نرمين .......
هل تعانين ؟؟
لم هذه الدمعة على وجهك ؟
لم هذا الاحمرار في خديك ؟
من يفعل بك هذا ؟؟
اتركي الواقع لحظات ..
اتركيه لحظات يتقلب ..
اتركيه يحترق .. يتدمر ..
عيشي معي هنا ..
في وهم رسمته من واقع ..
هو وهم الواقع ..
تعالي معي ..
المكان فسيح ..
هيا أعطني يديك ..
أعرف أنك لست صغيرة ..
لكن ربما كفي تعطيك بعض الأمان ..
تعالي لنجلس معاً ..
تحت الشجرة ..
نرمين ..
أرأيت وجهك اليوم على صفحة البحيرة ؟؟
بحيرتي سحرية ..
تخبرك عما بداخلك ..
اذهبي وانظري ..
لن آتي معك ..
هل عدتِ ؟
نرمين ..
يا حبيبتي ..
ألن تخبريني ؟؟
ألن تفتحي قلبك لي ؟؟
لم هذه النظرات ؟
أنا آسفة ..
لكن ليس فضولاً ..
أقسم ..
نرمين ..
دمعتك عندي غالية ..
تحرق قلبي ..
دعني أحتضن كفك ..
صحيح أني أصغرك ..
لكني سأحاول أن أكون عند حسن ظنك ..
سأحاول أن أساعدك ..
انظري في عيني ..
هل تثقين بي ؟
لا !
حسناً ..
هل من الممكن أن تثقي بي يوماً ؟؟
حاولي ..
لا إجبار هنالك ..
بعد عدة أيام في رحاب تلك الجنة ..
أباحت لي نرمين بما في خاطرها ..
ما يثقل نفسها ويحزن قلبها ..
أتعلمين يا نرمين ..
لم أبكِ قبلاً ..
كنت أعتبره ضعفاً وهواناً لا يليق بي ..
لكنك ..
أنتِ ..
أنتِ بكل ما تحملينه من مشاعر ..
أنت تُبكين قلب الصخور ..
وقلبي لا يحتاج لهذه القوة ..
إنما ..
هل هناك طريق ؟؟
هل هناك حل ؟
أنتِ تقولين ..
لا ..
وأنا أقول بلى ..
لا أعلم ..
هل هو التفاؤل ..
أم أنني أشعر أن هناك حلاً بالفعل ..
نعم ..
أتذكرين ..
في اللحظات الأولى أنكرتُ عليك ذلك ..
كيف تسمحين لنفسك بهذا ؟؟
كيف تفعلين هذا بنفسك من أجل ..... !
كلهم مخادعون ..
وكلهم غدارون ..
ولكنهم الخاسرون دوماً ..
إذ يدهسون قلباً كقلبك ..
من سمح لنفسه بخداعك ..
وعلّقك به ..
ووعدك ..
ثم بدأ يضع العقبات والمشكلات ..
هذا ليس رجلاً نرمين ..
ليس رجلاً ..
دعيه يذهب ..
ملايين غيره ينتظرونك ..
ملايين ..
لو علموا بك لجابوا البلاد طولاً بعرض بحثاً عنك ..
لرفعوك فوق رؤوسهم .. وقدروك ..
نرمين أنتِ ثروة ..
أنتِ أمل ..
أنتِ حياة ..
بالله عليك امسحي الدمعة ..
بالله عليكِ ..
لا يوجد في العالم من يستحق أن تسكبي لأجله دمعة واحدة ..
أبداً ..
ربما لو كان صحابياً جليلاً خسارته خسارة كبيرة ..
لبكيتُ وأنتحبتُ معك ..
لكنه يا نرمين ..
ككل الشباب ..
يعطيكَ من طرفِ اللسانِ حلاوةً .. ويروغُ منكَ كما يروغ الثعلبُ ..
هنا تَجَادَلنا ..
أنت تفترضين أن وفاء الرجال عظيم ..
وأنهم إذ يتحدثون لا يلعبون ..
بل وفي كل حديثهم جادون !
نرمين ..
أأنت بعقلك أم مغيّبة ؟؟
أفيقي ..
انظري إلى الدنيا ..
سواد في سوادِ ..
أي خير ترتجينه من دار فانية ..
خُلقنا فيها لنعبد الله ..
وليبتلينا !
نرمين..
ربما لم أعرف شيئاً كما حوى قلبك ..
لكني فتاة مثلك ..
لي أحلامي ..
ولي بطل ..
أفلا تسمعين قصتي ؟؟
ثم احكمي ..
فيم الجدل ؟
انظري هنا ..
أتذكرين الأرض المحرمة ..
لقد كانت هناك منذ الأزل ..
دائماً ما جذَبت بصري ..
ومني سرقت النظر ..
جوّلت عيني أمتعها في الجنة ..
حول البحيرة وتحت الشجر ..
بين ألوان الفراشات ..
وزغاريد الطيور ..
لكن لي نفساً لا تهدأ ..
شغوفة بالمغامرة ..
محبةً للتحدي ..
تهفو للتغيير ..
وربما تخطو نحو المصير !!
في يوم ساحر جميل ..
تركت كل رائع في الجنة ليس له مثيل ..
واقتربتُ من تلك الأرض ..
فضولٌ يقتلني ..
يعميني عن الحقيقة ..
يرسم لي خيالاتٍ وأطيافاً غريبة ..
بلهفة مددت يدي ..
وبرفق أزحت الستار ..
أتعرفين ..
ليتني ما فعلت !
كم من الأمور نندم عليها ؟؟؟
الكثيييييييييير ..
لكن من المهم أن نتعلم الدرس ..
يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ..
نرمين ..
أنتِ لم تعرفيني قبلاً ..
كنتُ – قبل أن اهتدي لهذه الجنة –
وقبل أن أرسم كائناتها وألوانها بخيالي ..
كنتُ أعيش في برج عال ..
لا باب له ..
نافذة واحدة كبيرة ..
تتصدر البهو الكبير ..
البهو العلوي ..
حتى لا يستطيع أحد الهروب منها ..
كانت تلك النافذة تطل على قرية صغيرة جميلة ..
لكن ظلال البرج تقع عليها ..
فتلقي عليها روحاً كئيبة حزينة ..
كنت أرمق الناس هناك ..
يحاولون أن يمرحوا ..
يحاولون أن تحلوا لهم الحياة ..
بعضهم كان يخفق وبعضهم كان ينجح ..
لكني أردت أن آخذ فرصتي معهم ..
أردت أن أحاول ..
فقط أحاول..
كنت حينها أعيش وحدي في ذاك البرج ..
وحيدة تماماً ..
الظلام الدامس في كل ممرات البرج ..
والغرف المنسية ..
متربة ..
شباك العنكبوت تغطيها ..
ورائحة الموت تجوّل فيها ..
قبو البرج يصدر ضوضاء مخيفة ..
سلاسل وأحجار .. ودروع معدنية ..
ورائحة الموت تخنق أنفاسي ..
تكتم قلبي ..
لا منجى سوى نافذة البهو العلوية ..
لم أخبركِ أمراً ..
ففي السماء كانت دوماً هناك ..
أمطار غاضبة .. وأعاصير رعدية ..
والبرق يخطف كل لحظة روحاً ..
أو يكسر مزهرية ..
والليل ضارب أطنابه ..
دون شمس تمزق أستاره ..
والجبال تحد المكان ..
لتزيد الخنقة !
في ذاك الوادي السحيق ..
حاولت أن أخرج .. أن أجد الباب ..
ولما عرفت أن الأقدار كتبت لي ..
أن أبقى دوماً حبيسة هذا البرج وحيدة..
جننت ..
لا أطيق أن أحيا وحيدة ..
الموت ..
أين هو ؟؟؟
راحة المظلومين ..
رحمة السماء ..
لكني بعد موجة البكاء ..
والنحيب والنواح ..
رفعت رأسي ..
كل العظماء كانوا يبحثون عن المنفذ ..
رغم الظلام ..
ورغم أن كل شيء يوحي بالعدم ..
لكنهم كانوا يحاولون ..
ويستخرجون النصر من فك الهزيمة ..
وهل أنا أقل منهم ؟؟
قد أستطيع ..
عليّ المحاولة ..
تجولت في البرج ..
شرفات منسية ..
طَرَقَات وهمية ..
يحاولون أن يردّوني !
فليعلموا أنهم لن يردعوني ..
وإن حاولوا ..
أنا أقوى من الظلام ..
أقوى من الخوف ..
أقوى منهم جميعاً ..
سيرون ..
مضيت أبحث ..
أبحث ..
أبحث ..
من بعيد وجدت شعلة ضوء ..
أظنها مزحة !
لكني باقترابي ..
كانت تكبر ..
وتكبر ..
وتكبر ..
تذكرت موسى عليه السلام ..
إذ التمس الدفء والأمان بجانب النار ..
فأراد أن يأخذ منها قبساً يعود به لأهله ..
اقتربت في خوف وتوجس ..
وجدت هناك شخصاً ..
أولست وحدي في هذا المكان !!!
اقتربت ..
ربما كان سراباً ..
لكن عيني لا تخدعاني لهذه الدرجة ..
ولفح النار ..
يضرب وجهي ..
يدفيء أوصالي ..
ويدفيء روحي ..
التي كانت حائرة ..
هل لاحظت يا نرمين ؟؟؟
سلّمت !
وما كدت أعرف شيئاً عنه ..
لكني سلّمت ..
في خوف وتردد ..
اقتربت ..
وبوقاحة ..
جلست ..
ابتسم في وجهي وهش وبش ..
سألني ..
كلمات ..
ما وجدت لها جواب ..
أتعرفين لماذا ؟؟
وجدت أني قد نسيت لغة البشر !!
تعودتُ وحدتي ..
وعشتُ غربتي ..
فنسيتُ لهجتي !
صمتّ ..
وعيني منذ البدء مزروعة في الأرض ..
حاول من جديد ..
وحاولت ..
لكنني أخفقت ..
لم تخرج كلمة !
أردت أن أبكي ..
لأني لا أستطيع أن أصرخ ..
أردت أن أبكي علّ صوتي الذي بح ..
يذكر أيامه المجيدة ..
فيرجع !
لكنه عاندي ..
غشيت عيني غشاوة دمعٍ ..
لكني لم أبكِ
نرمين ..
البكاء ضعف ..
إياك أن تبكي ..
مسحت دمعاتي مسرعة ..
بحركات خفيّة تهدف ألا يدري ..
أردت أن أعرف كيف أتى ؟؟
لكني لم أسأل ..
قال :
ألن تخرجي ؟؟
هل ستبقين هنا ؟؟
كنت أريد أن أصرخ ..
" بل أريد الخروج .."
رفعت عيني لأقولها ..
ثم تذكرت صوتي الذي رحل ..
فصمتّ!
لكنه ..
أرسل نحوي يداً ..
منذ متى كانت آخر مرة رأيت فيها يداً ساعدتني ..
فكان الجواب أني لم أرَ !
دون وعيي ..
مددت يدي ..
قادني عبر الممرات المظلمة ..
عبر الغرف الموحشة ..
عبر السراديب ..
وعبر الأقبية ..
بدأت رائحة غريبة تزكم أنفي ..
رائحة غريبة كانت ..
لكنها جميلة ..
منعشة ..
أشعر بها تنعش روحي وتحيي بها ما قد ذبل ..
رائحة الحياة كانت !
نرمين ..
كانت رائحة الحياة ..
خرجتُ من البرج ..
ورأيت حولي جنة قريبة من هذه ..
هي أصل هذه ..
لكني طورتها فيما بعد ..
كانت تلك الجنة بالنسبة لي ..
أمراً أسطورياً خيالياً ..
أمراً وهمياً ..
سيختفي في أي لحظة ..
كما برزت في تلك اللحظة ..
أردت سؤاله أكثر ..
أردت أن أشكره ..
تلفت حولي ..
ما وجدته !
أين ذهب ؟؟
هل كان وهماً ؟؟؟
لكن ملمس كفه لا يزال في كفي ؟؟؟
أين ذهب ؟؟؟
أردت أن أنادي ..
لكني لم أعرف اسمه ..
صرخت بصوت فرحت أنه عاد ..
أيها الغريب ..
أيها الغريب ..
أيها الغريب ..
لكني لم أجده ..
لقد رحل ..
رحل !
كم هي غريبة هذه الكلمة ..
هل وُجد كي يرحل ؟؟
أظنني توهمته ..
لكنه ..
سواء كان وهماً أو حقيقة ..
فقد كان طوق نجاة ..
كان مهرباً ..
وكان بطلاً ..
مضيت أتمشى في الجنة ..
حزينة ..
أبكي ..
لم أمسح أدمعي ..
بل تركتها تنهمر ..
بقيت على حالي أياماً ..
لا أعرف ماذا أفعل ..
انتظرته دون أن يأتي ..
كفكفت دمعي ..
وجلست أفكر ..
بالتأكيد ذهب لأنه يعرف هدفاً لحياته ..
لأنه يعرف طريقه ..
كان مجرد عابر سبيل ..
أعانني ..
لكنه لم يبقَ معي ..
وبأي حق أطالب أن يبقى ؟؟
ألن تعقلي ؟؟؟
لقد مضى في طريقه ..
هل ستثنيه عن طريقه ؟؟؟
هل تريدين - بأكبر أنانية في الكون - أن يبقى هنا ؟؟
ولماذا ؟
ماذا يفعل ؟؟
بل ماذا تفعلين إن بقي ؟؟
إن أفضل شيء تفعلينه هو أن تنظري حولك ..
وتقرري ما تريدين فعله ..
تحددين طريقك ..
وتمضين به ..
كما يفعل الجميع ..
كنت تتمنين الخروج من البرج ..
ها أنت خارجه !
حاولي كما تمنيت أن تحاولي ..
جربي ..
جدي هدفاً وقاتلي من أجله ..
بالأمس كان هدفك الخروج من البرج فقط ..
هدفك الآن أكبر وأوسع وأجمل ..
فقط جديه ..
وابحثي عنه ..
وامضي من أجله ..
وها أنا يا نرمين ..
قد حددت هدفاً ..
وأحاول أن أمضي وأقاتل وأحارب من أجله ..
لكني دائماً أتذكره ..
منقذي !
فهل تلوميني ؟؟
أم ألوم نفسي ؟؟
هذه قصتي ..
فاحكمي ..
وجادليني ..
نرمين ..
أعرف رأيك ..
لكني .. صدقيني ..
لستُ كما تظنين ..
أنت مخطئة ..
ماذا ؟
هل تلحّين ؟؟
ليكن ..
لن أجادل كثيراً ..
وضحتُ لك قصتي ..
مقرونة بأدلتي ..
فأقنعيني بأدلتك أقتنع ..
أو اتركني لقناعاتي ..
نرمين ..
لا ..
أنا وأنت مختلف ..
الأمر مختلف ..
لم تقلبين كل شيء عليك ؟؟
أنا لم أقل هذا ..
اهدئي واسمعيني ..
لو كنتِ مكاني وكنتُ مكانك ..
ماذا ستفعلين كي تساعديني ؟؟
نعم ..
فهمت ..
حاضر ..
تمام ..
لكن نرمين ..
هل تؤمنين أن هذا هو الحل ؟؟
بثقة ؟؟
حسناً ..
ثقي بأني سأحاول..
سأنفذ كل ما تريدين مني ..
رغم أني أظن أنك يجب أن تكوني أقوى من هذا ..
ربما يقلل هذا من شأنك ..
لا تمانعين ؟؟
نرمين ..
أنا لا أرضى لك بما لا أرضاه لنفسي ..
لكني سأفعل لك ما تحبين ..
على كراهةٍ ..
لكن قبل أن أبدأ ..
بنظرتي الحذرة .. دعيني أقل لك أمراً ..
إياك أن تفكري يوماً أن تفعلي لي كما سأفعل لك ..
أنتِ من طلب مني ما سأفعل ..
وقلتُ لك ..
على كراهةٍ سأفعل ..
إياك أن تحاولي ..
إياك أن تفعلي ..
قد أودعتُ سري الصغير صدرك ..
فكوني لي بئراً وستراً ..
مشكورةً ..
محبوبةً في قلبي ..
***
|