(5)
وحاول سعد أن يذكرهم بعقدهم فتصاموا عنه فلما خوفهم عقبى الغدر وذكر لهم مصير بني النضير شتموه بأقبح الشتائم، فلما عادت حشود الأحزاب تحمل معها الفشل والخيبة بقي اليهود وبقيت معهم غدرتهم التي فضحت طواياهم وكانت مشاعر الغيظ والبغض في أفئدة المسلمين نحو أولئك اليهود قد بلغت ذروتها فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار وقذف الله في قلوبهم الرعب، وعرض كعب بن أسد سيدهم عليهم ثلاثة حلول فقال" يا معشر يهود قد نزل بكم من الأمر ما ترون وإني أعرض عليكم أن نتابع هذا الرجل ونصدقه فوالله لقد تبين لكم إنه لنبي مرسل وإنه الذي تجدونه في كتابكم فتأمنون به على دمائكم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم ، قالوا : لا نفارق حكم التوراة أبدا، قال إذا أبيتم علي فهلمّ نقتل أبناءنا ونساءنا ثم نخرج إلى محمد وأصحابه فنقاتلهم لا نخشى شيئا وراءنا قالوا فما خير العيش بعد أبناءنا ونسائنا قال : فإن أبيتم فإن الليلة سبت وعسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنوا منها فانزلوا لعلنا نصيب منهم غرة قالوا : نفسد سبتنا علينا ونحدث فيه مالم يحدث من كان قبلنا إلا من قد علمت فأصابه مالم يخف عليك من المسخ! فقال لهم : ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة من الدهر حازما،" وحاول بنو قريظة أن يظفروا بالصلح بيد أن المسلمين أبو عليهم إلا أن يسلّموا دون قيد أو شرط لجرمهم وغدرهم الشائن ثم طلبوا منه أن يرسل إليهم أحد حلفائهم من الأوس ليستشيروه وهو أبولبابة بشير بن عبد المنذر فأرسله إليهم فلما رأوه قام إليه الرجال وبكت النساء والأولاد فأشفق عليهم وسألوه هل ننزل على حكم محمد ؟صلى الله عليه وسلم قال نعم قالوا على ماذا؟ فأشار بيده إلى حلقه أي أنه الذبح قال أبو لبابة والله ماتحركت قدماي من مكانهما حتى علمت أني قد خنت الله ورسوله !!رحمك الله يا أبا لبابة أمن أجل إشارة بيدك إلى حلقك خنت الله ورسوله أين أنت يا أبا لبابة تعال لترى الخيانة أشكالا وألوانا تعال لتسمع التصريحات وترى الحشودات والقواعد في أرض الشرفاء تنقضّ على عباد الله وأرض الله. هؤلاء هم رجال الأمة الذين تناديهم الأمة في الملمات ,,يقول أبو لبابة والله ماتحركت قدماي من مكانهما حتى علمت أني قد خنت الله ورسوله لأنه كشف خطة النبي صلى الله عليه وسلم مع أنهم كانوا يعلمون عاقبة غدرهم وهو القتل ثم انطلق أبو لبابة على وجهه ولم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم بل ذهب إلى المسجد فربط نفسه في سارية من سواري المسجد وقال والله لاأبرح مكاني هذا حتى يتوب الله علي مما صنعت وعاهد الله أن لايطأ أرض بني قريظة بعد اليوم حتى لايرى أبد في مكان خان فيه الله ورسوله هكذا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نفوس أبيّة وهمم عليّة واخلاق مرضية. لايرضون أنصاف الحلول توابون أوّابون. بأخطائهم وذنوبهم على قلتها معترفون. استبطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أبالبابة فسأل عنه فقيل له مافعل فقال صلى الله عليه وسلم ((أما إنه لو جاءني لاستغفرت الله له فأما إذ قد فعل فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه )) ثم تاب الله عليه ونزل قول الله تعالى (وءاخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وءاخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم) وهناك عند الروضة الشريفة والقبر الكريم قبر محمد صلى الله عليه وسلم إذا أتيت رحابه الطاهرة فابحث في الروضة عن سارية كتب عليها سارية التوبة وحاول أن تأخذ منها العبر فتلك هي السارية التي ربط بها أبو لبابة رضي الله عنه نفسه.
يتبع ..
|