لقد عاد من طنطا مع زوجته إلى بلدهما .. وحملا معهما بعض أجزاء من "الخروف " الذي كان قد ذبح على أعتاب ضريح "السيد البدوي" . . فقد كانت تعاليم الجهالة تقضي بأن يعودا ببعضه .. التماساً لتوزيع البركة على بقية المحبين - وأيضاً - لكي يأكلوا من هذه الأجزاء .. التي لم تتوافر لها إجراءات الحفظ الصالحة ففسدت .. وأصابت كل من أكل منها بنزلة معوية .. وقد تصدى لها الكبار وصمدوا .. أما الطفل .. فمرض ، وانتظرت الأم بجهلها .. أن يتدخل "السيد البدوي" .. لكن حالة الطفل ساءت .. وفي آخر الأمر ذهبت به للطبيب الذي أذهله .. أن تترك الأم ابنها يتعذب طوال هذه الأيام .. فقد استغرق مرضه أربعة أيام .. وهز الطبيب رأسه ، ولكنه لم ييأس .. وكتب العلاج .. "أدوية" وحقن ، ولكن الطفل .. اشتد عليه المرض ولم يقوى جسمه على المقاومة .. فمات !
من موت الطفل بدأت المشاكل .. كانت الصدمة على الأم .. أكبر من أن تتحملها .. ففقدت وعيها .. أصابتها لوثة .. جعلتها تمسك بأي شيء تلقاه ، وتحمله على كتفها وتهدهده وتداعبه على أنه ابنها .. أما الأب فقد انطوى يفكر في جدية بعد أن جعلته الصدمة .. يبصر أن الأمر كله لله .. لا شريك له .. وأن ذهابه عاماً بعد عام .. إلى الأضرحة والقبور .. لم يزده إلا خسارة .. واعترف لي .. بأن الحوار الذي دار بيني وبينه .. كان يطن في أذنيه .. عقب الكارثة ، ثم صمت ..! فقلت له : بعض الكلام الذي يخفف عنه ، والذي يجب أن يقال في هذه المناسبات .. ولكن بقي في نفسه شيء من حديثه .. فهو لم يكمل ماذا حدث للسيدة المنكوبة وهل شفيت من لوثتها أم لا ؟
فقلت له : لعل الله قد شفي الأم من لوثتها .؟ ! فأجاب وهو مطأطىء الرأس .. إن أهلها يصرون على الطواف بها .. على بعض الأضرحة والكنائس - أيضاً - ويرفضون عرضها على أي طبيب من أطباء الأمراض النفسية والعصبية ..ليس ذلك فحسب .. بل ذهبوا بها إلى "سيدة" لها صحبة مع الجن فكتبت لها على طبق أبيض .. وهكذا تزاد العلة عليها في كل يوم وتتفاقم .. وكل ما يفعله الدجالون يذهب مع النقود المدفوعة إلى الفناء .. !
وحينما أراد أن يحسم الأمر .. وأصر أن تعرض على طبيب .. أو يطلقها لهم .. لأنهم سبب إفسادها .. برزت أمها تتحداه ، وركبت رأسها فاضطر إلى طلاقها وهو كاره .. !
أثارتني قصته ، ورغم حرصي على النسخة التي حصلت عليها من " الدكتور جميل " إلا أنني أتيته بها وناولتها له .. فأمسك بها وقلّبها بين يديه .. وعلى غلافها الأخير كان مكتوباً كلام راح يقرؤه بصوت عال .. كأنه يسمع نفسه قبل أن يسمعني "نواقض الإسلام" من كلمات شيخ الإسلام "محمد بن عبد الوهاب" .. { ومن يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ، ومأواه النار وما للظالمين من أنصار } .
ومنه الذبح لغير الله ، كمن يذبح للجن أو للقبر .
ورفع رأسه فحملق في وجهي .. ثم أخذ الكتاب ، وانصرف ، واشترط أن يعيده لي بعد أيام ، وأن أحضر له من الكتب ما يعينه على المضي في طريق "التوحيد"..!
انصرف إبراهيم ، والمأساة التي وقعت له تتسرب إلى كياني قطرة بعد قطرة .. فهي ليست مأساة فرد ولا جماعة ، وإنما هي مأساة بعض المسلمين في كثير من الأمصار .. الحرافة أحب إليهم من الحقيقة ، والضلالة أقرب إلي أفئدتهم من الهداية ، والابتداع يجتذبهم بعيداً عن السنة .. !
.. يتبع ..