عرض مشاركة مفردة
  #5  
قديم 05-02-2004, 08:25 PM
abunaem abunaem غير متصل
جماعة المستضعفين في الأرض
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: germany
المشاركات: 777
إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى abunaem
إفتراضي تابع

سد حلقك !

لكن الفتى لم يكن يستطيع الصبر ، فيعيد الرجاء وينادي : -والله بطني بتوجعني . . يا عالم . . لم أعد أستطيع ضبط نفسي . . عندها جاءه عنصر منهم وفتح النافذة وتناوله بضربة بالكبل وهو يكرر:40

-سد حلقك واخرس يا . . .

وسكت الفتى لبرهة يا حرام ، بدأنا نشم بعدها رائحة من زنزانتهم خنقتنا . . فعاد العنصرإليه يكفر ويلعن ويقول له : -فعلتها هنا يا ابن ال . . . وأخرجه إلى الممر وانهال عليه ضربا كالمجنون ، وتعالى صراخ أمي من منفردتها ثانية تدعو عليهم وتقول له : -يخرب بيتك . . مالك قلب بشر؟ سألك أن تخرجه فلم تفعل ففعلها تحته . .ماذا يفعل المسكين بنفسه ؟ وعاد الأمر بعد هذه المهزلة إلى ما يشبه الهدوء من جديد . . ومضت ساعات الليل المتبقية تمر علي أثقل من الجبال ، وعلى الرغم من أنني لم يطرق لي النوم جفنا ليلتها إلا أنني بدأت أفقد الإحساس بما حولي ، وأتخيل ربما من شدة البرد أن الثلج قد غطى المكان كله ، وأن العناصر تستعد لاقتحام الزنزانة علي ليسحبوني في هذا الثلج فيعروني ويعذبوني للمرة الأخيرة قبل أن يرشوني وأغادر الحياة ! لكن شيئا من ذلك لم يحدث ، ولم ألبث وقد دنا وقت الفجر أن أحسست بما يشبه الطرق الخافت على الجدار من الزنزانة الأخرى المجاورة حيث وضعوا ماجدة ، فعلمت أنها تنبهني إلى موعد الصلاة ، ولم نكن خلال الفترة السابقة من الإعتقال كلها قد تمكنا من الصلاة ، فتيممت وهممت أن أبدأ ، لكنني لم أستطع معرفة اتجاه القبلة فطرقت الباب ، ولم يلبث أن حضر حسين من جديد فسألته ، فقال بسخرية : -

كيف وضعت رأسك على الفلقة فهذا اتجاه القبلة ! كررت عليه السؤال مع الرجاء ، فقال بتبرم : - أنا لا أصلي . . لا أعرف ، لكنني أشاهد الشباب في المنفردات يصلون بهدا الإتجاه . فصليت إلى حيث أشار وظهري إلى الباب ، فكان قلبي ينتفض من الرعب طوال الصلاة خشية أن يفتح أحد العناصر علي فيراني وأنا أصلى! فيحدث ما لا تحمد عقباه ! وبالفعل . . وبينما أنا في صلاتي فتح السجان ابراهيم الطاقة ليعطيني الإفطار ، فلما رآني أصلي قال بما يشبه السخرية : -شو . . عم بتصلي ؟

فلم أجب ، ولكنني أحسست أن قلبي قد سقط بين يدي ، غير أن الله سلم ، ومضى إبراهيم فأكمل توزيم الفطور على الزنزانات الأخرى ثم عاد ففتح وسألنى باستهزاء : -خلصتي ؟ الله يتقبل ! هززت برأسي دون أن أجيب ، فاكتفى بدفع طبق الطعام إلي والذهاب . . ولم يكد يفعل حتى فتحت الطاقة من جديد وكان القادم هذه المرة أبو محمد . . الرجل الذي ترفق بي لأدخل الزنزانة ليلة الأمس ، فسألني : - ألا تريدين الخروج إلى الحمام ؟ أشرت بالإيجاب ، فلما فتح باب المنفردة أطللت على الممر برأسي فما وجدت أحدا . . سألته : - مالي لا أسمع صوتا هنا ؟ وهذه صديقتي ملك ألم تنزل من التحقيق ؟

قال : خرجوا . . كلهم خرجوا ، وما بقي إلا أنت ورفيقتك الثانية – يقصد ماجدة - .

قلت بدهشة واضطراب : وأمي ؟

قال : أنت ورفيقتك وأمك فقط . . صفوكم !

أحسست أنها النهاية وأنها راحت علينا . . خرج الجميع وبقينا نحن . . إذا فهي النهاية! سألته وأنا أشهق بالبكاء : - ولماذا أخرجوهم ولم يخرجونا نحن ؟ أنا لم يثبت أي شيء علي . . أنا بريئة .

أطرق وهو يقول : والله لا أعلم . . إسأليهم ، أنا هنا مجرد موظف .43

ثم غير مجرى الحديث وقال : -

أتريدين أن تأكلي .. ألست جائعة؟ أنا أحضرت فطوري الخاص معي : زبدة ومربى وأشياء أخرى . . أكلت منهم وزاد معي قطعة . تذكرت وقتها أنني لم أكن قد أكلت شيئا إلى ذلك الوقت من قبل ، لكنني لم أشأ أن آكل طعام غيري أيضا ، فشكرته واعتذرت . . ثم لما اشتد علي الجوع في اليوم الثاني بدأت آكل القشرة الخارجية للصمون الذي يحضرونه لأن الداخل عجين كله . . وقطعة الجبن التي لا يحضرونها إلا نادرا بطبيعة الحال ، وعلى هذه الحال بقيت طوال فترة بياتي في المنفردة ثمانية أيام بالتمام والكمال !

"الخط "ورعاه البقر !

طلع صباح أول أيامي في سجن كفر سوسة وأنا لا أزال قابعة أترقب في زنزانتني المجهول بوجل ، وأطل على أحداث الأيام التي مضت مصدقة ومكذبة! تلفت أتأمل "مسكني " الجديد فإذا به أشبه بالقبر منه إلى أي شيء اخر ، وعدا الصراصير التي كانت لا تزال تبحث بمجساتها المقرفة عن شيء رطب تقتات عليه لم أستطع في البداية أن أجد على الجدار القاتم شيء ، لكن تسرب بعض الضوء واعتياد عيناي على الظلمة جعلني أبصر خطوطا مميزة بعض الشيء وشعار "الله أكبر ولله الحمد" محفورة أكثر من مرة وحولها أسماء أشخاص عديدين مروا على هذا المكان التعس قبلي . . وكان ثمة نقش لمسجد كتب حوله "لا إله إلا الله محمد رسول الله " وأسفل منه اسم الشخص الذي نقشه على الأغلب . . كذلك لمحت خريطة لفلسطين وتحتها عبارة "الله أكبر ولله الحمدا ا! لم تكن أكثر من ساعتين على صلاة الفجر قد مضتا حين بدأت دورة يوم جديد من أيام السجن تأخذ مجراها . . فكما الكلاب تفعل كان المحققون والجلادون والسجانون لا ينامون إلا إذا دنا الفجر ويستيقظون وقت الضحى! وسرعان ما بدأت الشتائم واللعنات وعبارات الكفر بالله تختلط 44

بفرقعة الكبلات على ظهور السجناء يقتادونهم إلى الحمامات أو إلى "الخط " بلغة السجن المتداولة . كان (ياسين ) المجند العلوي المتطوع أحد أجهل خلق الله وأغباهم يتصدر لهذا العمل على الدوام ، فتراه يمسك بالكبل بيده ويتفرس في طابور المعتقلين المتجه نحو الحمامات لبرهة ، ثم لا يلبث أن ينقض على المساكين لطما ولسعا يسلخ جلودهم كالدواب . . والويل كل الويل لمن كان يجرؤ ويصيح من الألم . . فجزاء ذلك مضاعفة العذاب حتى لا يعيدها ثانية! وسرعان ما انطلق صوت أمي من زنزانتها تنادي عليه : -

يا ولدي . . هل تظن أنك لا تزال في الضيعة التي جئت منها وهؤلاء قطيع من البقر الذي كنت ترعاه ! ولم يكن ياسين ليرضى أن يقطع متعته الصباحية شيء فاستمر يجلد الشباب ويتلذذ في خلق هذا المشهد الرهيب . . وأمي تطرق الباب بأيديها وأرجلها وتبكي ألما عليهم وحسرة وليس من مجيب ! ولم تكد تنته هذه المأساة ويهدأ المكان بعض الوقت حتى كان موعد التحقيقات قد جاء ، وعاد صراخ المعذبين وصيحات العناصر وشتائم المحققين تقرع اذاننا وتذيب منا القلوب ، ثم وكما بدأت بلا مقدمات خفتت الأصوات من جديد ، ولم ألبث أن وجدت باب الزنزانة يفتح وأحد العناصر يدعوني للذهاب إلى الحمام ، فلما أصبحت هناك وحدي وبدأت الوضوء وكل ظني أنني قد أغلقت الباب بإحكام علي فوجئت بوالدتي أمامي ، فأدهشتها المفاجأة مثلما أدهشتني . . واندفعت من فورها تحيطني بذراعيها وتسألنى وهي بادية الإضطراب : - قتلوك ؟ عذ بوك ؟ قلت أريد أن أخفف المصاب عنها : لا . . أنا بخير .

لكنني كنت وقتها أضع رجلي على الحوض وأغسلها للوضوء ، فأشارت مفجوعة إليها تقول :45

-ولكن ما هذا ؟ رجلك كلها زرقاء وأصابعك مزرقة أيضا ولا تكاد تظهر ! هل أذاك أحد؟ هل مسك أحد ؟

قلت من جديد : لا . . الحمد لله ما مسني أحد . سألتني وكأننا في سباق مع الزمن : ولماذا أمسكوك إذا ؟ قلت : والله لا أعرف . . يريدون أخي صفوان ويريدونني أن أدلهم عليه . فأخبرتني هنا أنها أجابت في التحقيق كما أجبت بأنه يدرس في الباكستان ، فشعرت بارتياح لتطابق كلامي مع كلامها ، ولكنني وجدتها تتركني وتخرج إلى الممر ندعو عليهم بأعلى صوتها ، فحضر حسين راكضا وهو يصيح بالعنصر الآخر : - كيف جعلتها تدخل والأخرى لا تزال هناك ؟ ألا تعلم أن اجتماع أكثر من شخص هناك ممنوع ؟ أجاب العنصر الذي أحضر أمي : لم يكن لي عالم بوجود أحد اخر . . لماذا أغلقت أنت باب المنفردة التي كانت فيها ولم تتركه مفتوحا لأعلم أنها لا تزال في الخارج ؟

واقتاد كلاهما والدتي وهي لا تكف عن إطلاق دعواتها عليهم ، ولم تتح لي رؤيتها ثانية إلا بعد أيام ، ولم تتح لي معرفة سبب وكيفية اعتقالها إلا حينما اجتمعنا في المهجع بعد انتهاء التحقيق . . فقصت علي - رحمها الله - ما جرى بالتفصيل .

الكمين
__________________
... ( الحق قوة ) ...

ليس في الاسلام عندنا شيئ اسمه ..

حل وسط

انما الاحكام فيمن عندنا قسمان ...

اما صح أو غلط


(((((من نثرياتنا الالمانية)))))