عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 05-08-2003, 08:35 AM
عابر سبيل عابر سبيل غير متصل
ابو معاذ
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2003
الإقامة: نيويورك
المشاركات: 2,259
إرسال رسالة عبر MSN إلى عابر سبيل
إفتراضي

( الإمام الذهبي )



أـ

يقول الإمام الذهبي كما جاء في كتابه سير أعلام النبلاء (الجزء الخامس ) من الطبعة المحققة وكما جاء في كتاب ابن الوزير القاصم
العواصم من القواصم ) نقلا عن سير أعلام النبلاء يقول :


(( هذه ترجمة الإمام العلامة ابن تيمية من ((سير النبلاء )) للذهبي ، نقلتها إلى هنا لأني قد أكثرت عنه النقل في هذا الكتاب خاصة في هذا المجلد ، قال أبو عبدالله الذهبي فيه :

الشيخ

الإمام

العالم

المفسر

الفقيه

المجتهد

الحافظ

المحدث

شيخ الإسلام

، نادرة العصر

، ذو التصانيف الباهرة ،

والذكاء المفرط

تقي الدين أبو العباس أحمد بن العالم المفتى شهاب الدين عبدالحليم ابن الإمام شيخ الإسلام مجد الدين ابي البركات عبد السلام مؤلف (( الأحكام )) ( يعني كتاب المنتقى ) ابن عبدالله بن أبي القاسم الحراني ….. إلى قوله : (سمع من فلان وفلان وخلق كثير ، وأكثر وبالغ وقرأ بنفسه على جماعة ، ونسخ عدة أجزاء و (( سنن أبي داود )) ونظر في الرجال والعلل

وصار من ائمة النقد و من علماء الأثر

مع التدين والذكر ، والصيانة ، ثم أقبل على الفقه ودقائقه وقواعده ، وحججه والإجماع ، والاختلاف ، حتى كان يقتضي منه العجب إذا ذكر مسالة من مسائل الخلاف ، ثم يستدل ، ويرجح ، ويجتهد ، وحق له ذلك ، فإن شروط الإجتهاد كانت قد اجتمعت فيه ،

فإنني ما رأيت أحداً أسرع أنتزاعاً للآيات الدالة على المسألة التي يوردها منه ولا أشد استحضاراً لمتون الأحاديث … صحيح أو إلى المسند …

كأن الكتاب والسنن نصب عينيه ، وعلى طرف لسانه بعبارة رشيقة … ىيات الله في التفسير والتوسع فيه لعلة … الديانة ومعرفتها ومعرفة أحوال الخوارج والروافض والمعتزلة … المبتدعة ، فكان لا يسبق فيه غباره ، ولا يلحق شأوه هذا … من الكرم الذي لم يشاهد مثله ، والشجاعة المفرطة التى يضرب بها المثل ، والفراغ عن ميلان النفس من اللباس الجميل ، والماكل الطيب والراحة الدنيوية ، ولقد سارت بتصانيفه في فنون من العلم والوان بعد تواليفه وفتاويه ( كذا ) في الأصول ، والفروع ، والزهد ، واليقين ، والتوكل ، والإخلاص ، غير ذلك تبلغ ثلاث مئة مجلد ، لا بل أكثر ، وكان قوالاً بالحق نهاء عن المنكر ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، ذا سطوة وإقدام وعدم مداراة للأغيار ، ومن خالطه وعرفه قد ينسبني إلى التقصير في وصفه ، ومن نابذه وخالفه ينسبني إلى التغالي … وع أني لا أعتقد فيه العصمة ، كلا فإنه مع سعة علمه وفرط شجاعته وسيلان ذهنه وتعظيمه لحرمات الدين ، بشر من البشر تعتريه حدة في البحث وغضب … يزرع له عداوة في النفوس ونفوراً عنه ، وإلا والله فلو لاطف الخصوم ، ورفق ، ولزم المجاملة ، وحسن المكالمة ، لكان كلمة إجماع ، فإن كبارهم وائمتهم … خاضعون بعلومه وفقهه ، معترفون بشنوفه وكأنهم مقرون بندور خطئه ، لست أعني بعض العلماء الذين شعارهم وهجيراهم الاستخفاف به ، وافزجراء بفضله ، والمقت له ، حتى استجهلوه وكفروه ،ونالوا منه من غير أن ينظروا في تصانيفه ، ولا فهموا كلامه ، ولا لهم حظ تام من التوسع في المعارف ، والعالم منهم قد ينصفه … بعلم ، وطريق العقل اسكوت عما شجر بين الأقران ، رحم الله الجميع .
وأنا أقل من ان ينبه على قدره كلمي ، أو أن يوضح بناءه قلمي ، وأصحابه وأعداؤه خاضعون بعلمه ، مقرون بسرعة فهمه ، وأنه بحر لا ساحل له ، وكنز لا نظير له ، وأن جودة حاتمي وشجاعته خالدية ، ولكن قد ينقمون عليه أخلاقاً وأفعالاً منصفهم فيها مأجور ، ومقتصدهم فيها معذور ، وظالمهم فيها مازور ، وغالبهم مغرور ، وإلى الله ترجع الأمور ، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك ، والكمال للرسل ، والحجة في الإجماع ، فرحم الله أمرأ تكلم بعلم ، وأمعن في مضايق أقاويلهم بتؤده وفهم ، ثم استغفر لهم ووسع نطاق المعذرة ، وإلا فهو ممن لا يدرى أنه لا يدري .
وإن أنت عذرت كبار الأئمة في معضلاتهم ، ولم تعذر ابن تيمية في مفرداته ، فقد أققرت على نفسك بالهوى وعدم افنصاف ، وإن قلت : لا أعذره لأنه كافر ، عدو الله ورسوله ، قال لك خلق من أهل العلم والدين : ما علمناه والله إلا مؤمناً ، محافظاً على الصلاة والوضوء وصوم رمضان ، معظماً للشريعة ظاهراً وباطناً ، لا يؤتي من سوء فهم ، بل الذكاء المفرط ، ولا من قلة علم فإنه بحر زخار ، بصير بالكتاب والسنة ، عديم النظير في ذلك ولا هو بملاعب بالدين ، فلو كان كذلك لكان اسرع شيء إلى مداهنة خصومه وموافقتهم ومناقضتهم ، ولا هو يتفرد بمسائل بالتشهي ، ولا يفتي بما اتفق ، بل مسائله المفردة يحتج لها بالقرآن أو بالحديث وبالقياس ، يبرهنها ، ويناظر عليها ، وينقل فيها الخلاف ، ويطيل البحث أسوة من تقدمه من الأئمة ، فإن كان قد أخطأ فيها فله أجر المجتهد من العلماء ، وإن كان قد اصاب فله أجر أجران ، وإنما الذم والمقت لأحد رجلين : رجل أفتى في مسالة بالهوى ولم يبد حجة ، ورجل تكلم في مسألة بلا خميرة من علم ، ولا توسع في نقل فنعوذ بالله من الهوى والجهل .
ولا ريب أنه لا أعتبار بمدح خواصه والغلاة فيه ، فإن الحب يحملهم على تغطية هناته ، بل قد يعدونها له محاسن ، إنما العبرة لأهل الورع والتقوى من الطرفين الذين يتكلمون بالقسط ويقومون لله ولو على أنفسهم ، وآبائهم .
فهذا الرجل لا أرجو على ما قلته فيه دنيا ولا مالا ولا جاهاً بوجه أصلاً مع خبرتي التامة به ولكن لا يسعني في ديني ولا عقلي أن أكتم محاسنه ، أدفن فضائله ، وأبرز ذنوباً له مغفورة في سعة كرم الله وصفحة مغمورة في بحر علمه وجوده ، فالله يغفر ويرضى عنه ، ويرحمنا إذا صرنا إليه .
ومع أني مخالف له في مسائل اصلية وفرعية ، فقد أبديت آنفاً أن خطأه فيها مغفور ، بل يثيبه الله فيها على حسن قصده وبذل وسعه والله الموعد ، مع أني قد أوذيت لكلامي فيه من اصحابه …… فحسبي اله .
وكان الشيخ أبيض ، أسود الرأس واللحية ، قليل الشيب ، كأن عينيه لسانان ناطقان ، ربعه من الرجال ، يعيد ما بين المنكبين ، جهوري الصوت ، فصيحاً ، سريع القراءة ، ، تعتريه حدة ، ثم يقهرها بحلم واضح وصفح ، وغليه كان المتنهى في فرط الشجاعة والسماحة وقوة الذكاء ، ولم أر مثله في ابتهاله واستعانته بالله ، وكثرة توجهه .
وقد تعبت بين الفريقين ، فأنا عند محبة مقصر ، وعند عدوه مسرف مكثر كلا والله
توفي إلى رحمة الله في ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وسبع مئة ، وصلى عليه بجامع دمشق عقيب الظهر ، وأمتلأ الجامع بالمصلين كهيئة يوم الجمعة حتى خرج الناس لتشييعه من اربعة أبواب البلد ، وأقل ما قيل في عدد من شهده خمسون ألفاً وقيل أكثر من ذلك وحمل على الرؤوس إلى مقابر الصوفية ، ودفن إلى جانب أخيه الإمام شرف الدين رحمهما الله تعالى وإيانا .
وقد صنف جماعة من الفضلاء له تراجم مطولة ورثي بقصائد كثيرة .
أنتهى )) .
فمن ينظر إلى هذه الترجمة العظيمة الفريدة ، يجد فيها عين الإنصاف ، والترفع عن الإجحاف ، فرحم الله الحافظ الذهبي ، بصر المسلمين في هذا العصر بما يكيكد به أهل البدع أهل السنة والجاعة عامة ، والإمام ابن تيمية خاصة .

يتبع
__________________



كلما حاولت اعدل في زماني .. قامت الامواج تلعب بالسفينه