سابعا:
أما نعيم بن حماد فكما رأيت كلام ابن عبد البر فيما نقل عن نعيم بن حماد سترى ما قاله آخرون لتزيد تأكدا من صحة مذهب أهل السنة والجماعة.
فنعيم بن حماد في الأصل ممن يأنفون من التشبيه ويرُدُّونه، فقد رُوِي ذلك عنه، وَهَبْ أنه قال ذلك، فمَن هو نعيم بن حماد حتى يُصَدَّقَ على الله!، ويُثبَتَ بقوله ما نِسْبَتُه إلى الله تجسيمٌ وحلول!، وقد انكشف أمره في غير شيء، وحسبنا رِيبة إن لم نقطَعْ ما ذكره البرهان الحلبي في (الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث) ط1/عالم الكتب ص268 قال: [نعيم بن حماد الخزاعي المروزي ... إلى أن قال: قال الأزدي: كان ممن يضع الحديث في تقوية السنة!!!، وحكايات مزورة في ثلب النعمان، كلها كذب، انتهى، ونقل ابن الجوزي في الموضوعات عن ابن عدي أنه كان [يضع الحديث]، وقد ذكر الحاكم لنعيم بن حماد في المستدرك في الفتن والملاحم [خبرا] فيه ذِكْرُ السُّفياني، قال الحاكم: صحيح، قال الذهبي في تلخيصه: قلت: هذا من أوابد نعيم انتهى، فهذا يقتضي أنه من [وضعه]، والله أعلم] اهـ ،
فما نقلناه هنا من أشد ما قيل فيه، ومقتضاه على الأقل الحذرُ والحيطةُ.
ويبدو أن هذه اللفظة قد وردت من طريق نعيم مرفوعة إلى النبي أيضا!، فاستنكرها الحافظ "إسماعيل الإصبهاني" المُلَقَّبُ بِقَوّامِ السُّنةِ صاحب (الحُجَّة في بيان المَحَجَّة)، وهذا إنصاف منه، فقال كما في (حاشية على توحيد ابن خزيمة) ط/العلمية ص40: [هذا الإسناد الذي رواه نعيم إسناد مدخول، وفيه مقال، وعلى بعض رواته مطعن، لا يقوم بمثله الحجة، ولا يجوز نسبة هذا القول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تفسير ذلك إلا بعد أن يَرِدَ بإسناد صحيح] اهـ.
فنسبة النزول إلى الذات لم ترد بالمرة وهذا ما يفوت الكثير من المتمسكين بظاهر ما تشابه من الكتاب والسنة حفظنا الله تعالى من شبهاتهم.
ولهذا فانه لما قال أبو مسعود "عبدالجليل كُوْتاه" -تلميذ قوام السنة المذكور- إنه "ينـزل بذاته"!، أنكر عليه شيخه المذكور وبَدَّعه، وهَجَرَه حتى انزَوَى في بيته لا يخرج إلا للجُمُعات، كما نقل ذلك السَّمعاني في (التحبير) 1/433 ترجمة (392)، والذهبي في (السير) 20/330، و(تذكرة الحفاظ ) ط/العلمية 4/1314 وغيرُهما.
ثامنا
فحيث ان مذهب جماعات السلف على امرار هذه الصفات كما وردت من دون تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل تبين ان مرادهم من ذلك تفويض المعنى الى الله عزوجل فهم لم يخوضوا في المعنى ولم يقولوا ان هذا النزول هو نزول حقيقي على المعنى المتعارف عليه انما قالوا صفته بلا كيف وهذا القدر يكفي المسلم في دينه واعتقاده علما ان من السلف من قام بالتأويل التفصيلي بتحديد معنى يليق بجلالة الله وعظمته ومنهم الامام مالك رضي الله عنه امام دار الهجرة والامام البخاري صاحب الصحيح والامام احمد بن حنبل رضي الله عنه صاحب المذهب المعروف وغيرهم كسفيان الثوري وابن عباس الذي دعا النبي له بان يعلمه الله الحكمة وتأويل الكتاب ومجاهد.
تاسعا
السبكي ووصفه لمانعي التأويل
قال قاضي القضاة تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية الكبرى عندما تكلم عن التأويل: [إنما المصيبة الكبرى والداهية الدهيـاء الإمرار على الظاهر والاعتقاد أنه المراد وأنه لايستحيل على البارئ فذلك قول المجسمة عباد الوثن]. انتهى، فانظر كيف شنَّع هذا العالم الجليل على من يُمر هذه الآيات على ظاهرها ووصفهم بأنهم مجسمة كما قال عبدالقاهر البغدادي في كتابه أصول الدين: [المشبهة مجسمة والمجسمة كفار]. انتهى.
إذاً مسلك غالب السلف الإيمان بهذه الآيات كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل فالسلف لم يأخذوا بطاهرها والخلف أولوا تأويلا تفصيليا.
خاتمة
ذكرتَ فيما ذكرت شبهة جديدة وهو اعتقادك أن الله على عرشه بينما كل أهل السنة والجماعة يعتقدون أنه سبحنه وتعالى لا يحويه مكان ولا يجري عليه زمان وهذه نقطة أؤخر الرد عليك بها لكي نبقي على تركيز القارئ في هذا الموضوع ولكن اكتفي بأن أقول لك ما جاء في العقيدة الطحاوية وهي معتمدة عند جمهور أهل السنة والجماعة: [تعالى الله عن الحدود والغايات والأعضاء والأركان والأدوات ولا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات].
وهذا كاف في الرد عليك من أن ربنا سبحنه وتعالى يسكن الجهة ، فالله خالق كل الجهات وهو لا يحتاج اليها وكان قبل خلقها موجودا ولا جهة وبعد ان خلق الجهات فربنا لا يتغير وانما المخلوقات هي التي يصيبها التغير والتطور والتبدل واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين