عرض مشاركة مفردة
  #10  
قديم 31-10-2003, 07:15 AM
الأزهري الصادق الأزهري الصادق غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2003
المشاركات: 7
إفتراضي

محنة يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز

أقام يوسف عليه السلام في بيت عزيز مصر ووزيرها منعماً مكرماً وكان فائق الحسن والجمال، فلما شبّ وكبر أحبته امرأة العزيز حبّاً جمّاً وعشقته وشغفها حبّه لما رأت من حسنه وجماله الفائق. وذات يوم وقيل: كان عمر يوسف سبعة عشر عاما أرادت امرأة العزيز أن تحمله على مواقعتها وما يريد النساء من الرجال عنوةً، وهي في غاية الجمال والمال والمنصب والشباب، وغلقت الأبواب عليها وعليه، وتهيأت له وتصنعت ولبست أحسن ثيابها وأفخرها ودعته صراحة الى نفسها من غير حياء وطلبت منه ما لا يليق بحاله ومقامه، والمقصود أنها دعته اليها وحرصت على ذلك أشد الحرص، ولكن هيهات هيهات.. وهو النبي العفيف الطاهر المعصوم عن مثل تلك الرذائل والسفاهات والفواحش وهو نبي من سلالة الأنبياء الذين يستحيل عليهم الرذائل والفواحش. لذلك أبى يوسف عليه السلام ما دعته اليه امرأة العزيز، وامتنع أشد الامتناع وأصر على عصيان أمرها وقال: معاذ الله، أي أعوذ بالله أن أفعل هذا، ثم قال لها: {إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ 23} [سورة يوسف] يريدُ أنّ زوجها صاحبَ المنزل سيدي – أي بحسب الظاهر للناس- أحسن اليّ وأكرم مقامي عنده وائتمنني فلا أخونه في أهله، وأنّ الذي تدعينني اليه لَظلم فاحش ولا يُفلح الظالمون، يقول الله تعالى: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ 23} [سورة يوسف].
وأمام اباء يوسف عليه السلام عن مطاوعة امرأة العزيز، وأمام عفته واصراره على عدم الوقوع معها في الحرام، ازدادت هي اصرارا على الهمّ بالرذيلة فأمسكت به تريد أن تجبره على مواقعتها وارتكاب الفاحشة معها من غير حشمة وحياء، فصار عليه السلام يحاولُ أن يتخلصَ منها، فأفلت من يدها فأمسكت ثوبه من خلف فتمزق قميصه، وظلت تلاحقه وهما يستبقان ويتراكضان الى الباب هو يريد الوصول اليه ليفتحه ليتخلص منها يدفعه الى ذلك الخوف من الله مولاه، وهي تريد أن تحول بينه وبين الباب تدفعها الى ذلك الشهوة الجامحة والاستجابة لوساوس الشيطان، وفي تلك اللحظات وصل زوجها العزيز فوجدهما في هذه الحالة، فبادرته بالكلام وحرضته عليه وحاولت أن تنسب الى يوسف عليه السلام محاولة اغوائها والاعتداء عليها مدعية أنها امتنعت وهربت منه فنسبت الى يوسف الخيانة وبرّأت نفسها، لذلك ردّ نبي الله يوسف عليه السلام التهمة عن نفسه وقال: هي راودتني عن نفسي، يقول الله تبارك وتعالى: {وَاسُتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ 25 قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي} [سورة يوسف].
وأما قوله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ 24} [سورة يوسف].
فمعناه أن امرأة العزيز همّت بأن تدفعه الى الأرض لتتمكن من قضاء شهوتها بعد وقوعه على الأرض وهو همّ بأن يدفعها عنه ليتمكن من الخروج من الباب لكن لم يفعل هو لأن الله ألهمه أنه ان دفعها لكان ذلك حجة عليه عند أهلها بأن يقولوا انّما دفعها ليفعل بها الفاحشة، وهذا معنى قول الله تعالى: { لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ 24} أي لولا أن رأى برهانا من الله لدفعها، فلم يدفعها بل أدار لها ظهره ذاهبا الى الباب فلحقته فشقت قميصه من خلف فكان الدليل والحجة عليها ولو ضربها ودفعها لكان ضربه ودفعه اياها حجة لها عليه، لأن تقول: راودني فمنعته فضربني.
والذي يجب أن يُعتقد أن الله تبارك وتعالى عصم نبيه يوسف عليه السلام ونزهه عن الفاحشة وحماه عنها وصانه منها، كما صان وعصم سائر أنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلام لأن الأنبياء كما أجمع علماء الاسلام أنه تجب للأنبياء الصيانة، فيستحيل عليهم الرذائل والسفاهة والجبن، ولهذا قال الله تعالى في حق يوسف عليه السلام نافيا عنه السوء والفحشاء ومطهراً اياه من قصد الفاحشة والهمّ بالزنى {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ 24} [سورة يوسف].
لذلك لا يصحّ ما يُروى عن بعض المفسرين أنه حلّ السراويل وقعد منها مقعد الرجل من امرأته، فان هذا باطل لا يليق بنبي من أنبياء الله تعالى، وكذلك ما في تفسير الجلالين وغيره أن يوسف قصد الزنى بها فانه لو كان حصل هذا من يوسف لكان فيه دليل على العزم والأنبياء صلوات الله عليهم معصومون من العزم على الزنى والفاحشة ومقدماتها، قال تعالى في بيان براءة نبيّه يوسف عليه السلام: {قالت امرأتُ العزيز الآنَ حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وانّه لمن الصادقين 51} [سورة يوسف].


تَبرئة يوسف عليه السلام ممّا اتهمته به امرأة العزيز

بعد أن اتهمت امرأة العزيز يوسف عليه السلام بأنه حاول الاعتداء عليها بالفاحشة وبرأت نفسها ردّ يوسف عليه السلام هذه التهمة عنه وقال: هي راودتني عن نفسي، وفي هذا الموقف أنطق الله القادر على كل شىء شاهداً من أهلها وهو طفل صغير في المهد لتندفع التهمة عن يوسف عليه السلام وتكون الحجة على المرأة التي اتهمته زورا ولتظهر براءة يوسف عليه السلام واضحة أمام عزيز مصر ووزيرها، فقال هذا الشاهد من أهلها: {ان كان قميصه قُدّ من قُبُل فَصَدَقَتْ وَهوَ من الكاذبين 26} [سورة يوسف] أي لأنه يكون قد راودها فدفعته حتى شقّت مقدم قميصه فتكون التهمة بذلك على يوسف، ثم قال: {وان كان قميصه قُدّمن دبر فكذبت وهو من الصادقين 27} [سورة يوسف] أي لأنه يكون قد تركها وذهب فتبعته وتعلقت به من خلف فانشق قميصه بسبب ذلك وتكون التهمة بذلك على امرأة العزيز، فلمّا وجد العزيز أنّ قميص يوسف قد انشق من خلف خاطب زوجته وقال لها: {انّه من كيدكُنّ انّ كيدكُنّ عظيم 28} [سورة يوسف] أي هذا الذي جرى من مكركنّ أنت راودته عن نفسه ثم لتدفعي التهمة عن نفسك اتهمته بالباطل والبهتان.
ثم قال زوجها ليوسف عليه السلام بعد أن ظهرت براءته: {يوسفُ أعرض عن هذا 29} [سورة يوسف] أي لا تذكره لأحد لأن كتمان هذه الأمور في ذلك الحين أحسن، ثمّ أمر زوجته بالاستغفار لذنبها الذي صدر منها والتوبة الى ربها وقال لها: {واستغفري لذنبك انك كنتِ من الخاطئين 29} [سورة يوسف] يعني من المذنبين الآثمين.
وبذلك ظهرت براءة يوسف عليه السلام ظهور الشمس في وضح النهار، وظهر للعزيز عفة يوسف عليه السلام، وأنه نزيه العرض سليم الناحية، وأنه منزه عن التهمة التي اتهمته بها امرأته زورا وبهتانا.


شيوع الخبر في المدينة وتحدث النساء به

شاع خبر امرأة العزيز ويوسف عليه السلام في أرجاء المدينة وأخذت ألسنة النساء من نساء الأمراء وبنات الكبراء في الطعن على امرأة العزيز وعيبها، والتشنيع عليها على فعلتها، كيف تعشق سيدة ذات جاه ومنصب فتاها وتراوده عن نفسه فتطلب منه مواقعتها، وبلغ ذلك امرأة العزيز فأرسلت الى هؤلاء اللائمات من ذوات الثراء والجاه ودبرت لهنّ مكيدة حتى يَعذرنها في حبها وغرامها ليوسف عليه الصلاة والسلام فجمعتهن في منزلها وأعدّت لهنّ ضيافة تليق بحالهن، فقد هيأت لهن مكانا أنيقا فيه من النمارق والوسائد ما يتكئنَ عليه، وقدمت اليهن طعاماً يحتاج الى القطع بالسكين، وقيل: ناولت كل واحدة منهن أتْرُجّة – نوع من الفاكهة- وسكينا وقالت لهن: لا تقطعن ولا تأكلهن حتى أعلمكن، ثم قالت ليوسف عليه السلام: أخرج عليهن، فلما خرج عليه السلام الى مكان جلوس هؤلاء النسوة ورأينه بَهَرَهُنّ جماله وألهاهن حسنه الفائق وتشاغلن عما في أيديهن فصرن يحززن أيديهن ويقطعنها وهن يحسبن أنهن يقطعن الطعام والفاكهة، وهنّ لا يشعرنَ بألم الجرح، وأعلنّ اكبارهن واعظامهن لذلك الجمال الرائع الذي كان عليه سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام، حيث ما ظننّ أن يكون مثلُ هذا الجمال في بني ءادم. ثم قُلن: حاشَ الله ما هذا بشرا ان هذا الا ملك كريم، عند ذلك باحت امرأة العزيز بحبها وشغفها بيوسف عليه السلام الذي بهرها جماله وملك عليها قلبها، وقالت للنسوة معتذرة في عشقها يوسف وحبها اياه: فذلكن الذي لمتنني فيه، ثم مدحت يوسف عليه السلام بالعفة والتامة والصيانة، واعترفت وأقرت بأنها هي التي راودته عن نفسه وطلبت منه ما تريد ولكنه استعصم وامتنع، وأخبرتهن أنه ان لم يطاوعها الى ما تريد من قضاء شهوتها ليحبسنّ في السجن ويكون فيه ذليلا صاغرا.
قال الله تبارك وتعالى: {وقال نسوة في المدينة امرأتُ العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبّاً انّا لنراها في ضلال مبين 30 فلمّا سمعت بمكرهنّ أرسلت اليهنّ وأعتدتْ لهنّ متكئاً وءاتت كلّ واحدة منهنّ سكينا وقالت اخرج عليهن فلمّا رأينه أكبرنه وقطّعنَ أيديهنّ وقُلنَ حاشَ لله ما هذا بشراً ان هذا الا ملك كريم 31 قالت فذلكنّ الذي لمتنّني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما ءامره ليسجننّ وليكونـًا من الصاغرين 32} [سورة يوسف].
وقامت النساء يحرضن يوسف عليه السلام على السمع والطاعة لسيدته ولكنه عليه السلام أبى أشدّ الاباء ودعا ربه مستغيثاً به فقال في دعائه: {رب السجن أحبّ الىّ مما يدعوننى اليه والا تصرف عني كيدهنّ أصبّ اليهنّ وأكن من الجاهلين 33} [سورة يوسف]، يعني ان وكلتني الى نفسي فليس لي من نفسي الا العجز والضعف ولا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً الا ما شاء الله فأنا ضعيف الا ما قويتني وعصمتني وحفظتني وأحطتني بحولك وقوتك. فاستجاب الله تعالى دعوة نبيه يوسف عليه السلام وصرف عنه كيدهن ونجّاه من ارتكاب المعصية معهن قال الله تعالى: {فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن انه هو السميع العليم 34} [سورة يوسف].
__________________

{*} وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا{*}