عرض مشاركة مفردة
  #4  
قديم 09-07-2003, 12:18 PM
الهبوب الهبوب غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2003
الإقامة: عريني
المشاركات: 152
إفتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم





"فإن قيل: كان هذا جائزاً في حال حياته لا بعد إنتقاله إلى الحياة البرزخية، قلنا: من اعتقد أنّ لأحد من الخلق تأثيراً في الحياة ينقطع عنه بانتقاله إلى البرزخ فهو مشرك، فليس لأحد من الخلق تأثير ذاتي ولا قيام له بنفسه، وحولهم وقوتهم بالله تعالى، والله تعالى هو يجري على أيدي خلقه ما يشاء من المقادير في حال حياتهم الدنيوية، وكذلك الأمر في حال الحياة البرزخية والأخروية.

فلو كان للنبي صلّى الله عليه وسلّم أو لغيره تأثير في حياته كما توهمّ بعض القاصرين لصحّ نفيه عنه بعد إنتقاله ولجاز حينئذ سؤاله ونداؤه في حياته فقط، أمّا ما دام لا تأثير له في حياته الدنيوية كذلك لا تأثير له بعد إنتقاله إلى الحياة البرزخية، والله تعالى الذي أجرى بحوله وقوّته على يديه الخير في حال حياته الدنيوية هو الذي يجري على يديه بعد إنتقاله، ومَن الذي يقيّد الله تعالى ويُوجب عليه أن يفتح على أيدي خلقه في حال حياتهم الدنيوية ولا يفتح على أيديهم في حال إنتقالهم إلى حياة أخرى برزخية أو أخروية ؟" اهـ. (الإسعاد في جواز التوّسل والإستمداد للخرسة)

"فالتوسل حكم مقرّر جوازه من أحكام الشريعة المطهرّة ومعمول به في عصره لا يتغيّر بإنتقاله عليه الصلاة والسلام كما لا تتغيّر بقيّة أحكام التشريع فلا يحق لإنسان أن يقول:

هل الوضوء جائز بعد موت النبي صلى الله عليه وسلّم ؟!، وهل الصلاة جائزة بعد موت النبي صلّى الله عليه وسلّم ؟!، وهكذا، ومثل ذلك قولهم: هل التوسل أوالإستغاثة جائز بعد موته صلّى الله عليه وسلّم ؟

لأنها جميعاً أحكام شرعيّة مقرّرة بأدلتها وهي معمول بها في حياته وبعد إنتقاله. ومن سأل عن ذلك أو فرّق بين الأحكام فأجاز بعضها ومنع بعضها دلّ ذلك على جهله بالشريعة وأصولها فلا يلتفتُ إليه بعد إقامة الحجة عليه.

ومن توهمّ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قد انتقص شيء من كمالاته التي كان عليها في الدنيا بالإنتقال إلى البرزخ فهو مخطيء وربّما جرّه ذلك إلى الكفر إذا قال بإنفكاك وصف النبوّة والرسالة عنه في برزخه، وذلك أن جميع الكمالات التي أثبتها الله تعالى له في كتابه أو أخبر بها هو عن نفسه ثابته له بإعتباره نبيّاً ورسولاً، ووصف النبوّة والرسالة لا ينفك عنه في برزخ من البرازخ، فجميع الكمالات الثابتة له لا يصح إنفكاكها عنه، وإنّ الرجل من أهل عصرنا عندما يسلّم يقول: (أشهد أنّ محمدّاً رسول الله) ولا يقول: أشهد أنّ محمدّاً كان رسول الله، ويقول في كل تشهد (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) ولا يقول: السلام عليك يا من كنت نبيّاً في حياتك ولست نبيّاً بعد إنتقالك، فهو محمد نبي الله ورسوله، صلّى الله عليه وسلّم، كان ولا زال رسولاً، وكل ما ثبت له من الفضائل والكمالات في حياته بإعتباره نبيّاً ورسولاً ثابت له بعد إنتقاله لأنه ما زال نبيّاً رسولاً. وقد قال ربنا سبحانه وتعالى {وللآخرة خير لك من الأولى}، وثبت عنه قوله صلّى الله عليه وسلّم: (القبر أول منزل من منازل الآخرة) رواه الترمذي.، فبهذا يتبيّن أنّ ما هو عليه في قبره خير له ممّا هو عليه في الدنيا.


وقد ثبت بالأحاديث الصحيحة وبالإجماع حياة الأنبياء وغيرهم في قبورهم، وإليك بعض النصوص:

عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (الأنبياء أحياء في قبورهم يصلّون) رواه أبو يعلى في مسنده بسند صحيح.

وعنه أيضاً أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: (أتيتُ موسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلّي في قبره) رواه مسلم.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (حياتي خير لكم تحدّثون ويحدّث لكم ووفاتي خير لكم تُعرض عليّ أعمالكم فما رأيت من خير حمدتُ الله عليه وما رأيت من شرّ استغفرت لكم) رواه الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح. " اهـ. (الإسعاد في جواز التوسل والإستمداد للخرسة)

وعن تصرّف الأرواح بعد الموت يقول الشيخ ابن القيّم تلميذ الشيخ ابن تيمية رحمهما الله تعالى، في كتاب الروح:

"فصل ومما ينبغي أن يعلم أن ما ذكرنا من شأن الروح يختلف بحسب حال الأرواح من القوة والضعف، والكبر والصغر، فللروح العظيمة الكبيرة من ذلك ما ليس لمن هو دونها. وأنت ترى أحكام الأرواح في الدنيا كيف تتفاوت أعظم تفاوت بحسب تفارق الأرواح وكيفياتها وقواها وإبطائها وإسراعها والمعاونة لها، فللروح المطلقة من أسر البدن وعلائقه وعوائقه من التصرف والقوة والنفاذ والهمة وسرعة الصعود إلى الله والتعلق بالله ما ليس للروح المهانة المحبوسة في علائق البدن وعوائقه، فإذا كان هذا، وهي محبوسة في بدنها، فكيف إذا تجردت وفارقته، واجتمعت فيها قواها، وكانت في أصل شأنها روحاً علية زكية كبيرة ذات همة عالية؟ فهذه لها بعد مفارقة البدن شأن آخر، وفعل آخر." اهـ .

)الروح لابن القيم – المسألة الخامسة عشر )

وقال أيضاً: "...ولا يمكن جواب هذه المسألة إلا على أصول أهل السنة التي تظاهرت عليها أدلة القرآن والسنة والآثار والاعتبار والعقل، والقول إنها ذات قائمة بنفسها تصعد وتنزل وتتصل وتنفصل وتخرج وتذهب وتجيء وتتحرك وتسكن، وعلى هذا أكثر من مائة دليل قد ذكرناها في كتابنا الكبير في معرفة الروح والنفس، وبينا بطلان ما خالف هذا القول من وجوه كثيرة وأن من قال غيره لم يعرف نفسه." اهـ.

)الروح لابن القيّم – المسألة الخامسة وهي أن الأرواح بعد مفارقة الأبدان إذا تجردت بأيّ شيء يتميز بعضها من بعض حتى تتعارف وتتلاقى! وهل تشكل إذا تجردت بشكل بدنها الذي كانت فيه وتلمس صورته؟ أم كيف يكون حالها؟.)

وقال أيضاً: ""قال أبو عبد الله [القرطبي]: وقال شيخنا أحمد بن عمرو: الذي يزيح هذا الإشكال إن شاء الله تعالى أن الموت ليس بعدم محض، وإنما هو انتقال من حال إلى حال، ويدل على ذلك أن الشهداء بعد قتلهم وموتهم أحياء عند ربهم يرزقون فرحين مستبشرين، وهذه صفة الأحياء في الدنيا، وإذا كان هذا في الشهداء كان الأنبياء بذلك أحق وأولى، مع أنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء وأنه صلى الله عليه وسلم اجتمع بالأنبياء ليلة الإسراء في بيت المقدس، وفي السماء، وخصوصاً بموسى، وقد أخبر بأنه ما من مسلم يسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام. إلى غير ذلك مما يحصل من جملته القطع بأن موت الأنبياء إنما هو راجع إلى أن غُيبوا عنا بحيث لا تدركهم وإن كانوا موجودين أحياء، وذلك كالحال في الملائكة، فإنهم أحياء موجودون ولا تراهم،" اهـ.
)الروح لابن القيّم – المسألة الرابعة)

وبالنسبة للقول: (ويمكن أيضاً أن يغيث أيضاً بجسده)، نقول للمدّعي المنكر: فما المانع في ذلك ؟ فهذا لا يستحيل عقلاً على قدرة الله تعالى المطلقة ولا معارض له شرعاً، بل ثبت في صحيح البخاري وغيره من حديث الشفاعة قوله صلّى الله عليه وسلّم (...إذا كان يوم القيامة ماج الناس في بعض فيأتون آدم فيقولون: اشفع لنا إلى ربك فيقول: لست لها، ولكن عليكم بإبراهيم فإنه خليل الرحمن، فيأتون إبراهيم فيقول لست لها، ولكن عليكم بموسى فإنه كليم الله فيأتون موسى. فيقول: لست لها ولكن عليكم بعيسى فإنه روح الله وكلمته، فيأتون عيسى فيقول: لست لها ولكن عليكم بمحمد صلى الله عليه وسلم فيأتوني فأقول: أنا لها، فأستأذن على ربي فيؤذن لي ويلهمني محامد أحمده بها لا تحضرني الآن فأحمده بتلك المحامد وأخر له ساجدا، فيقال: يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعط واشفع تشفع، فأقول: يا رب أمتي أمتي!... الحديث)، (صحيح البخاري)

فإن قيل : ولكن الحبيب علي الجفري لم يقصد يوم القيامة، فنقول له: فهل قال الحبيب علي الجفري "يغيث أيضاً بجسده في هذه الدنيا التي نحن فيها" ؟ بالطبع لم يقل ذلك ودونكم المقطع الصوتي الذي استشهدتم به ! إذاً فيجب تقديم حُسن الظن وتأويل قوله بأن المقصود هو أنه صلّى الله عليه وسلّم يغيث بجسده أهل الموقف كلّهم يوم القيامة.

وبالنسبة للقول: (كما أن بإمكان الرسول صلى الله عليه وسلم أن يغيث بروحه مليون شخص في نفس اللحظة)، فنقول للمدّعي المنكر: فما المانع في ذلك ؟ فهذا لا يستحيل عقلاً على قدرة الله تعالى المطلقة ولا معارض له شرعاً واقرأ ما كتبه الشيخ ابن القيّم تلميذ الشيخ ابن تيمية رحمهما الله تعالى، في كتاب الروح: "وقد تواترت الرؤيا من أصناف بني آدم على فعل الأرواح بعد موتها ما لا تقدر على مثله حال اتصالها بالبدن من هزيمة الجيوش الكثيرة بالواحد والاثنين والعدد القليل ونحو ذلك، وكم قد رئي النبي صلى الله عليه وسلم، ومعه أبو بكر وعمر في النوم قد هزمت أرواحهم عساكر الكفر والظلم، فإذا بجيوشهم مغلوبة مكسورة مع كثرة عددهم وعددهم وضعف المؤمنين وقلتهم." اهـ. (الروح لابن القيم – المسألة الخامسة عشر )

فإن قيل: ولكن ذلك رؤيا منام وليس في الحقيقة، نقول له: لقد ثبت في صحيح مسلم وغيره، قوله صلّى الله عليه وسلّم: «من رآني في النوم فقد رآني. إنه لا ينبغي للشيطان أن يتمثل في صورتي».






يتبع