عرض مشاركة مفردة
  #4  
قديم 25-10-2003, 11:07 AM
الهادئ الهادئ غير متصل
جهاد النفس الجهاد الأكبر
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2003
الإقامة: بلد الأزهر الشريف
المشاركات: 1,208
إفتراضي

العمر الأول


وَهوَ مِنْ حِين خَلق الله آدَمَ عَلَيْهِ السَلاَم. وَأودَع
الذرِيَّة في صُلبه المبَارك . أهْلَ اليَمين وَأهْلَ الشِّمَال



وقد استخرج الله هذه الذرية من ظهر آدم، بعد أن أودعها فيه، حين أخرجهم دفعة واحدة، لأخذ الميثاق عليهم، بالإقرار بالوحدانية والربوبـية، وذلك بـنعمان: واد قريب من عرفات، كما ورد ذلك في قوله تعالى: [ وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم و أشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين] الأعراف:7/172 والآية التي تليها.

وفي الخبر أو الأثر:

أنه سبحانه لما أخذ عليهم ذلك الميثاق، كتب عليهم به كتاباً، وألقمه الحجر الأسود. وذلك معنى قول المستلم للحجر، عند الطواف بالبيت العتيق: اللهم إيماناً بك، ووفاءً بعهدك، وتصديقاً بكتابك .
ولا شك أن ذلك يقتضي أن للذرية، وجوداً سمعاً ونطقاً، ولكنه في مرتـبة أخرى من مراتب الوجود، ليست هي المرتبة من الوجود الدنـيوي. ومراتب الوجود كثيرة، كما يعرف ذلك أهل العلم به وبها.

وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أنه كان نبياً وآدم بين الماء والطين، وبين الروح والجسد، وأنه هبط مع آدم حين أهبط، وكان مع نوح حين ركب السفينة ومع إبراهيم حين ألقي في نار النمرود )) .
وهذا وإن كان عاماً في جميع الذرية، التي كانت في أصلاب هؤلاء النبيين المذكورين، عليهم الصلاة والسلام، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم، من ذلك وجود أتم وأكمل.

ولعل ذلك كان بعلم منه، وشعور بقي معه في تلك الحال،صلى الله عليه وسلم إلى حين ظهوره في العالم الدنيوي، وقوله ذلك ليتميز، عليه الصلاة والسلام من غيره، بما خص به نفسه، ونبّه به على خصوصيته.
وأما غيره من الذرية، فيحتمل أنه كان لهم شعور ما في تلك الأحوال سيما عند أخذ الميثاق، ولكنه لم يبق لهم ذلك، لا علماً ولا شعوراً، كما بقي له صلى الله عليه وسلم .

وقد كانت الذرية في ظهر آدم لا محالة حتى في الجنة، ويدل عليه ما ذكر في حديث الشفاعة "وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم آدم". وفي محاجة موسى لآدم عليهما السلام : "أنت الذي أخرجت الناس من الجنة بخطيئتك". الحديث، وورد أيضاً: إن الله تعالى لما استخرج الذرية من ظهر آدم عليه السلام، فرأتهم الملائكة عليهم السلام، وقد ملئوا السهل والوعر، قالوا: يا ربنا لا تسعهم الدنيا، فقال الله تعالى: إني جاعل موتاً، فقالوا : إذاً لا يهنؤ هم العيش، فقال تعالى: إني جاعل أملا.

وورد أيضاً:

أن الله لما استخرج الذرية من ظهر آدم عليه السلام، فرأى منهم واحداً جميل الصورة، فسأل عنه فقيل له: هو ولدك داود عليه السلام، فسأل آدم ربه: كم كتبت لداود من العمر؟ قال تعالى : ستين سنة. فسأل ربه تعالى له الزيادة من العمر فقال سبحانه وتعالى: هذا الذي كتبت له. فقال آدم عليه السلام : أزد له من عمري أربعين سنة، وكان الله سبحانه قد كتب لآدم من العمر ألف سنة. والحديث معروف ومشهور.

ولما رأى موسى عليه السلام في التوراة، أمة موصوفة بأوصاف حميدة، ومنعوتة بنعوت كريمة، سأل عن تلك الأمة ربه: من هي؟ وأي نبي نبيها؟ وأن يجعلها أمته. فقال الله تعالى : هي أمة أحمد، صلوات الله وسلامه عليهما. فسأل ربه: أن يظهر تلك الأمة له. فأظهرها له سبحانه وتعالى. ولعل هذا الخبر يأتي بتمامه في آخر هذا العمر. وهو مذكور في بعض التفاسير عند قوله : (وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ) القصص:28/46. الآية .
فتبين بما ذكرناه، وبما لم نذكره، مما في معناه: أن للذرية وجوداً قبل بروزها إلى هذا العالم الدنيوي. وأن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وجوداً وظهوراً في ذلك أتم وأكمل.


وقد أشار إليه العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي عنه، في أبيات له يمتدح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. منها: قوله:

[poet font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
من قبلها طبت في الظلال وفي=مستـودع حيث يخصف الورق
ثم هبطت البـلاد لا بـشـر=أنـت ولا مضغـة و لا عـلق
بل نطفة تركب السفين وقـد=ألجم نسـراً وأهـلـه الغـرق
تنقل من صـلب إلى رحـم=إذا مضـى عـالم بـدا طـبق

[/poet]

إلى أن قال :

[poet font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
حتى احتوى بيتك المهيمن من=خنـدف عليـاء دونها النطـق
[/poet]

ونسر: من أصنام قوم نوح عليه السلام. وخندف: امرأة إلياس بن مضر، وهي جدة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وروي أن آدم صلى الله عليه وسلم ، كان يسمع تسبيح نور رسول الله صلى الله عليه وسلم، نشيشاً في ظهره كنشيش الطائر. فلما حملت حواء بـشيث، عليهما السلام، انتقل ذلك إليها، ثم إلى شيث عليه السلام، ثم لم يزل ينتقل ذلك النور في الأصلاب الطاهرة، والأرحام الزاهرة، إلى أن خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، من بين أبويه الكريمين، لم يصبه شئ من أدناس الجاهلية وأقذارها، وقد كانت لهم أنكحة باطلة، طهره الله منها صلوات الله عليه، كما قال عليه الصلاة والسلام: خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح .
وفي تفسير قوله تعالى : [ الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين ] الشعراء:26/218-219 عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن ذلك انتقاله عليه أفضل الصلاة والسلام، من صلب نبي إلى نبي آخر، مثل إسماعيل وإبراهيم ونوح وشيث وآدم، عليهم السلام. وهذا لا خلاف فيه.
وأما التقاؤه صلوات الله وسلامه عليه بآدم في السماء الدنيا، فذلك ليلة المعراج، وو صلوات الله عليه في عمره الدنيوي، وآدم في البرزخ.
وأما الأسودة التي رآها عن يمين آدم وعن شماله، فسأل عنها قيل: إنها نسم بنيه. فيحتمل أنهم الذين قد ماتوا وظهرت أعمالهم المميزة لهم ويحتمل غير ذلك.

وأما التقاء موسى عليه السلام بآدم، حيث حاجّه، فيحتمل أن يكون وهما في البرزخ جميعاً، ويحتمل غيره. والله أعلم بحقيقة الحال.

يتبع بإذن الله