ونواصـــل ...
وانثنت زوجتي تلومني لأنني كنت قاسياً معهم ، وهم الذين يخافون على طفلهم.. الذي عاش لهم بعد أن تقدم بهما العمر، ومات لهما من الأطفال الكثير وصحت في زوجتي، إن الطفل إذا كان سيعيش فذلك لأن الله يريد له أن يعيش، وإن كان سيموت فذلك لأن الله يريد له ذلك.. لا شريك لله في أوامره و لاشريك له في إراداته.
وذهبت إلى إدارة الجريدة التي أعمل بها.. وإذا بالدكتور يتصل بي تليفونيا ليتحدث معي في شأن له، ولم يخطر بباله أن يسألني.. ماذا فعل بي الكتاب؟ أو ماذا فعلت به.. واضطررت أن أقول له : إنني في حاجة إلى مناقشة بعض ما جاء في الكتاب معه.. والتقينا في الليل وحدثته عن الكارثة التي جاءتني من الصعيد، ولم يعلق على محاولتي إقناعهم بالعدول عن شركهم.. مع أنني منذ أيام فقط.. كنت لا أقل شركاً عنهم. وقلت له: ألا يلفت نظرك أنني أقول لهم ما كنت تقوله لي..؟
قال في هدوء يغيظ : إنه كان على يقين من أنني سوف أكون شيئاً مفيداً للدعوة.. وأردت الاحتجاج على أنني من "الأشياء" ولست من الآدميين لكن الدكتور لم يتوقف، وقال لقد صدر منك كل هذا بعد قراءة نصف الكتاب. فكيف بك إذا قرأت الكتب الأخرى ؟! وأغرق في الضحك!!
وعلمت بعد أيام أن قريبتي عادت من "طنطا" إلى الصعيد مباشرة دون المرور علينا في القاهرة، وأنها غاضبة مني، وشكتني لكل شيوح الأسرة، وفي الأسبوع الثاني.. فوجئت بجرس الباب يدق.. وذهب ابني الصغير ليستطلع الأمر .. ثم عاد يقول لي:
- إبراهيم الحران..
"الحران" . إنه زوج ابنة خالتي.. ماذا حدث..؟ هل جاءوا بخروف جديد، ونذر جديد لضريح جديد .. أم ماذا..؟ وقررت أن يخرج غضبي من الصمت إلى العدوان هذه المرة ولو بالضرب.. ومشيت في ثورة إلى الباب.. وإذا بهذا "الحران" يمد يده ليصافحني، ودعوته إلى الدخول فرفض.. إذاً لماذا جاء..؟ وفيما جاء وابتسم ابتسامة مغتصبة وهو يقول.. إنه يطلب كتاب : "الشيخ محمد بن عبدالوهاب "، الذي عندي، وحملقت فيه طويلا،، وجلست على أقرب مقعد..!
سقطت قلعة من قلاع الجاهلية.. لكن لماذا؟ وكيف كان ذاك السقوط؟ جاء صاحبي إبراهيم يسعى بقدميه.. يطلب ويلح في أن يبدأ مسيرة التوحيد.. لابد أن وراء عودته أمراً ليس من المعقول أن يحدث ذلك بلا أسباب قوية
جعلت أعماقه تتفتح ، وتفيق .. على حقائق غفل عنها طويلاً . . !
ورحمة بي من الذهول ، والإغماء الذي أوشك أن يصيبني . . بدأ يتكلم ، وكانت الجملة التي سقطت من فمه .. ثقيلة كالحجر الذي يهبط من قمة جبل .. صكت سمعي .. ثم ألقت بنفسها تتفجر على الأرض .. تصيب وتدمي شظاياها وقال :
- لقد مات ابني عقب عودتنا .. ! إنا لله وإنا إليه راجعون .. هذا .. هذا هو الولد الرابع الذي يموت لإبراهيم تباعاً ، وكلما بلغ الطفل العام الثالث .. لحق بسابقه . . وبدلاً أن يذهب إلى الأطباء ليعالج زوجته ، بعد التحليلات الازمة .. فقد يكون مبعث ذلك مريضاً في دم الأب أو الأم .. اقتنعنع ، وقنع بأن ينذر مع زوجته مرة للشيخ هذا ، ومرة للضريح ذاك ، وأخرى لمغارة في جبل بني سويف .. إذا عاش طفله ، ولكن ذلك كله لم ينفعه .. ورغم الجهل والظلم الذي يظلمه لنفسه .. إلا أنني حزنت من أجله .. تألمت حقيقة .. أخذته من يده .. أدخلته.. جلست أستمع إلى التفاصيل ..!
.. يتبع ..