ونحن على أعتاب موسم الحج
نستذ كر من خلالها ذلك الماضي البعيد القريب بألامه وسلبياته ، لنعرف كيف كنا وكيف أصبحنا بفضل الله ، والذي كانت فيه الجزيرة العربية قبل توحيدها ، كما أشرت تعيشه ضلاما دامس ، وجهل كابس ، وتناحر وفوضى ، لايتوفر معها حتى الحد الأدنى ، من إدراك مفاهيم الأمن الأولية ، فالخوف والقلق وحب الإنتقام والركض وراء السلب والنهب هو الغالب ، وهو ديدن الغالبية ومصدر تفاخرهم آنذاك ، فالعصابات لاتأمن طريقها وتتوقع بين خطوة وأخرى خروج عصابة أخرى ، فكيف بالأفراد والحجيج ، لقد كان يتعرضون لمخاوف مرعبة قبل المسير ، أما اذا ساورا فقلوبهم على كفوفهم تنتظر كمين هنا ، أو غارة هناك وهكذا .. وفي وسط هذه المعمعة وسيطرة الخوف ، كان الجميع يستذكر مراحل آمنية مرة بها الجزيرة في مراحل غير بعيدة عن تلك الفترة المظلمة ، فقد كان للدولة الأولى السعودية ثم الثانية ، مساحة من الأمن أشار أليه كثير من المؤرخين ، لذلك فلعل هناك بصيص أمل في أن يقيض الله من يزيل عن الجزيرة غمتها ، فكان القدر على موعد بتوفيق من الله مع الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود ، الذي كان أول همه إرساء قواعد الأمن بتطبيق الشريعة ، فكان الأمن جل همه ، فشعب غير آمن لن يقدر على الإستقرار ثم التطور والمواكبة ، ودولة كالمملكة العربية السعودية ، أمنها هو أمن لكافة المسلمين في كافة أقطار المعمورة ومصدر طمأنينة ، فهي مهبط الوحي ، وقبلة المسلمين ، وبها الحرمان الشريفان ، والجزيرة بشكل عام لم تشهد الأمن إلا في عهد الدولة الإسلامية ، ثم أنتكس الأمن إنتكاسة مخيفة ، تركت ضلال سوداء داكنة على تاريخ هذه الجزء الغالي ، وحينما جأء عبدالعزيز ، كان يدرك في قرارة نفسه ، صعوبة المهمة ، وأن الغالبية يتوقعون في ضل مؤثرات تلك الحقبة الفشل الذريع ، لكن عزيمة الملك العادل ، والفارس المتمكن ، والسياسي المحنك ، والقائد المدرك ، والراعي العطوف ، كانت تصب في صالح أمن وطمأنينة من على هذا الثرى المبارك ، من مواطنين ووافدين ، وكان عبدالعزيز كما أسلفت جل همه تأمين الأمن لرعيته ، ثم الإنطلاق لبناء الكيان لبنة لبنة ، على بصيرة وحسن إدارة ، أعطت نتائجها في فترة وجيزة ، ولست هنا للحديث عن مسيرة الأمن في هذه البلاد بمفاهيمه الشمولية ، بقدر ما أرى من تسليط بصيص من الضؤ على جانب مهم وحيوي من جوانب الأمن في هذا الكيان ، وهو أمن الحجيج الذي يهدف إلى المحافظة على سلامتهم في مكة والمدينة والمشاعر ومنذ وصول الحجيج حتى مغادرتهم وخلال تنقلاتهم
تحياتي