عرض مشاركة مفردة
  #4  
قديم 10-11-2003, 06:12 PM
يتيم الشعر يتيم الشعر غير متصل
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2001
الإقامة: وأينما ذُكر اسم الله في بلدٍ عدَدْتُ أرجاءه من لُبِّ أوطاني
المشاركات: 5,873
إرسال رسالة عبر MSN إلى يتيم الشعر إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى يتيم الشعر
إفتراضي

وجه الشبه بين ربا الجاهلية و عمل البطاقتين:
أن ما يحدث في بطاقتي الائتمان المشار إليهما هو من هذا الباب، فالبنك المصدر للبطاقة يخير العميل بين وفاء دينه الذي حل أجله وبين تأخير الوفاء مع زيادة الدين في ذمته من خلال التورق، ثم إذا حل أجل الدين الجديد تكرر الأمر مرة أخرى، فينمو الدين ويتضاعف في ذمة المدين، وهذا عين ربا الجاهلية. ولا يؤثر في هذه الحقيقة كونها تتم من خلال سلع أو بضائع غير مقصودة لأي من الطرفين؛ فإن العبرة بالحقائق والمعاني لا بالصور والمباني. والله شرع البيع والشراء لتحقيق مصلحة الطرفين، لا للاحتيال به على الربا.
ويؤيد ذلك ما ورد عن الإمام مالك:( قال مالك في الرجل يكون له على الرجل مائة دينار إلى أجل فإذا حلت قال له الذي عليه الدين بعني سلعة يكون ثمنها مائة دينار نقدا بمائة وخمسين إلى أجل قال مالك هذا بيع لا يصلح , ولم يزل أهل العلم ينهون عنه قال مالك , وإنما كُره ذلك ; لأنه إنما يعطيه ثمن ما باعه بعينه , ويؤخر عنه المائة الأولى إلى الأجل الذي ذكر له آخر مرة , ويزداد عليه خمسين دينارا في تأخيره عنه فهذا مكروه , ولا يصلح , وهو أيضا يشبه حديث زيد بن أسلم في بيع أهل الجاهلية أنهم كانوا إذا حلت ديونهم قال للذي عليه الدين إما أن تقضي , وإما أن تربي فإن قضى أخذوا , وإلا زادوهم في حقوقهم وزادوهم في الأجل ) . أهـ.
فالإمام مالك -رحمه الله – جعل هذه المعاملة التي فيها قلب للدين شبيهة بربا الجاهلية إما أن تقضي وإما أن تربي، و أما قول الإمام مالك " وإنما كُره ذلك" ليس المراد به الكراهة التي يحدها الأصوليون : ما نهي عنه نهياً غير جازم، أو ما يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله، بل المراد بالكراهة عند السلف التحريم، خلافاً للمتأخرين فإنهم اصطلحوا على تخصيص الكراهة بما ليس بمحرم(19).
المخالفة الثالثة: أن فيهما تحايلاً على الربا.
من خلال ما سبق، تبين للباحث أن عمل البطاقتين ما هو إلا تحايل على الربا، وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من الاحتيال على ما حرمه الله تعالى بقوله:" لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود، فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل"(20).
وقال صلى الله عليه وسلم:"قاتل الله اليهود،حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها"(21).
وحقيقة الحيلة المحرمة أنها توسل بعمل مشروع لتحقيق غاية محرمة، فالبيع مشروع لكن التوسل به الزيادة الدين في ذمة المدين مقابل تأخير الوفاء توسل لغاية ونتيجة محرمة، فيكون البيع في هذه الحالة حيلة محرمة
قال الموفق:" ثبت من مذهب أحمد أن الحيل كلها باطلة" (22)، وقال:" الحيل كلها محرمة، غير جائزة في شيء من الدين، وهو أن يظهر عقداً مباحاً يريد به محرماً، مخادعة وتوسلاً إلى فعل ما حرم الله"(23).
وقال ابن القيم رحمه الله :" النبي صلى الله عليه وسلم قد قال كلمتين كفتا وشفتا وتحتهما كنوز العلم وهما قوله : { إنما الأعمال بالنيات , وإنما لكل امرئ ما نوى } فبين في الجملة الأولى أن العمل لا يقع إلا بالنية , ولهذا لا يكون عمل إلا بنية , ثم بين في الجملة الثانية أن العامل ليس له من عمله إلا ما نواه وهذا يعم العبادات والمعاملات والأيمان والنذور وسائر العقود والأفعال , وهذا دليل على أن من نوى بالبيع عقد الربا حصل له الربا , ولا يعصمه من ذلك صورة البيع …وإذا نوى بالفعل التحيل على ما حرمه الله ورسوله كان له ما نواه ; فإنه قصد المحرم وفعل مقدوره في تحصيله , ولا فرق في التحيل على المحرم بين الفعل الموضوع له وبين الفعل الموضوع لغيره إذا جعل ذريعة له , لا في عقل ولا في شرع ; ولهذا لو نهى الطبيب المريض عما يؤذيه وحماه منه فتحيل على تناوله عد متناولا لنفس ما نهى عنه , ولهذا مسخ الله اليهود قردة لما تحيلوا على فعل ما حرمه الله , ولم يعصمهم من عقوبته إظهار الفعل المباح لما توسلوا به إلى ارتكاب محارمه , ولهذا عاقب أصحاب الجنة بأن حرمهم ثمارها لما توسلوا بجذاذها مصبحين إلى إسقاط نصيب المساكين , ولهذا لعن اليهود لما أكلوا ثمن ما حرم الله عليهم أكله , ولم يعصمهم التوسل إلى ذلك بصورة البيع . وأيضا فإن اليهود لم ينفعهم إزالة اسم الشحوم عنها بإذابتها فإنها بعد الإذابة يفارقها الاسم وتنتقل إلى اسم الودك , فلما تحيلوا على استحلالها بإزالة الاسم لم ينفعهم ذلك .
قال الخطابي : في هذا في الحديث بطلان كل حيلة يحتال بها المتوسل إلى المحرم ; فإنه لا يتغير حكمه بتغير هيئته وتبديل اسمه .
إذا تبين هذا فمعلوم أنه لو كان التحريم معلقا بمجرد اللفظ وبظاهر من القول دون مراعاة المقصود للشيء المحرم ومعناه وكيفيته لم يستحقوا اللعنة لوجهين : أحدهما : أن الشحم خرج بجمله عن أن يكون شحما , وصار ودكا , كما يخرج الربا بالاحتيال فيه عن لفظ الربا إلى أن يصير بيعا عند من يستحل ذلك ; فإن من أراد أن يبيع مائة بمائة وعشرين إلى أجل فأعطى سلعة بالثمن المؤجل ثم اشتراها بالثمن الحال , ولا غرض لواحد منهما في السلعة بوجه ما , وإنما هي كما قال فقيه الأمة دراهم بدراهم دخلت بينهما حريرة ; فلا فرق بين ذلك وبين مائة بمائة وعشرين درهما بلا حيلة ألبتة , لا في شرع ولا في عقل ولا عرف , بل المفسدة التي لأجلها حرم الربا بعينها قائمة مع الاحتيال أو أزيد منها , فإنها تضاعفت بالاحتيال لم تذهب ولم تنقص ; فمن المستحيل على شريعة أحكم الحاكمين أن يحرم ما فيه مفسدة ويلعن فاعله ويؤذنه بحرب منه ورسوله ويوعده أشد الوعيد ثم يبيح التحيل على حصول ذلك بعينه سواء مع قيام تلك المفسدة وزيادتها بتعب الاحتيال في معصية ومخادعة الله ورسوله . هذا لا يأتي به شرع ; فإن الربا على الأرض أسهل وأقل مفسدة من الربا بسلم طويل صعب التراقي يترابى المترابيان على رأسه، فيا لله العجب , أي مفسدة من مفاسد الربا زالت بهذا الاحتيال والخداع ؟ فهل صار هذا الذنب العظيم عند الله هو من أكبر الكبائر حسنة وطاعة بالخداع والاحتيال ؟ ويا لله , كيف قلب الخداع والاحتيال حقيقته من الخبيث إلى الطيب ومن المفسدة إلى المصلحة وجعله محبوبا للرب تعالى بعد أن كان مسخوطا له ؟ ولئن كان هذا الاحتيال يبلغ هذا المبلغ فإنه عند الله ورسوله بمكان ومنزلة عظيمة وإنه من أقوى دعائم الدين وأوثق عراه وأجل أصوله .
ويا لله العجب , أي فرق بين بيع مائة بمائة وعشرين درهما صريحا وبين إدخال سلعة لم تقصد أصلا بل دخولها كخروجها ؟ ولهذا لا يسأل العاقد عن جنسها ولا صفتها ولا قيمتها ولا عيب فيها ولا يبالي بذلك ألبتة حتى لو كانت خرقة مقطعة أو أذن شاة أو عودا من حطب أدخلوه محللا للربا , ولما تفطن المحتالون أن هذه السلعة لا اعتبار بها في نفس الأمر , وأنها ليست مقصودة بوجه , وأن دخولها كخروجها – تهاونوا بها , ولم يبالوا بكونها مما يتمول عادة أو لا يتمول , ولم يبال بعضهم بكونها مملوكة للبائع أو غير مملوكة , بل لم يبال بعضهم بكونها مما يباع أو مما لا يباع كالمسجد والمنارة والقلعة , وكل هذا وقع من أرباب الحيل , وهذا لما علموا أن المشتري لا غرض له في السلعة فقالوا : أي سلعة اتفق حضورها حصل بهذا التحليل."(24)
المخالفة الرابعة: أنهما داخلتان في حديث " نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن سلف وبيع".
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع،ولا ربح ما لم يضمن،ولا بيع ما ليس عندك"(25)
قال ابن القيم – رحمه الله - :" وأما السلف والبيع: فلأنه إذا أقرضه مائة إلى سنة، ثم باعه ما يساوي خمسين بمائة: فقد جعل هذا البيع ذريعة إلى الزيادة في القرض الذي موجبه رد المثل، ولولا هذا البيع لما أقرضه ولولا عقد القرض لما اشترى ذلك."(26)
ووجه الشبه بين هذا التفسير للحديث وعمل البطاقتين:
أن العلاقة بين مصدر البطاقة وحاملها: هي علاقة مقرض يتمثل في مصدر البطاقة، ومقترض هو حامل البطاقة.
فحامل البطاقة إما أن يشتري سلعاً ومن ثم يقوم البنك بالسداد، ويكون هذا المبلغ ديناً في ذمة حامل البطاقة، أو أنه يسحب مبلغاً نقدياً من مكائن الصرف، وفي كلا الحالتين تكون ذمة حامل البطاقة مشغولة للبنك المصدر لها، ويحدد له يوماً يقوم بسداد الدين فيه.
وعند الرجوع إلى اتفاقية عمل البطاقتين نجد أن البنك السعودي الأمريكي وضع من ضمن الاتفاقية أنه متى حل سداد الدين ولم يسدد حامل البطاقة فإنه سوف يجري عملية تورق بالوكالة.
وأما البنك الأهلي فقد قرر في الاتفاقية أنه متى حل الدين فإنه سيجري عملية التورق من خلال التصرف الفضولي.
وفي كلا الحالتين: نجد أن البنكين اشترطا في عملية الإقراض أنه متى حل موعد سداد الدين ولم يسدد حامل البطاقة فإنه تجرى عملية التورق، فهنا اجتمع في هذه المعاملة سلف وبيع.
المخالفة الخامسة: أنهما داخلتان في حديث " نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة".
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة. وفي لفظ " من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا"(27).
قال الإمام الخطابي – رحمه الله - في بيان معنى الحديث:" كأن يسلفه ديناراً في قفيزين إلى شهر فلما حل الأجل وطالبه بالبر، قال له: بعني القفيز الذي لك علي بقفيزين إلى شهر. فهذا بيع ثان قد دخل على البيع الأول فصار بيعتين في بيعة فيردان إلى أوكسهما وهو الأصل، فإن تبايعا المبيع الثاني قبل أن يتناقضا الأول كانا مرتبين" معالم السنن (2/104)
وتوضيح ذلك: أن المراد به قلب الدين على المعسر في صورة بيع الدين المؤجل على المدين إلى أجل آخر بزيادة عليه.
__________________
معين بن محمد