أخي في الله ..
احرص أن تتابع بين نوافل الطاعات، ومن ذلك الحج خلال السنوات، والإكثار من العمرة خلال السنة، فالرسول صلي الله عليه وسلم يقول:[الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ] رواه البخاري ومسلم .
اسعى في قضاء حوائج الآخرين- وخصوصًا الأرملة والمسكين- وأكثر من تلاوة كتاب الله بتدبر وفهم وعمل بالآيات، وأكثر من ذكر الله، واسأله لنفسك ولأقاربك وإخوانك في الله وللمسلمين أن يدخلك الجنة، وأن يبعدك عن النار، وأكثر من الاستغفار، والصلاة والسلام علي المصطفي المختار. وكن ممن يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر علي قدر طاقتك.
احرص .. علي مجالس العلماء وحلق الذكر، ففي ذلك حياة لقلبك، وكن ممن يحيون سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم في كل شئ، ومن ذلك الجلوس بعد صلاة الفجر في المسجد حتي تطلع الشمس وتصلي ركعتين لعل الله يعطيك أجر حجة وعمرة تامة، تامة، تامة؛ فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:[ مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ] رواه الترمذي .
وخير ما أوصيك به:
الإكثار من الدعاء في السجود، فإنك قريب من الله، فسله أن يصلح قلبك، وأن يثبتك علي طريق الإيمان، فكم من إنسان سار علي هذا الطريق وأضله الشيطان بسبب ذنوب باطنة أو ظاهرة، نسأل الله العافية والسلامة من الوقوع في خطواته، وليكن عندك يقين بأنك تدعو مَنْ بيده خزائن السماوات والأرض، لا يعجزه شئ في الأرض ولا في السماء، إذا أراد شيئًا إنما يقول له كن فيكون، فهو يحب السائلين، ويفرح بالتائبين، وأنين المذنبين أحب إليه من زجل المسبحين المعجبين بأعمالهم .
واحذر يا أخي:
الحسد فهو يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.. واحذر من احتقار الناس، فالناس ليسوا مظاهر فقط، وإنما بواطن كذلك، فرب أشعت أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم علي الله لأبره خير منك عند الله؛ لصلاح قلبه باليقين والتوكل، والإنابة، والرغبة والرهبة، والخوف والرجاء، والمحبة والإخلاص، والتعلق بالله والإخبات والخشوع، وغير ذلك من أعمال القلوب التي هي من أفضل الأعمال عند الله عز وجل.
واجتهد في..
إصلاح قلبك فالرسول صلي الله عليه وسلم يقول:[ إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ] رواه البخاري ومسلم .
اجتهد دائمًا..
في فعل الطاعات لعل الله يتوفاك عليها، ويبعثك عليها، فلا تضيع الأوقات فالفرصة ما زالت بيدك، لا يضحك عليك الشيطان كما ضحك علي كثير من الناس بانشغالهم عن الله بأموال، ومناصب، وأزواج، وأولاد، وشهادات، وأصدقاء من أهل السوء، وهو حريص أن تكون من حزبه في النار، فإن كنت صاحب همة؛ فإنك سوف تنقاد لأمر الله ورسوله بالليل والنهار، فتكن من أصحاب الهمم العالية، وإياك أن تكون من أصحاب الهمم الحيوانية، فما أكثرهم في هذا الزمان .
وسارع إلي الله..
ما زال في العمر بقية، سافر بقلبك وجوارحك إلي الله والدار الآخرة قبل أن يدركك هادم اللذات، ومفرق الجماعات..وإياك أن تكثر من المباحات التي تؤدي إلي المكروهات، ثم إلي المحرمات، وعصيان الرحمن.
واجتنب كثرة الضحك ..
فإن الضحك يميت القلب، واحذر كثرة الخلطة؛ فإن كثرتها تضيع عليك الأوقات التي هي رأس مالك في هذه الدار التي يجب أن تعمر أوقاتك فيها بكل ما ينفعك عند الله.. وأمسك لسانك عن الآفات اللسانية التي وقع فيها أكثر الناس، فإذا مات القلب فما فائدة الطاعة؟
كن دائمًا محافظاً..
علي ما افترض الله عليك من الطاعات، وخصوصًا الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، والعمرة، وبر الوالدين، وليكن شعارك دائمًا: فعل الطاعات، والبعد عن المنكرات، والصبر علي أقدار الله؛ تكن من أهل النعيم الدنيوي، الذي يجعلك تسارع إلي النعيم الأخروي.
واحرص علي زيارة المقابر ..
كي تتذكر ساعة الرحيل، وصل علي جنائز المسلمين، وشارك في دفنهم، فلك من الأجر قيراطان كما ورد عن الرسول صلي الله عليه وسلم في الحديث:[ مَنْ خَرَجَ مَعَ جَنَازَةٍ مِنْ بَيْتِهَا وَصَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ تَبِعَهَا حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ مِنْ أَجْرٍ كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ...] رواه البخاري ومسلم .
احرص أن لا يفوتك شئ من الخير..
فأيامك معدودة، وأنفاسك محدودة، ولا تدري متي الرحيل إلي الآخرة.
أخي في الله
اسأل الله القبول وحسن الختام، فالأعمال بالخواتيم، ولا يدري العبد كيف تكون خاتمته، وإنما الأعمال بالقبول، فالله عز وجل يقول:} إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ[27]{ [سورة المائدة]. فهل أنت من المتقين؟
ومتابعتك له، لكي يقتدي بك الآخرون، وإياك والتعصب لأحد سواه، واعلم أنك علي طريق الأنبياء والمرسلين، فكن عزيز النفس، فأنت الأعلى بإيمانك.
أخي :
هل تريد أن يحبك الله، فيحبك بعد ذلك جبريل والملائكة، ويوضع لك القبول في الأرض، فتكون محبوبًا عند الناس.. أخي في الله هذه أسباب جالبة لمحبة الله لك، فاحرص عليها؛ لعله يحبك، فتكون من المنعمين في الدنيا والآخرة:
قراءة القرآن بتدبر وتفهم لمعانيه، وما أريد منها، ولا يكن همك نهاية الآية.
التقرب إلي الله بالنوافل في الليل والنهار بعد الفرائض، فيقول صلي الله عليه وسلم:[إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ...] رواه البخاري .
دوام ذكره علي كل حال: باللسان والقلب، والعمل والحال، فنصيبك من المحبة علي قدر نصيبك من هذا الذكر.
إيثار محابه جلا وعلا علي محابك عند غلبات الهوى، والمسارعة إلي محابه وإن صعب المرتقى.
مطالعة القلب لأسمائه وصفاته، فمن عرف الله بأسمائه وصفاته وأفعاله؛ أحبه لا محالة، فتتأمل في أسمائه، وتؤمن بآثارها وأركانها، واقتبس النور منها في حياتك.
مشاهدة بره وإحسانه، ونعمه الباطنة والظاهرة؛ فإنها داعية إلي محبته، فكلما تذكرت بره وإحسانه بك وبخلقه وتفكرت في آياته ونعمه؛ تزداد محبة له جل وعلا.
انكسار قلبك بكليته بين يدي الله تعالي.
الخلوة به وقت النزول الإلهي، لمناجاته وتلاوة كلامه، والوقوف بالقلب، والتأدب بأدب العبودية بين يديه، ثم اختم ذلك بالاستغفار والتوبة.
مجالسة المحبين الصادقين، وتنتقي أطيب ثمرات كلامهم كما تنتقي أطيب الفواكه والطعام، ولا تتكلم إلا إذا ترجحت مصلحة الكلام، وعلمت أن فيه مزيدًا لحالك، ومنفعة لغيرك.
مباعدة كل سبب يحول بين قلبك وبين الله، وملاك ذلك كله أمران: استعداد روحك لهذا الشأن، وانفتاح عين بصيرتك .
أسأل الله لي وللمسلمين: العلم النافع، والعمل الصالح، والإخلاص لله في ذلك، وصلي الله وسلم علي نبي الغرباء محمد، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
من رسالة" وصية غريب"
للشيخ عبد الواحد بن عبد الله المهيدب