراد بالسواد الأعظم في الروايات السابقة سواد علماء أمّته صلّى الله عليه وسلّم، لأنّ العلماء هم أهل الحلّ والعقد والإستنباط والإفتاء... ورأيهم بموجب هذه الروايات هو مظنّة الصواب، والتشكيك في صواب الكثرة بسرد آيات وأحاديث – إنّ أكثر من في الأرض ضالّون – فإنمّا مورد تلك النصوص هو كثرة الكفار وقلّة المؤمنين بها.

وما زعم أحد أنّ الصواب يكون في جانب الكثرة المطلقة من كفار ومؤمنين، ولكنّا ندعي كما في أحاديث التمسك بالجماعة، والتحذير عن الشذوذ عنها بعمومها، وأحاديث الدعوة إلى إتبّاع السواد الأعظم من علماء هذه الأمّة المحمدّية المؤمنة، وأنّ الباطل يكون فيمن شذّ عنهم." اهـ. (الإتبّاع والإبتداع للهاشمي ص46-48)

ثانياً: ما اختلف الفقهاء في حلّه وحرمته لا زجر فيه

"من آداب الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنّ القائم بهذا الشأن ينبغي أن ينهى عن المنكرات المجمع على أنها كذلك ولا ينصرف إلى النهي عمّا اختلف فيه العلماء من المسائل الإجتهادية، فذلك اشتغال بالإنتصار لإجتهاده وشخصه، ومحاربة لما يقابلها من الإجتهادات الأخرى، وإنّ إثارة المسائل الخلافية في الفروع تفرّق ولا تجمع، وتوجب التراشق بالتبديع والتضليل.

وقد اختلف الأئمة في كثير من المسائل الإجتهادية وهم جميعاً على الهدى ما دام الإختلاف لا عن هوى أو شهوة، ولا عن مخالفة نص أو إجماع أو قياس جلّي - غير معارضة بمثلها أو أقوى منها - إذ المجتهدون قد أدّوا ما عليهم ببذل الجهد وما في الوسع.

1- قال ابن العربي في "القواصم والعواصم": إن العالم لا ينضج حتى يترفع عن العصبية المذهبية".

2- وقال سفيان الثوري: "إذا رأيت الرجل يعمل العمل الذي قد اختلف فيه وأنت ترى غيره فلا تنهه".

وقال أيضاً كما رواه عنه الخطيب البغدادي: "ما اختلف فيه الفقهاء فلا أنهي أحداً من إخواني أن يأخذ به".

3- وفي "الآداب الشرعية" لابن المفلح قال أحمد من رواية المرزوي عنه: "لا ينبغي للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه ولا يشتد عليهم".

4- وقال النووي في شرحه على صحيح مسلم: "ليس للمفتي ولا للقاضي أن يفرض رأيه على من خالفه إذا لم يخالف نصاً ولا إجماعاً أو قياساً جليّاً ".

5- وفي "جامع بيان العلم" لابن عبد البر عن القاسم بن محمد في القراءة خلف الإمام فيما لم يجهر به قال: "إن قرأت فلك في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة، وإذا لم تقرأ فلك في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة".

6- ونقل عن يحي بن سعيد أنه قال: "ما برح أولو الفتوى يفتون، فيحل هذا ويحرّم هذا، فلا يرى المحرّم أن المحلّ هلك لتحليله، ولا يرى المحلّ أن المحرّم هلك لتحريمه".

7- وفي "الإنصاف في بيان الإختلاف" لوليّ الله الدهلوي: "قد كان من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من يقرأ البسملة، ومنهم من لا يقرؤها، ومنهم من يجهر بها، ومنهم من يسّر، وكان منهم من يقنت في الفجر، ومنهم من لا يقنت، ومنهم من يتوضأ من الرعاف والحجامة والقيء، ومنهم من لا يتوضأ، ومنهم من يتوضأ من أكل لحم الإبل أو ما مستّه النار، ومنهم من لا يرى في ذلك بأساً، ومع ذلك كله لم يمنع أحد منهم من أن يصلي خلف الآخر كما كان أبو حنيفة وأصحابه والشافعي وأئمة آخرون يصلون خلف أئمة المدينة من المالكية وغيرهم، ولو لم يلتزموا بقراءة البسملة لاسرّاً ولا جهراً، وصلّى الرشيد إماماً وقد احتجم فصلى أبو يوسف خلفه ولم يعد الصلاة، مع أن الحجامة عنده تنقض الوضوء.

وكان أحمد يرى الوضوء من الرعاف والحجامة فقيل له: فإن كان الإمام قد خرج منه الدم ولم يتوضأ هل تصلي خلفه ؟ قال: كيف لا أصلي خلف مالك وسعيد بن المسيب إشارة إلى أنهما لا يريان الوضوء من خروج الدم.

8- وقال ابن قدامة في كتابه "الروضة" في أصول الفقه: "إن للمفتي إذا استفتي وكانت فتواه ليس فيها سعة للمستفتي فله أن يحيله إلى من عند سعة"

وهذا يعني أن للمفتي أن يدّله على من يخالفه في القول إذا كان في فتواه سعة، لأنه لا ضرر من الخلاف في المسائل الإجتهادية حيث أنه خلاف في أفهام الرجال.

وينبغي للمرء أن لا يقدم على تخطئة الآخرين إلا بعد نظر عميق وأناة طويلة وعلم كامل.

هذا وإن بحث المرء عن زلاّت العلماء وتتبع السقطات هو ديدن مريض الصدر سيء الطوية.

ولكن للحرص على صيانة أحكام الله يجب أن يجتنب ما زلّ فيه العالم إذا وضحت الزلّة وضوحاً بيّناً.

وكذلك يجب تتبّع من اشتهر بزلاته في أمور العقيدة وفيما أجمع عليه العلماء من أحكام إذ جاء في الحديث موقوفاً ومرفوعاً من رواية البيهقي والديلمي والطبراني وابن ماجه كما في كشف الخفاء للعجلوني: (أشدّ ما أتخوّف على أمّتي ثلاثة: زلّة عالم، وجدال منافق بالقرآن، ودنيا تقطّع أعناقكم فاتهموها على أنفسكم) اهـ.

وقال عمر رضي الله عنه: "زلّة العالم تهدم الإسلام".

وكم من علماء لهم مكانتهم فيما يحسنون من علوم فلما خاضوا فيما لا يحسنون جاؤوا بالقواصم." اهـ. (الإتبّاع والإبتداع للهاشمي ص40-43)




يتبع