(5) اللمحة الإعجازية الخامسة:
وتتضح في إشارة الآيتين الكريمتين إلي الرقة الشديدة لغلالة النهار وذلك في قول الحق تبارك وتعالي) ولو فتحنا.. لقالوا..) بمعني أن القول بتسكير العيون, وظلمة الكون الشاملة تتم بمجرد العروج لفترة قصيرة في السماء, ثم تظل تلك الظلمة إلي نهاية الكون, وقد أثبت العلم الحديث ذلك بدقة شديدة, فإذا نسبنا سمك طبقة النهار إلي مجرد المسافة بين الأرض والشمس لاتضح لنا أنها تساوي200 كيلو متر\150,000,000 كيلو متر=1\750,000 تقريبا فإذا نسبناها إلي نصف قطر الجزء المدرك من الكون اتضح انها لا تساوي شيئا البتة, وهنا تتضح روعة التشبيه القرآني في مقام آخر يقول فيه الحق تبارك وتعالي:- { وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون } (يس:37)
حيث شبه انحسار طبقة النهار البالغة الرقة من ظلمة كل من ليل الأرض وليل السماء بسلخ جلد الذبيحة الرقيق عن كامل بدنها, مما يؤكد أن الظلام هو الأصل في الكون, وأن النهار ليس إلا ظاهرة نورانية, عارضة, رقيقة جدا, لا تظهر إلا في الطبقات الدنيا من الغلاف الغازي للأرض, وفي نصفها المواجه للشمس في دورة الأرض حول نفسها أمام ذلك النجم, وبتلك الدورة ينسلخ النهار تدريجيا من ظلمة كل من ليل الأرض وحلكة السماء كما ينسلخ جلد الذبيحة عن جسدها.
وفي تأكيد ظلمة السماء يقرر القرآن الكريم في مقام آخر قول الحق تبارك وتعالي:- { أءنتم أشد خلقا أم السماء بناها* رفع سمكها فسواها* وأغطش ليلها وأخرج ضحاها } (النازعات:27 ـ29)
والضمير في أغطش ليلها عائد علي السماء, بمعني أن الله تعالي قد جعل ليل السماء حالك السواد من شدة اظلامه, فهو دائم الاظلام سواء اتصل بظلمة ليل الأرض( في نصف الكرة الأرضية الذي يعمه الليل) أو انفصل عن الأرض بتلك الطبقة الرقيقة التي يعمها نور النهار( في نصف الأرض المواجه للشمس) فيصفه ربنا تبارك وتعالي بقوله: { وأخرج ضحاها } أي أظهر ضوء شمس السماء لأحاسيس المشاهدين لها من سكان الأرض بالنور والدفء معا في أثناء نهار الأرض, والضحي هو صدر النهار حين ترتفع الشمس ويظهر ضوؤها جليا للناس, بينما يبقي معظم الكون غارقا في ظلمة السماء.
ويؤكد هذا المعني قسم الحق تبارك وتعالي وهو الغني عن القسم بالنهار إذ يجلي الشمس أي يكشفها ويوضحها فيقول عز من قائل: { والشمس وضحاها* والقمر إذا تلاها* والنهار إذا جلاها* والليل إذا يغشاها} .. ( الشمس:1 ــ4)
أي أن النهار هو الذي يجعل الشمس واضحة جلية لأحاسيس المشاهدين لها من سكان الأرض, وهذه لمحة أخري من لمحات الإعجاز العلمي في كتاب الله تقرر أن ضوء الشمس لا يري إلا علي هيئة النور في نهار الأرض.
وأن الكون خارج نطاق نهار الأرض ظلام دامس, وأن هذا النطاق النهاري لابد أن به من الصفات ما يعينه علي إظهار وتجلية ضوء الشمس للذين يشهدونه من أحياء الأرض.
فسبحان الذي أنزل القرآن بالحق, أنزله بعلمه, وجعله معجزة خاتم أنبيائه ورسله, في كل أمر من أموره, وفي كل آية من آياته, وفي كل اشارة من اشاراته, وفي كل معني من معانيه, وجعله معجزة أبدية خالدة علي مر العصور, لا تنتهي عجائبه, ولا يخلق علي كثرة الرد إلي أن يرث الله تعالي الأرض ومن عليها وصلي الله وسلم وبارك علي خاتم الأنبياء والمرسلين الذي شرفه ربه تبارك وتعالي بوصفه أنه لا ينطق عن الهوي فقال عز من قائل : { وما ينطق عن الهوي* إن هو إلا وحي يوحي* علمه شديد القوي }
(النجم:3 ـ5)
اللهم أهدني رشدي وأعذني من شر نفسي
..إنتهى ..
تحياتي