كان من أصعب المواقف التي قد يمر بها بشر ...
خيم السكون على المكان ...
وكلمات الحوقلة يتمتم بها الجميع ...
فقال الإبن الأكبر : يا فضيلة الشيخ ...
نحن فقدنا عائلنا وواجهنا صعاب الحياة ونحن في سن مبكرة بين اليتم والحرمان ولا نتنازل عن الحكم الإلهي بحق من قتل والدنا . !!
وجدت نفسي أندفع وبلا شعور وأتجه الى أكبرهم فصدني بكل قوة ...
وقال أرجوك ... نحن نطلب حقاً لنا ... أعذرنا لا نستطيع ...
وخرجوا من مكتب الشيخ ...
كانت كلماتهم هذه كدوامة أدارت المكان بمن فيه ...
أما فهد فلم يستطع الوقوف وانخرط بالبكاء ...
ومثله فعل والدي وهو يمسك به ويحتضنه حتى سقط الإثنان على كرسي حديدي صدء داخل مكتب الشيخ ...
لم أستطع الكلام من هول الصدمة ...
جاء الجنود و أخذوا فهد وهو يمسك بأبي ولم يتركه ...
أخذوه وهو مقيد بالأرجل والأيدي بسلاسل حديدية عائدين به الى السجن ...
سألت الشيخ : وماذا بعد أيها الشيخ ...
قال لي : سوف ترفع للتصديق ... قد تأخذ شهراً أو تزيد
وبعد شهرين ... وفي صباح يوم جمعة ...
وإذا بمكالمة هاتفية من السجن تطلب حضوري العاجل ...
ذهبت مصعوقاً لا أقوى على التفكير ...
كل ما أريده هو أن أصل الى السجن ...
وعند دخولي وجدت الضابط المناوب ولديه رجل بملابس مدنية ويحمل دفتراً ضخماً
ولم أنتظر حيث قال الضابط ... هذا هو كاتب العدل ...
جاء هنا وكتب فهد وصيته ...
فقد تقرر تنفيذ الحكم اليوم ظهراً
وحيث أنه أدرجك بوصيته وجب علينا إبلاغك ...
لم أستطع أن أفتح فمي لعبرة أحبسها على مدى سبعة عشر عاماً ...
فخرجت من غرفة الضابط وإنزويت بعيداً وبدأت البكاء ...
بكيت بكاءً لم تبكه النساء ...
بكيت بكاء أشد من بكاء أمه عليه ...
فقد تعلقت بالأمل سبعة عشر عاماً ... وهاهو يتلاشى ...
فقد أصبح كل شيء يأخذ مأخذ الجد ...
أوصاني فهد بوالدته
وأوصاني فهد بجثته بعد موته
وأوصاني بالترحم عليه ... وأن أبر بوالدته ...
وأن أطلب منها أن تصفح عنه لأنه خذلها
أصررت على مسئول السجن أن أرافقهم ... ووافق ...
وركبت في مقدمة السيارة ... التي بها فهد ...
كنت لا أرى شيئاً ولا أسمع سوى صوت فهد من مؤخرة السيارة يطلب منى أن لا أنساه من الدعاء ...
وأن أؤمن بالقضاء والقدر ... وأن أبر بولدته ... رددها كثيراً ...
كان في أسمى حالات معنوياته التي عرفته بها ...
كان يحفظ القرآن ويتلوه داخل السيارة
وصلنا الى الصفاة ...
كانت بتصميمها السابق ... كان الشيخ يخطب الجمعة ...
وجمهور من البشر في كل مكان ...
لا أحد يعبأ ... لأداء الصلاة ...
فالموقف ... لا تشرحه العبارة
.. يتبع ..