عرض مشاركة مفردة
  #4  
قديم 18-08-2003, 12:49 PM
ahmednou ahmednou غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2002
المشاركات: 477
إفتراضي

وأما علم الإيمان فعلى حسب ما ورد في حديث عمر بن الخطاب رضي الله، لما أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الإيمان والإسلام والإحسان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره..أما الإسلام فهو: إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا..
وعلم الإيمان يشترك فيه جميع الأنبياء والصالحين والصديقين والشهداء في جميع العصور، بينما تختلف شرائع عبادتهم وتفاصيلها…..وعلم الإيمان هو العلم الذي أتى به جميع الأنبياء وليجعلوه يتغلغل في قلب الإنسان ليوجه بعد ذلك حياته كلها وأعماله وأفعاله وتصرفاته وأخلاقه وعاداته… والإيمان بهذه الستة: الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، ليس معلومات فقط، وإنما إذا لم تدخل قلب العبد لا ينجو أبدا ولا يكون عالما أبدا بل يكون جاهلا، وإن تعلم أي علم آخر…فمن لم يؤمن بهذه الغيبيات الستة، لم ينفعه اختراعات ولا علوم الدنيا ولا اكتشافات ويسمى جاهلا وإن وصل إلى القمر والمريخ….والعكس صحيح من تعلم هذه العلوم ودخل الإيمان قلبه وصدق ذلك بالعمل، فإنه يكون عالما وإن كان لا يقرأ ولا يكتب…وقد وصف الله عز وجل الصحابة بأنهم علماء، على الرغم من وجود كثير منهم ومن العرب لم يقرأ ولم يكتب شيئا….
أولا: الإيمان بالله..وأسمائه الحسنى وصفاته العليا… ويؤثر على ذلك على حياة العبد كلها، في أنها يوحده في عبادته ودعائه واستغاثته ويقدم منهجه عن بقية مناهج البشر، ولا يخاف إلا منه ولا يخاف أحدا من المخلوقات.. وكذلك لا يحب إلا من أحبه الله وأحب الله، ويبغض من لا يحب الله ولا يحبه الله، ولا يوالي إلا من أحب الله وأحبه الله…
ثانيا: الإيمان بالملائكة: وقد ذكرت نصوص الكتاب والسنة بعضهم ومدحتهم وذكرت بعض أفعالهم وعبادتهم وخشيتهم لله وتسبيحهم بحمد الله وسجودهم وحفظهم للبشر وكتابتهم للحسنات والسيئات وقبض أرواحهم وغير ذلك..
ثالثا: الإيمان بالكتب السماوية التي ذكرها الله لنا في القرآن، وأنها تشترك مع القرآن في كثير من معانيها"إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى" وأنها تصدق بعضها بعضا ولا تتعارض مع بعضها في أي شئ…
رابعا: الإيمان بالرسل الكرام عليهم أفضل الصلاة والسلام، وأن الله ابتعثهم رحمة لعباده ليعرفوا البشر بخالقهم ورازقهم ومولاهم، ويعلموهم كيف يعيشون على الأرض الحياة السعيدة المستقيمة، ويعلمونهم كيف يعاملون ربهم وكيف يعبدونه وكيف يوحدونه..
خامسا:الإيمان باليوم الآخر..ونجد أن مشاهد يوم القيامة في القرآن كثيرة جدا وهي أكثر من آيات الأحكام نفسها.. والإيمان بشرف الآخرة وأنها هي الحياة الحقيقية وأن الحياة الدنيا ليست إلا معبرا لها ومكان للاختبار ووسيلة إليه..والإيمان بالجنة ونعيمها والنار وعذابها… والإيمان بخيرية الآخرة وبقائها وحقارة الدنيا وزوالها، مما يوجه الإنسان إلى السعي والجد والاجتهاد لتحصيل ثواب الآخرة، وإلى الزهد والرغبة عن والعزوف عن الدنيا…
سادسا: الإيمان بالقدر خيره وشره… "لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم"، وآيات القدر أيضا في القرآن كثيرة، وتحمل القلب على الاطمئنان والراحة والسكون تحت المقدور والرضا بقدر الله والتسليم لأمر الله، وادخار الطاقات لأمور الآخرة..
فالمقصد أن أهم العلوم هو علم الإيمان ثم علم تشريعات الإسلام ثم علوم الدنيا… ويجب أن نقسم هذه التقسيمات ونضع كل علم في درجته، لأنه حين التعارض يجب تقديم ما هو أولى وما هو مقدم على الآخر..مثال: علم دنيوي من فروض الكفاية لا يوجد إلا في بلد كفار محاربين، ويعلم المسلم أنه لو ذهب إلى هناك لما سمحوا له بالصلاة والصيام وأداء الفرائض، بل وشككوه في علوم الإيمان الثابتة…فهنا نتنازل عما هو أقل درجة إلى ما هو أعلى درجة… فإن كان بالمرء قوة ووقت لأن يتحصل كل هذه العلوم بها ونعمت وهو أفضل من غيره، فإن وجد ضعفا أو ضيقا في الوقت، قدم ما يجب تقديمه وأخر ما يجب تأخيره…

ومن تدبر قصص الأنبياء في القرآن لم يجد إلا هذه المعاني وهذه العلوم الستة التي ذكرها الله لنا ولنبيه صلى الله عليه وسلم وللصحابة حتى يغرس فيهم هذه العلوم الستة.
والأمثلة على ذلك كثيرة في القرآن، بل كل كلام الأنبياء فيه ذكر لله وتعريف به وبالآخرة سواء كان مقام الكلام يناسب ذلك أو لا.. فمثلا في مناظرة موسى لفرعون في سورة الشعراء..{قال فرعون: وما رب العالمين}..فقال موسى عليه السلام:{رب السماوات والأرض إن كنتم موقنين}… ولما قال فرعون: {ألا تستمعون}..لم يقل موسى إلا:{" ربكم ورب آبائكم الأولين}…ولما قال فرعون {إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون}…لم يقل موسى:"أنا لست مجنونا" ولم يدافع عن نفسه، ولم يقل غير ما رأى أنه مكلف به مرسل به ولا تكليف له سواه ولا وظيفة له إلا هي، وهي تعريف الناس بربهم.. فقال:{"رب المشرق والمغرب وما بينها إن كنتم موقنين"}
ومثال آخر: لما قال قوم هود ما قالوا من التكذيب.. كان كل كلامه تعريف للناس بربهم..فلما قال عاد لهود:"إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ {54} مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ {55} إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ {56} فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ}
فنجد هودا عليه السلام لم يرد عليهم إلا وفي كلامه توكل على الله وأنه ربه وربهم وكل دابة هو آخذ بناصيتها، وهو على صراط مستقيم، وهو على كل شئ حفيظ.. وهذا الرد لا علاقة له بكلامهم، لأنه كسائر الأنبياء لا وظيفة لهم إلا تعريف الناس بربهم ودعوتهم إلى توحيده والتوكل عليه وخشيته ومحبته.. ولذلك نجد موسى أيضا عليه السلام يقول لبني إسرائيل:{"إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده"} لما قالوا له:{"أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا"}.. فالنبي يستغل كل فرصة ليخبر عن أسماء الله الحسنى وصفاته العليا وبطشه وعذابه ورحمته.. كما قال شعيب أيضا لقومه:{"واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي غفور ودود"} وقال صالح عليه السلام:هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب"} وهذا من قوانين القصص القرآني الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه لمن تدبر هذه الأمور..
فهذه هي العلوم التي جاء بها الأنبياء والتي كانوا يدعون الناس إليها والتي إذا رفضها البشر ورفضتها القرى دمرت عن آخرها، لا قيمة لقوة فرعون وأنهاره التي تجري من تحته، ولا لهندسة ثمود التي جعلتهم ينحتون في الجبال بيوتا، ولا أي اختراعات أو اكتشافات أو علوم دنيوية يكون لها قيمة بدون هذه العلوم: أي معرفة الله سبحانه والآخرة…
__________________
أبو سعيد